سنة أخرى ترخي سدولها، طاوية بين سطور فصولها أحداثاً هامة بحلوها ومرها، سنة كانت سياسية بامتياز، حيث استحوذت الانتخابات الأميركية على أغلب محطاتها، لكنها لم تخلُ من منعرج اقتصادي غيَّر خريطة أوروبا، ناهيك عن مسلسل العنف والإرهاب الدموي الذي لا يزال يفتك بالكثير من الأبرياء.
ترمب الرئيس المثير للجدل
الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، كان حديث العام والخاص منذ مطلع السنة بتصريحاته النارية المثيرة للجدل، لدرجة أنه افتك لقب شخصية العام، وهي نسخة سنوية من مجلة تايم الإخبارية الصادرة في الولايات المتحدة، تقوم بتمييز شخص أو مجموعة أو فكرة أو شيء ما “يمتلك الأثر الأكبر في أحداث العام، سواء كان ذلك للأحسن أو الأسوأ”.
وقد نجح مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترمب، في الولوج إلى البيت الأبيض، ليصبح بذلك الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأميركية، بعد تفوقه على منافسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون، عقب السباق الطويل والمضني نحو البيت الأبيض.
البريكست يغيّر خارطة أوروبا الاقتصادية
في المشهد الاقتصادي كان القرار التاريخي القاضي بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الحدث الأبرز في السنة، بتداعياته على الاتحاد نفسه وعلى السياسة البريطانية الداخلية، وذلك بعد 43 عاماً من العضوية.
وقد صوّت 51.9% من الناخبين البريطانيين مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، مقابل 48.1% عبروا عن تأييدهم للبقاء فيه.
وودعت بريطانيا رئيس وزرائها ديفيد كاميرون، الذي قدم استقالته تاركاً منصبه لوزيرة الداخلية، تيريزا ماي، بعد أن فازت بزعامة حزب المحافظين، فيما اعتبر أول خطوة في التغييرات التي فرضت نفسها سياسياً بموجب متطلبات الخروج من الاتحاد الأوروبي.
مسلسل الدم يتواصل في 2016
مسلسل الدم والتفجيرات الإرهابية والاعتداءات لم يتوقف خلال سنة 2016 بل زادت وتيرته وأفظعها كانت تفجيرات بروكسل في شهر مارس، حيث قتل 34 شخصاً، وأصيب 135 آخرون في تفجيرين وقعا في مطار بروكسل، صباح يوم دامٍ وآخرين استهدفا محطتين للمترو في العاصمة البلجيكية. وقد تبنى تنظيم “داعش” الهجمات.
وبعد أقل من ساعة، هزّ انفجار جديد محطة قطارات قرب مبنى للاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية لدى وصول القطار إلى المحطة أثناء ساعة الذروة الصباحية، ما أسفر عن مقتل أشخاص عدة.
كما وقع تفجير رابع في محطة مالبيك أو محطة شومان المجاورة، حيث مقرات الاتحاد الأوروبي، أسفر عن مقتل 15 شخصاً وإصابة 40 آخرين.
ولو رجعنا بكرونولوجيا (التسلسل الزمني) التفجيرات والاعتداءات الإرهابية فلن نخلص من سرد تفاصيلها من تركيا إلى أميركا إلى العديد من دول العالم، لكن هجوم نيس الفرنسية سيظل دون شك راسخاً في ذاكرة الجميع، فقد وقع ما لا يقل عن 84 قتيلاً ناهيك عن أكثر من 100 جريح، إثر اندفاع شاحنة صوب جمع من الناس كانوا محتشدين لمشاهدة الألعاب النارية بمناسبة احتفالات العيد الوطني، فدهستهم على امتداد كيلومترين. وقد بينت التحقيقات أن منفذ الهجوم من أصل تونسي يدعى محمد لحويج بوهلال، في الـ 31 من العمر مقيم في نيس.
الموت يغيب أسطورة الفن النبيل
سنة 2016 غيبت شخصيات كان لها وقعها في مجالاتها ففي الفن النبيل فقدت حلبات الملاكة أيقونتها الأبرز، الأسطورة محمد علي كلاي، الذي فارق الحياة بعجز عن التنفس ومضاعفات مرض الباركنسون عليه في مستشفى بمدينة فينيكس في ولاية أريزونا يوم 3 يونيو 2016.
وعقب إعلان نبأ وفاته غصت مواقع التواصل الاجتماعي بصوره متبوعة بتعليقات تنعى فقدانه. إذ إنه لم يكن ملاكماً عالمياً فقط، بل كان حكيماً ولديه رؤية وقناعات لاقت إعجاب شعوب العالم على اختلاف توجهاتهم وجنسياتهم.
كلاي تربع طيلة 50 عاماً على عرش النجاحات في عالم الملاكمة ولم يصل أي بطل إلى مستواه، وبقي بطل الحلبة والمدافع عن حقوق الإنسان.
وألهم كلاي الملايين، كيف لا وهو الوحيد الذي فاز ببطولة العالم للوزن الثقيل ثلاث مرات، وأنهي مسيرته بـ56 فوزا، منها 37 بالضربة القاضية، ولم يهزم إلا خمس مرات فقط.
ملاكم كان يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة، فاجأ العالم باعتناقه الإسلام، وتغيير اسمه الأول Cassius Marcellus إلى محمد علي، وبه خاض في 1965 مباراة التحدي مع ليستون، فأنهاها بقاضية سريعة في الجولة الأولى.
وفي مسقط رأسه بمدينة لويسفيل بولاية كنتاكي، حيث أبصر النور قبل 74 سنة، شيعت جنازته وانتهت جولاته مع الحياة.
آخر قائد شيوعي يودع العالم
الموت غيّب أيضا الرئيس الكوبي الشيوعي، فيدال كاسترو، الذي انتزع السلطة في ثورة 1959، وحكم كوبا 49 عاماً بمزيج من الكاريزما والقبضة الحديدية، فأقام دولة الحزب الواحد، وأصبح شخصية رئيسية في الحرب الباردة.
وعرف فيدل كاسترو، الذي توفي يوم الجمعة 25 نوفمبر 2016 عن 90 عاماً بأنه الرجل الذي أدخل نصف الكرة الأرضية الغربي في الحرب الباردة منذ عام 1959، ومن ثم تحدى الولايات المتحدة الأميركية لقرابة نصف القرن، معاصراً 11 رئيساً أميركياً، ومسبباً لهم الإزعاج، كما أنه الشخص نفسه الذي دفع العالم إلى حافة الحرب النووية.
وبصحة متدهورة منذ سنوات، ظل كاسترو يقود ويدبر ما يأمل أن يكون استمراراً لثورته الشيوعية منذ أن تنحى في عام 2006 لأخيه الأصغر راؤول كاسترو البالغ من العمر الآن 85 عاماً، وأعقبها بعامين أن أعلن استقالته رسميا من رئاسة كوبا.
كابوس حوادث الطائرات حاضر أيضا
كابوس حوادث الطائرات كان له نصيب هو الآخر فكانت الطائرة التابعة لشركة مصر للطيران، التي تحطمت وعلى متنها 66 شخصاً أثناء رحلتها من باريس إلى القاهرة 19 مايو الماضي، محط اهتمام جميع وسائل الإعلام.
وأكدت شركة مصر للطيران أن الطائرة اختفت عن شاشات الرادار فوق مياه البحر المتوسط عقب دخولها إلى المجال الجوي المصري، وتم العثور على بعض حطامها بعد أيام في البحر المتوسط على مسافة 290 كلم شمال الإسكندرية.
لتعلن السلطات المصرية مؤخراً العثور على آثار مواد متفجرة على رفات وجثامين ضحايا الطائرة المصرية.
ألعاب ريو تحقن جرعة فرح
وفي خضم الأحداث المأساوية التي شهدها العالم في شتى أصقاعه جاءت منافسات النسخة الـ31 لدورة الألعاب الأولمبية، التي أقيمت في ريو دي جنيرو البرازيلية، شهر أغسطس، كفسحة أمل للخروج من جو التوتر والحروب والدمار، كما تخللها العديد من المواقف والطرائف وكذا الغرائب، التي شدت أنظار متابعي فعاليات تلك البطولة الكبرى. أبرزها ربما قصة الحب بين الرياضيين الصينيين التي تكللت بخطوبة على منصة التتويج.
صورة عمران ترجّ العالم
وبين نفحات الترويح عن النفس والتتويجات بالذهب في ريو، طفت بين دمار حلب صورة أبكت العالم من تسجيل بثه ناشطون سوريون صدم المتتبعين، طبعا نقصد صورة الطفل عمران دقنيش، ابن الخمسة أعوام، وهو يجلس في سيارة إسعاف بعد تعرض منزله في حي القاطرجي لغارات جوية نفذتها مقاتلات النظام السوري.
وبدا الطفل جالساً بهدوء، ووجهه مغطى بالغبار والدماء، في مقعد سيارة الإسعاف يتحسس جراحه وبالكاد يفتح عينيه، قبل أن يُحضر المسعفون بقية الناجين من أفراد أسرته إلى ذات السيارة.
لكن ملامحه البريئة التي لم تكن تستوعب ربما ما يجري حوله هزت العالم، واسترجعت صورة الطفل السوري الغريق “آلان كردي” ذا الثلاث سنوات، والذي رجَّ الكرة الأرضية بجسده الملائكي الذي تلاعبت به الأمواج وقدفته على رمال المتوسط.
تركيا ستخلد يوم 15 يوليو
ومن الأيام التي ستخلدها على الأقل تركيا يوم 15 يوليو 2016، وقتها تفاجأ العالم بخبر عاجل طارئ قرأته مذيعة شقراء على قناة تي آر تي التركية يفيد بنجاح محاولة انقلاب على النظام الحاكم بتركيا، وعقب ساعات قليلة ظهرت المذيعة ذاتها لتعلن فشل المحاولة بعد أن نجحت القوات الموالية للحكومة في استعادة السيطرة على الوضع بالمحطة التلفزيونية.
الأنظار وقتها كانت شاخصة تنتظر ظهور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليطل في سابقة من نوعها عبر أحد تطبيقات التواصل الخاصة بشركة أبل وهو فايس تايم، اتهم من خلاله ما سمّاه بالكيان الموازي قاصداً رجل الدين فتح الله غولن الذي يتخذ من الولايات المتحدة الأميركية مقراً له، بالوقوف وراء محاولة الانقلاب.
كما دعا أردوغان الشعب التركي إلى هبة حاشدة في الشوارع والميادين للاعتراض على ما حدث.
ولقد حقن أردوغان الحماس في نفوس مؤيديه للنزول وكبح وحدات من الجيش التي حاولت الانقلاب على نظام حكمه، فكان له ما أراد. وأعقب محاولة الانقلاب حملة اعتقالات سُميت بالتطهيرية طالت رؤوساً كثيرة من كبار المسؤولين في الجيش، وكذا في العديد من القطاعات وموظفين عاديين، للاشتباه بضلوعهم بما حدث.
2016 ينسحب على وقع الاغتيالات
هذه السنة التي جاءت بدايتها دموية على وقع التفجيرات، لم تختلف نهايتها كثيراً، فقبل أقل من أسبوعين عن انقضائها، دوى في منابر الإعلام خبر اغتيال السفير الروسي في أنقرة، جراء إطلاق نار استهدفه خلال زيارته لمعرض فني بالعاصمة التركية.
لم يكن هذا الاغتيال ليأخذ كل هذا الزخم لولا الصورة التي انتشرت لحظتها كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، ليأتي بعدها الفيديو موثقاً عملية الاغتيال.
أما ملتقط صور القاتل، فكان مصوراً تركياً يعمل لصالح وكالة “أسوشييتد برس″.
ولم يكن المصور برهان أوزبيليسي يستوعب ما يحصل، إلا أنه اختبأ وراء حائط، محاولا تصوير المشهد “السوريالي”، بعد أن كان قد اقترب لالتقاط صور أوضح للسفير أثناء حديثه.
وفي الأثناء كانت العاصمة الألمانية برلين تعيش هي الأخرى على وقع صدمة هجوم راح ضحيتها 12 شخصاً على الأقل، وأصيب 48 آخرون بجروح إثر اقتحام شاحنة سوقاً لأعياد الميلاد في برلين.
وفيما أعلن تنظيم “داعش” الإرهابي، مسؤوليته عن الهجوم.
هو إذن غيض من فيض عن أحداث سنة 2016 خفتت على استحياء فاسحة المجال لانبجلاج سنة 2017 علها تحمل في جعبتها بشائر خير.
"راي اليوم"