مع تناولي لأول " رشفة" من الكأس الثاني من شاي الصباح، اتصل بي أحد الأصدقاء ، من مدينة نواذيب، ليخبرني بما كتبتم عن حزب الوطن؛ لم أصدق في البداية، لأنه ليس في علمي ما يستوجب الكتابة عنا من شخصكم ؛ وازدادت حيرتي عندما علمت أن الأستاذ يكتب عن ذكرى تأسيس حزبنا الثانية التي مر عليها شهر، إلا أربع أيام!!. فما الذي حفز هذا الشيخ الوقور للكتابة عن موضوع ليس يخصه،أصلا، ولما ذا يتأخر كل هذا الوقت. الأكيد أنه لا تنقصه الحصافة ولا الثقافة. ويبقى المحفز له هو المجهول حقا في كتابة " شيء" وقف حماري أمامه عاجزا عن فهمه. فهو مرة أشبه بالعتاب، ولكن دون ذكر صريح لسبب العتاب، على نحو مقنع للقارئ، وليس لنا نحن. وهو تارة أشبه بالنقد المستخف ، دون تقديم مادة وجيهة للنقد.. وهو طورا أشبه بالذم تحت "جلد" المدح، أو المدح تحت معطف الذم. وأيا كان الداعي وراء ما كتبه الأستاذ وما قصد إليه من ورائه، فإن ثمة نقاطا تستوجب الرد، خصوصا وأنه يأتي عشية تنظيم سفارة إيران، بمناسبة عيد إيران الوطني، لحفل عشاء لمحبيها والمدافعين عنها والمستثمرين في الدعاية لها، :
_ أن الأستاذ إشدو ليس راض ( هكذا يبدو) عن مواجهتنا ، بوسائلنا المتواضعة ، في غياب الظهير العربي الرسمي، لأساليب إيران التحطيمية للأقطار العربية، واحدا بعد الآخر، في ظل ولاية الفقيه ، التي هي عقيدة كسرى تحت عباءة الإسلام.
2_ أن الأستاذ ربما نسي ( هكذا يبدو) أن قطرا عربيا من أهم أقطار أمتنا ، وهو العراق الذي غنى له الأستاذ ( أيام زمان) وغنينا معه رائعته ( نحن في الدرب رفاق فتقدم يا عراق...)، احتلته أمريكا منذ 2003 ، بالشراكة التامة مع إيران التي يدافع عنها ، وأن أمريكا والكيان الصهيوني اللذين لم ينسهما، لحسن الحظ في غمرة التبدل والتحول، سلمت هذا القطر العربي للعصابات وللقتلة والسراق وشذاذ الآفاق، من مرتزقة إيران وعملائها ومليشياتها، ليمارسوا فيه شتى أساليب الوحشية التي تلين أمامها قلوب وجلود ضباع البراري الجائعة، تحت التصفية المذهبية والانتقام من الهوية العربية، باسم الحسين ! .
3_ أن الأستاذ نسي ( هكذا يبدو ) الأحواز العربية التي احتلتها إيران ( الحمل الوديع والنصير في الدين في عينيه) منذ 1925 ، وعملت على تذويب هويتها العربية ، حتى منعت حمل الأسماء العربية بين مواليد العرب، وحولت أسماء مدنها وقصباتها من العربية إلى الفارسية بالقوة؛ وحرمت المساجد والأذان واللغة العربية في عمومها، وكانت سباقة في ذلك قبل الكيان الصهيوني بواحد وتسعين سنة!!.
4_ أن الأستاذ ( هكذا يبدو ) كان يريد من حزب الوطن أن يقدم، في إيجازه الصحفي، ما يراه، هو، أولوية سياسية ويؤخر ما يراه، هو، غير جدير بالتقديم. على كل حال، نحن في حزب الوطن نقدم الحديث عن مشاكل الناس العاديين واهتماماتهم على مشاغل السياسيين ومصالحهم. وهذا من حقنا وحق البسطاء والفقراء والمهمشين علينا. وعلى من يتصدر أي خطاب أو موقف ذي علاقة بالشأن العام، كالسياسة والثقافة والفن ... أن يضع هموم المواطنين في صدارة حديثه.
فليقدم الأستاذ إشدو القضايا السياسية على هموم المواطنين البسطاء ، وليعذرنا في إعطائنا الأولوية للحديث عن عطش الناس، وجوع الناس، ومساكن الناس، وأمن الناس، وبطالة الشباب وهجرته من وطنه إلى المجهول، أو تخديره بالفراغ والأوهام ! . فعندما نتحدث عن أمن المواطنين، فلأنه حديث كل مواطن ، وكذلك الأسعار، والبطالة، وتزوير الأدوية، وانهيار التعليم، وتفشي الرشوة والمحسوبية والاستهتار بأحكام القضاء. والحكم بيننا هو المواطن نفسه، يعني " الأرذلون" على لسان الملإ من قوم نوح! .
وإذا دعونا شباب حزبنا إلى أن يكون صوتا لمن لا صوت لهم ، من أمثال آل ياسر، فليس الأمر يعني أننا ندعوه إلى المجهول . وليس ثمة أمرا أشد " كثافة" عند اللمس من التعبير عن معاناة الناس، بالنسبة لمن ليس في يده السلطة ووسائلها. صحيح أننا لا ندعوهم للانشغال بالسهرات " الفنية" و " التغريدات الفاسبوكية" الفارغة من المضامين الاجتماعية والثقافية ومن هموم المواطنين الضاغطة، ومن قضايا كبرى تهدد أمتهم في وجودها، في مقدمتها شيطان برؤوس ثلاث: أمريكا- الكيان الصهيوني- إيران. فهذا هو جوهر رسالة حزبنا إلى الفئات الهشة من شعبنا بفئاتهم المختلفة، التي يعرفها الأستاذ إشدو حق المعرفة، اللهم إن كان لم يعد يؤمن أن في هذه البلاد فئات هشة، أو أنه لم تعد لهم حقوق في هذه البلاد !. فالاهتمام بمعاناة البسطاء، ونحن منهم، والكتابة عنها ورفعها إلى مسامع صانع القرار ونشر الوعي بينهم وتثقيفهم بالثقافة الوطنية التي تقتضي المطالبة بالحقوق وتأدية الواجب إزاء وطن للجميع، وتجنب الانخراط في الشبكات الهدامة ، والفصل بين أصحاب السلطة واستقرار البلاد، هي من الأمثلة على الانقلاب المجتمعي ، الذي قصدناه. وهذا ما لا ينبغي أن يعاب علينا، أو على الأقل من شيخ محترم، مثل الأستاذ إشدو. وليس له علاقة بالانقلاب العسكري ، الذي يعني الاستيلاء على السلطة بالقوة العسكرية، وعلى الاقتصاد بالقوة، وعلى خيارات الناس بالقوة، وفرض الأمر الواقع بالقوة، واستعباد الناس سياسيا وثقافيا بالقوة. وليس من الوارد، أصلا، أن نطيل في شرح الفرق بين الانقلاب العسكري و الانقلاب المجتمعي لأستاذ مثقف ، ومناضل (سابق) وسياسي في الحاضر وشاعر بالفطرة ومحام بالمهنة، مثل الأستاذ إشدو.. وأعتقد أن السؤال عن الفرق هنا كالأكمة ، وراءه ما وراءه، أي مثل قول " كابون" لأمه: ( يمه عينك كيف عين النعجه)!!.
5_ أن اتهام الأستاذ لنا بالتعتيم على منجزات حزبنا في ذكراه الثانية، هو مما نزل فيه الأستاذ قليلا عن
اللياقة المناسبة له؛ فالذي يريد أن يتطاول علينا بعطائه في العمل السياسي، مهما يكن، فلينفصل عن السلطة وجاذبيتها ووسائلها الإغرائية والإرهابية ، وليرنا انجازاته في ظروفنا الموضوعية وطنيا وقوميا وعالميا. ما قدمناه هو ما بوسعنا في غضون سنتين، بوسائل نضالية صرفة ومحافظة كاملة على نقاوة الضمير واستقلال الموقف، مع أنه ربما لم يعد هذا مما يمدح به في هذا الزمان!. لكن مرجعنا في ذلك، هو ( لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله). والأستاذ ربما انتظر منا
( هكذا يبدو) انجازا مماثلا لانجازات الحزب الحاكم ، التي هي انجازات السيد رئيس الدولة ، بوسائل الدولة وعلاقاتها!!.
6_ أن الأستاذ ليس مطلعا ( هكذا يبدو ) على إصدارات حزب الوطن؛ إذ لو لم يكن الأمر يتعلق بعدم المتابعة لما اتهمنا بنسيان أمريكا والكيان الصهيوني، اللهم إلا إذا كان يشترط في ذلك تبرئة إيران من جرائمها بحق العرب والإسلام!.. فحقا، نحن نؤمن بمبدأ تساوي الاحتلال وتساوي الأرض العربية، أي لسنا ممن يكفر باحتلال الكيان الصهيوني، ويؤمن باحتلال إيران للأراضي العربية؛ ولسنا ممن يقاوم احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين، ويبارك احتلال أمريكا للعراق ، ويبصم على تسليمه لإيران ولعصاباتها، فيلتزم الصمت عنه وعن إفرازات عملاء العملية السياسية وممارساتهم البربرية فيه. ولسنا ممن سلم وقبل باحتلال إيران للأحواز العربية وجزر الإمارات العربية المتحدة. فهذه كلها أرض عربية لها درجة الحرمة ذاتها التي هي لأرض فلسطين. ولسنا ممن يؤمن أن احتلال العراق من إيران أو أية أرض عربية أخرى يصب في خدمة القضية المركزية لفلسطين ، أو أنه وسيلة لتحريرها، كما يعتقد قسم من النخب العربية المبتلاة بحول مخل في الرؤية القومية. وعلى ذلك، قسوا أقوالنا ومواقفنا على هذه البوصلة .
7_ أخيرا، بالنسبة لنا، الخطئان المطبعيان اللذان حرص الأستاذ على إبرازهما ، ضمن أمور حقيرة أخرى لا تستحق التوقف عندها، هما من مقتضيات التحرير الفوري ، وأنصح الأستاذ بعدم التركيز كثيرا على مثل هذه الأخطاء في ما ينشر على الصحف الوطنية، حتى في ما يكتبه، هو، وكفى، حفاظا على صحته ووقته، اللهم إذا كان يقتصر في ذلك على التدقيق اللغوي في الإجازات الصحفية لحزب الوطن. ولكم منا ، بعد كل ذلك، جزيل الشكر ووفير الود..