إذا كان الحوار قديما يعني الكلام ، كما ورد في لسان العرب لابن منظور و تعني المحاورة مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة فإنه يعني اليوم بفعل التحولات الغير مسبوقة في أنواع الحكم الحديث للدول التي أصبحت كلها قادرة على ضبط النظام و تقييم و محاسبة الحكامات بمختلف الوسائل المبنية على أسس منطقية و واعية فإنه وسيلة من وسائل الاتصال بين الناس، بحيث يتعاون المتحاورون على معرفة الحقيقة والتوصل إليها و ليكشف كل طرف ما خفي على الآخر، و هو مطلب اجتماعي يتم استخدامه لإشباع حاجة الإنسان و تحقيق الاندماج و التواصل ، و الأسلوب الذي يهتم بالتعرف على وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى في الحوار.
و إن الحوار الناجح الذي بات، بمنطق عصر جديد واستثنائي أصبح يدعو الأشياء بأسمائها، صناعة قوامها اقتناع كل طرف بالجلوس إلى الطاولة بصفته وسيلة للوصول إلى هدف مشترك بين الجميع، ما يتطلب التغلب على معوقات قد تعترضه قبل البدء، توخياً للوصول إلى مرحلة انطلاقه و مهمة الحفاظ على استمراريته حتى نهايته الأمر الذي يفترض ضرورة استيعاب الآراء والمواقف المختلفة لا إسكاتها عنوة. و الحوار الناجح لا يأتي بشكل مرتجل. و لا يمكن تسمية أي حوار بالناجح إلا إذا توافرت مقوماته.
و إنه باكتساب الأفراد قيماً ومفاهيم صحيحة للحوار الناجح خالية من شوائب "الأنا" بكل أحجامها و ألوانها و مصادرها و خلفياتها التي لا تلائم قيم عصر تجردت فيه من كل الحسابات الضيقة و منها الاحتوائية الفكرية و الاستحواذية السياسية و غيرهما، يمكن فقط الحديث عن تحسن المستوى العام للمجتمع وانعكاسه بشكل مباشر عليه وتحقيق بقية الطموحات التنموية وما يتبعها وما هو مخطط له بشكل أسهل من السابق، الشيئ الذي تفعله الدول المتقدِّمة وتحرص على تنفيذه ووضع الخطط له بواسطة الخبراء و المختصين بشكل يضمن أن تؤتي أكلها مفاهيم أي حوار يقام ، ناضجة و قابلة للتطبيق.
و ضمن هذه النظرة الشمولية الي الحوار المتمدن و مقومات قيامه حاول و اجتهد عديد المشاركين من داخل بعض أحزاب الموالاة و في المعاهدة و بعض منشقين على المنتدى و من المجتمع المدني إلى التطرق ضمن "الحوار الشامل" لمواضيع جد هامة احتوتها ورش تسمت بـ:
ورشة تعزيز دولة القانون
ورشة الحكامة الاقتصادية والمالية
ورشة الاصلاحات الدستورية
ورشة الاشكاليات السياسية
ورشة الاشكاليات السياسية والانتخابية
ورشة الاصلاحات الدستورية
ورشة الحكامة الاقتصادية
ورشة تعزيز دولة القانون
و لو أنها كانت في صلب اهتمامات السياسة التي تَعرِفُ باختلافات أقطابها على مسارها أزمةَ ثقة و مظاهر تباين تجلت في مقاطعة حزب "التكتل" الوازن و قطب "المنتدى" الهام بغالبية أحزابه، إلا أنها من جانب لا ينبغي إهمالها أو يجدر التغاضي عنها في واقع الأمر و طابع جديتها بعيدة عن "السياسوية". و قد أفاض هؤلاء في النقاشات و بالتنظير حولها في أجواء تباينت واتسمت بالسخونة من اختلاف الآراء حول البعض منها و حصول التلاقي حول بعضها الآخر فيما لم يكن ذلك أي مضيعة للوقت حيث فرض المتدخلُون من كل الطيف المشارك أن يعطوا فرصة توضيح رؤاهم و الإفصاح عن وجهة نظرهم و الاستماع إلى مقترحات و تصورات و مقارباتهم حول أوجه إصلاح السياسات الخاطئة و تصويب التوجهات المنحرفة و بلورة مقترحات حلول و خطط مشاريع لكل المشاكل العالقة صغيرة كانت أم كبيرة.
و بالطبع فإنه لم تكن كل النقاط التي شكلت مجمل محاور الحوار و اهتماماته و ورشاته كلها سياسية نظرية تحوم في مجملها حول مسألة الحكم و اشتراطاته من الناحية الدستورية و اخ
تلاف الاطراف حول الموضوع، بل كان ضمن المحاور ما تعلق بأوجه محورية في عموم مفهوم سياسة تسيير شؤون الدولة و من دون أن يكون تناولها حكرا على طرف دون الأطراف الأخرى و لا خارجا عن المعالجة العلمية و الخضوع للمفاهيم العملية و التقنية الصرفة كالتناول المكثف الذي حظي به على سبيل المثال موضوع اللامركزية و التي هي الوجه من الحكامة الذي يجرى حوله منذ قيام الدولة و تعاقب الأحكام حبر غزير و قيل فيها كلام كثير و ظلت بعيدة على ضرورية قيامها و حصولها و لتحقيق أهدافها المتضمنة تقنين التسيير و تخفيف ثقل تراكم المهام و صعوبة الأداء و استحالة الوصول إلى النتائج التنموية المستهدفة علما أنها في أدق تعاريفها تعني تنظيما إداريا يعتبر واحداً من أهم مبادئ حكم الأكثرية التي تقوم عليها الديمقراطية، وهي بذلك نقيض مفهوم المركزية.