إذاكانت الخيانة في المفهوم اللغوي تعني الغدر وعدم الإخلاص وجحود الولاء ، فإن تهمة الخيانة العظمى قد دأبت كل النظم والقوانين عبر مختلف العصور ، بما في ذلك النظم الديمقراطية الحديثة أن توجهها إلى كل من يتصل بدولة خارجية بهدف تقويض أركان الدولة التي ينتمي إليها ، وتفكيك وحدتها الوطنية و" العبث بأمنها الخارجي والداخلي والتآمر على حقوق المواطنين، وتسليم البلاد للأجنبي، أو خلق حالة من الفوضى تسهل تدخل الدول الأجنبية في شئوون الدولة " ، وينظر إلى الخيانة العظمى تبعاً لتطور مفهوم الدولة ، وتطور النظم السياسية على أنها جرائم خاصة تختلف عن تلك الجرائم العادية المعاقب عليها جزائياً في القوانين العادية .
لذلك يُسمَّى الشخصُ المتهمُ بالخيانة العظمى خائناً أوعميلا للأجنبي ، وتكون العقوبة العادية في حقه على هذه الخيانة هي الإعدام أو السجن المؤبد، والحرمان المطلق من العمل السياسي .
غير أنه لمن المؤسف حقا بغض النظر عن الزمان والمكان والسبب ، أن تتناسى بلادنا تلك العلاقات التي أقامها عملاء موريتانيون مع بعض الدول الأجنبية المعادية لبلادنا بغية تقويض أمنها الخارجي والداخلي والتآمر عليها ، فضلا عن التعاون مع العدو ، في وقت أوشكت فيه موريتانيا أن تتعرض لعدوان خطير وحرب شرسة من طرف دولة السنغال .
ومن المفارقات أننا بدأنا الآن نستقبل من تصفهم القوانين والتشريعات الدولية والقيم الأخلاقية بالخيانة العظمى استقبال الأبطال وبحفاوة بالغة ، وننشر دون وازع غسيلهم المتعفن وفق مقاساتهم في المنتديات الكبرى !، لنقدمهم للجماهير البسيطة وكأنهم لم يرتكبوا جرما ، وذلك حتى قبل أن يطلبوا الصفح من دولتهم التي تآمروا عليها ، ويتخلوا نهائياعن نهجهم المتماهي مع أجندات أجنبية ، في نفس الوقت الذي تخلت قيادة موريتانيا العزيزة عن حق الوطن في محاكمتهم والتشهير بهم ، وتسميتهم بأسمائهم الحقيقية ، بوصفهم خونة باعوا وطنهم وإخوانهم ، ويسعون في كل سانحة لتدمير هوية موريتانيا وربطها بشكل مطلق بالإستعمار، وهو ما يعني عدم استقلال البلاد ومسخها ثقافيا وأخلاقيا وحضاريا.
ومن المعلوم أن نهج متابعة العملاء وإدانتهم هو المنهج المتبع الذي تسلكه تشريعات الدول المتقدمة ، ففي القانون الأمريكي " تتم الإدانة بالخيانة العظمى إذا انضم شخص إلى عدو الولايات المتحدة الآمريكية وثبوت ذلك من خلال الاعتراف في محكمة علنية أو شهادة شاهدين من نفس الفعل العلني ".
ومع ذلك فإن منطق الخيانة العظمى إذا ما تم تمريره بالسكوت عنه من دون كشف تناقضه مع قيم الانتماء للوطن بشكل حقيقي ، فإن ذلك قد يشجع كل من يزعم أنه مغبون كي يمارس جريمة الخيانة العظمى بالاستعانة بالدول الأجنية ضد بلاده ، وعندها يبقى الوطن معرض للتهديد من الداخل .