وسط حضور نخبة بارزة من رجال الثقافة والإبداع وجمهور الأدب، نظم "بيت الشعر - نواكشوط" أمس الخميس ندوة نقدية حول "الشعر في رحاب المحظرة" شارك فيها كل من: الدكتور أحمد سالم ولد محمدو، والدكتور أحمد حبيب الله، وتطرقت الندوة لجوانب عديدة من هذا الموضوع المثير لاهتمام الموريتانيين؛ حيث أخذت الثقافة الشنقيطية عبر التاريخ من رافدي المحظرة والشعر.
وفي مستهل الأمسية أشار الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر - نواكشوط إلى أن موضوع الشعر والمحظرة من أهم المواضيع الثقافية في تاريخ البلاد وبنيتها الثقافية، إذ شكلت المحظرة وهي الجامعات البدوية المتنقلة، حاضنة للشعر إنتاجا وتقييما ونقدا ونقلا للمعارف والقيم، ولم تشكل أي مؤسسة تعليمية في التاريخ ارتباطا وثيقا بالشعر كما كانت المحظرة عند الموريتانيين وحتى يومنا هذا.
أدار هذه الندوة العلمية الشاعر محمد المحبوبي، الذي أكد أنها تأتي لتسليط الضوء على دور المحظرة الموريتانية في تسخير الشعر للمعرفة والعكس، وأضاء ولد المحبوبي على موضوعات الشعر في البيئة المحظرية من مساجلات، وضبط لشوارد العلوم، وألغاز، وتمارين إعرابية، وتعاط لمهمات مدونات الشعر الجاهلي؛ قبل أن يقدم نبذة عن المحاضرين وكفاءتهما لتناول هذا الموضوع، سواء من حيث كونهما أستاذين لمادة اللغة والأدب بجامعة نواكشوط وباحثين في هذا المجال، أو من حيث ارتباط كل منهما بالمحظرة في إسهاماتها التعليمية.
بعد ذلك استمع الحضور إلى العرض الأول الذي ألقاه الدكتور أحمد سالم ولد محمدو تحت عنوان "الشعر في رحاب المحظرة"، وقدم خلاله جملة ملاحظات عن العلاقة بين الشعر والمحظرة من خلال ثلاثة محاور، أولها: "مدخل حول الشعر في بلاد شنقيط: النشأة و التطور"، اعتبر فيه "أن التفاوت كان واضحا في عناية المحاظر بعلوم اللغة وبالثقافة الشعرية"، ليخلص في المحور الثاني إلى أن "الشعر صار ركنا ثابتا في ثقافة محاظر كثيرة منذ القرن الثاني عشر الهجري"، فيما تطرق في المحور الثالث لـ"الشعر المحظري"، وعرفه بأنه "هو الشعر الذي اتخذ المحظرة موضوعا له"، ومن بينه شعر شيوخ المحاظر في ألغازهم و توسلاتهم و مساجلاتهم الشعرية، وشعر الطلاب في مبارياتهم الشعرية وألغازهم ووصف حياتهم في المحظرة، وكذلك الشعر الذي يقف على أطلال المحظرة مذكرا بماضيه. وأشفع الدكتور ولد محمدو محاضرته بقراءة نماذج من شعر المحظرة.
أما الدكتور أحمد حبيب الله فقد ألقى عرضه تحت عنوان "إسهام المحظرة الموريتانية في إغناء النهضة الشعرية العربية الحديثة (الإبداع والإمتاع).. الشعر الفصيح الموريتاني نموذجا".
وأكد الدكتور ولد حبيب الله أن المحظرة الموريتانية قامت بشأن عظيم في إغناء النهضة الشعرية العربية الحديثة في موريتانيا؛ حيث احتضنت الشعر وغذته ورعته؛ حتى أينع وأبدع وأمتع وازدهر إنشاء وإنشادا وتذوقا ونقدا فشاعت مقولة "بلاد المليون شاعرا" وصفا لموريتانيا وكانت وما زالت تشجع على قرضه وحفظه ووضع مقاييس نقدية جديدة لأغراضه و معانيه وألفاظه حتى لا يكرر ما قيل قبله كما في كتاب "فن الشعر" أو قصيدتي ابن الشيخ سيدي الكاملية و قصيدة ولد حامد الطويلية.
وأضاف أن "من مظاهر الإغناء المذكور كثرة الشعراء وكثرة الدواوين المخطوطة والمطبوعة وكثرة ألقاب الشعراء مثل "بوفمين" و"المجدد" و"الذئاب الثلاثة" و"أمير الشعراء"، وكثرة ألقاب القصائد مثل "الرامضة" و"العصماء" و"مرثية الصحراء".
كما تطرق ولد حبيب الله في عرضه لعناوين فرعية كـ"الشعر والمحظرة: الظهور و التطور في موريتانيا وضبط مفهومي الشعر و المحظرة"، و"المحظرة حاضنة للشعر" و"المحظرة بيئة للنقد الأدبي النثري و الشعري (فن الشعر الموريتاني)".
بعد ذلك بدأت المداخلات والتعقيبات مع أساتذة الأدب والحضور، وتركزت خلاصة تلك المداخلات في نقطتين هامتين: الأولى إجماع الحضور على الدور التاريخي للمحظرة الموريتانية في نشر الشعر في الربوع الشنيقطية والأقاليم المجاورة، والثانية تفاوت أهمية هذا الشعر الذي يصنف بين التقليدية الحرفية إلى الريادة في الدعوة لتجديد الشعر العربي.