نظم بيت الشعر في نواكشوط مساء أمس أمسية احتفالية كبيرة بمناسبة الذكرى الأولى لتأسيسه في الثالث من سبتمبر 2015.
وبدأت الاحتفالية بكلمة للدكتور الأستاذ عبد الله السيد مدير بيت الشعر في نواكشوط، أعلن فيها فرح طاقم البيت بالنجاح الذي حققه البيت في سنته الأولى، مؤكدا أنه تحول إلى فاعل رئيس في المشهد الإبداعي والثقافي الموريتاني.
وقال إن من أهم علامات نجاح البيت في أداء رسالته أننا بدأنا بالاتصال بالشعراء ودعوتهم لحضور أنشطة البيت وسط المخاوف من عدم الإقبال، ثم صار الإقبال عفويا، وتحول البيت اليوم إلى الوجهة الأولى لجمهور الشعر ومبدعيه الأوفياء.
واستعرض الدكتور ولد السيد ملامح المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والتي بموجبها بدأ افتتاح بيوت الشعر في المدن العربية، وهي مبادرة لرعاية وتشجيع الشعراء، وخلق فضاءات ملائمة لتواصل المثقفين وترقية الشاعرية العربية، بما يخدم الإبداع وينشر قيم الأصالة والتسامح والسلم.
وذكر بأحداث حفل الافتتاح الذي تم بحضور النخبة الثقافية الموريتانية وبإشراف رسمي موريتاني – إماراتي؛ تمثل في وزارة التعليم العالي وجامعة نواكشوط، ودائرة الثقافة والإعلام بالشارقة وسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة بنواكشوط.
وخاطبَ ولد السيد الحضور قائلا: "إن تجربة بيت الشعر كانت ناجحة بكل المقاييس بفضل مواكبة وتوجيهات الأستاذ عبد الله محمد سالم العويس رئيس دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وبفضل ما تقدم به كبار الشعراء والمثقفين الموريتانيين من مقترحات وما بذلوه من جهود في سبيل مواكبة الموسم الثقافي السنوي للبيت، الذي شهد فعاليات متميزة من أماس شعرية وجلسات نقدية، وتنظيم الملتقي الشعري الأول في موريتانيا، وأخيرا دورة فن الإلقاء الشعري، فضلا عن بدء دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة نشر دواوين الشعراء الموريتانيين مع صدور ديوان (المدى أعجاز نخل) للشاعر جاكيتي الشيخ سك".
ووجه ولد السيد تشكراته للشعراء والنقاد والنخبة العلمية والأكاديمية وجمهور الشعر على التكامل والتناغم الذي هيأ لنشاط شعري وأدبي متميز طيلة العام الأول لبيت الشعر.
وأضاف: "إننا في إدارة البيت نعتذر عن كل تقصير، ومستعدون لكل المقترحات، ونرغب في كل توجيه ونصح، وننفتح على كل نقد سواء من المبدعين أو من الجمهور".
وحظيت كلمة الدكتور عبد الله السيد بتفاعل كبير من الحضور، كما وقف الجمهور تقديرا للتكريم المعنوي والرمزي لشخصية أدبية موريتانية كبيرة قدمت الكثير للساحة الأدبية طوال عقود؛ حيث تسلم الشاعر محمد كابر هاشم، الرئيس السابق لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، شهادة تقدير من بيت الشعر في نواكشوط.
بعد ذلك استمع الحضور إلى قراءات شعرية مع الشاعرين: مولاي إبراهيم شعيب، والدامين محمد؛ حيث قدم الشاعران نماذج من قصائدهما.
وبدأ الشاعر مولاي إبراهيم شعيب بإنشاد قصيدته "يا سادن الباب"، والتي يقول فيها:
يمشى ومن نزق يلهو به النزقُ
أنفاسه الريحُ والتاريخ والأفقُ
يلتام في لجج الأيام يسبرها
عيناهُ من حنق: الرعد والبرقُ
يرنو إلى سكن النجمات متشحا
نار اصطلاء وقد ضاقت به الطرقُ
فارتدّ يسألُ ملء الكف عن وطن
حتى متى يقتفى أنواره الغسقُ
حتى متى يعصر الباغون من غده
أمسا تناسل من أضلاعه الأرقُ؟
كم آسن لعقوا في جرح مفرقه
وكل ما لعقوا في جرحه شبقوا؟!
داسوا على أنفه حتى استحال بهم
أشلاءَ تنقضها الآهات والحرق
كلتا يديه من الأوجاع مرهقة
وكل من ولدوا من صلبه سحقوا
لولا انتماء إلى الجوزاء يدفعه
لكان أزهق يوما روحه الزهق
شابتْ عباءته في الماء فاحترقت
كل الجهات وما تنفك تحترقُ.
وقرأ من قصيدة "سلة العناب":
مالي أغيب لغيبة الغياب
أغفو فتوقظ أنّـتي أحقابي
مهما رغبت عن الوراء إذا أنا
يرتدُّ بي حولي على أعقابي
أما الشاعر الدامين محمد فقد طرح تساؤلات عن زاوية البوح الشعري المناسبة للمقام، وأنشد من تائيته المسافرة بين "ذات الأنا" وبين "ذات الوطن" قائلا:
من أين أبدأ بوح الشعر في ذاتي
والشعر يسكن أنفاسي وأناتي؟!
من أين أبدأ والتاريخ وا أسفا
ما عاد يذكر أسماء البطولات..!
هذا أنا شاعر المليون جئت إلى
هذي الربى حاملا سر البدايات
لكي أعيد إلى التاريخ دورته
وأزرع الحب في صحراء غاباتي
هذا أنا شاعر أقتات من وجعي
وأحتسي من معين الصمت كاساتي
"ديلول" أودعني أسرار حكمته
حتى تخلصت من وهم الخرافات
وقرأ من قصيدته "بلدي":
ماذا سأكتب عنك يا بلدي
وقصائدي بدر من الفند
ماذا سأكتب عن هواك وعن
حلم يراودني بفجر غد
ماذا سأكتب والقصيدة يا
للعار لم تسلم من الوأد
أخنى عليها بعدما وئدت
ذاك الذي أخنى على لبد
بعد ذلك، تم عرض تقرير مصور عن نشاطات بيت الشعر خلال العام المنصرم، وتم اختتام هذه الاحتفالية بجلسة استراحة، وسط أجواء من الفرح والحبور والارتياح لنجاح تجربة بيت الشعر في نواكشوط، حيث فتح البيت آفاق البوح الحر، والنقاش العلمي المثمر، ووفر فضاء للتلاقي والتواصل وتبادل التجارب بين الشعراء.
يُذكر أن جمهور الثقافة في موريتانيا أبان في نقاشاته على هامش فعاليات هذا النشاط أن بيت الشعر – نواكشوط؛ استقطب كل أوجه الإبداع في البلد بأجياله المتعددة ومدارسه المتنوعة، وأنه بيت الجميع، وملتقاهم الذي احتضن مجايلة منسجمة يندر أن تحتضنها أي مؤسسة غير بيت الشعر بالرؤية العميقة التي أنتجت هذه التجربة الفريدة، التي تراهنُ بوعي تام على ديوان العرب.