عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه لما أسلم قال:"... يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني. فجاءت اليهود، فقال النبي - صلى الله عليه و سلم -: أي رجل عبد الله فيكم؟ قال: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا.
قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ فقالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا وانتقصوه. قال: فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله." (رواه البخاري).
كان ولد السييدي، قبل استقالته من الحزب، واسطة عقد منتخبيه. فقد جند الحزب كل إمكانياته (إمكانيات ولد السييدي) ليفوز بنيابة الطينطان، ولم يقتصد في إطراء مرشحه، والإشادة بمئاثره، والشهادة له، وتزكيته...
كان ولد السييدي، قبل استقالته من الحزب، ذا النورين؛ نور المال الذي ينفقه في سبيل الحزب، ونور الشرق الذي خلق للحزب فيه موطئ قدم... كان رجلا صالحا.. شابا تقيا آتاه الله مالا وهداه إلى إنفاقه في سبيل الحزب...
لكن القلوب قلب، والسياسة ترحال... استقال ولد السييدي من الحزب، فاكتشف الحزب أنه جاهل، وفطنوا إلى أنهم كانوا يكتبون له بياناته، وتساءلوا، من باب الفضول.."من كتب له نص استقالته؟"
هل هذه أخلاق المسلمين؟ حين كان الرجل وماله في الحزب كذبوا له، وحين خرج كذبوا عليه... تقاسم رئيس الحزب ونائبه الأدوار كالعادة؛ يضرب أحدهما في الظهر، والثاني تحت الحزام...
غرد رئيس الحزب.. "أخيرا قدم السيد سيدي محمد ولد السييدي استقالته من الحزب، وقدم البعض تعليقات وتفسيرات، أما نحن فإننا لا نمس من المعني و بعيدين من تقبل فعلته".
تعبر التغريدة الغصة عن مشاعر الحزب إزاء استقالة ولد السييدي..فقد صدرها صاحبها ب.."أخيرا..." للدلالة على طول انتظار الحزب لتطور حالة النائب بين الأمل والخوف، وحين تحقق الخوف انزاح عن صدر الحزب؛ رئيسه، حمل ثقيل...فانتظار العذاب أشد من وقوعه. فباستقالته يحسم الحزب موقفه تجاه "المعني الجاهل" ليعطي الرئيس نفسه إشارة الهجوم عليه مستخدما عبارة فرعون مخاطبا موسى...
وكأن رئيس الحزب يقول لولد السييدي "ألم نربك فينا وليدا، ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت..." لا يقبل رئيس الحزب انسحاب ولد السييدي من الحزب، ويسميه فعلة، من باب التشنيع، حجرا على حرية الرأي، لكنه لا يرى بأسا في الردة عن الإسلام، صونا لحرية المعتقد... (أنظر مقارباته التأصيلية).
ويدعوا الإخوان، في نسختهم الربيعية، إلى فصل الدعوة عن السياسة.. لكن رئيس الحزب يرفض فصل المال عن الحزب.. ولو استطاع الإخوان تجريد "المعني الجاهل" من ماله، كما فعلت قريش مع صهيب الرومي، لفرحوا بخروجه...