في مقال الكاتب الكبير سمير عطا الله المنشور يوم 4 آب أغسطس الجاري في العدد 26042 من جريدة النهار اللبنانية تحت عنوان(لعلها القمة الأخيرة)
يبدو أن الكاتب سطر بعض الجمل والعبارات التي لم ينتبه إلى دلالاتها لذلك جاءت نتائجها مناقضة لمقدماتها مشكلة مفازة أو متاهة من الصعب على القارئ أن يهتدي داخل شعابها التي تبدأ(بأخذ العرب لقمتهم إلى موريتانيا) وتنتهي بمقولة لشكسبير تؤكد نهاية لبنان مرورا بقصص القمم العربية من خلال عناوين مقالات الأستاذ وردود أفعال القادة العرب عليها و(حكايات الطب والسياسة) عبر العالم بالإضافة إلى مشاهد كاريكاتورية تشي بكثير من التشفي والسخرية من سلوك بعض القادة العرب أثناء القمم ممن تمت تصفيتهم من طرف الأمريكيين والأوروبيين مثل الشهيدين صدام حسين ومعمر القذافي.ولكون الكاتب لم يضع بين أيدينا مصباحا للاهتداء داخل هذه المتاهة من الأحداث والموضوعات والتداعيات الحرة فإني سأكتفي بالتعليق على بعض الفقرات التي تضمنت تشكيكا غير لائق في هوية موريتانيا وبعض الدول العربية ونزعة سخرية من القارة الإفريقية من طرف كاتب عربي مرموق فضل عدم تلبية دعوة رسمية من الحكومة للحضور إلى موريتانيا بدعوى أنه يعتقد(أن قمة انواكشوط ستكون القمة العربية الأخيرة)،وبدلا من القيام بتقييم عام لظروف انعقاد القمة ومخرجاتها كما تلقاها الكاتب من الإعلام نراه ينساق إلى تقرير بعض المتناقضات ، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر أنه علل سبب اعتذار المملكة المغربية عن احتضان القمة العربية بأنها(لا تريد خواءات لفظية أخرى)،دون أن يفسر سبب حضورها لقمة انواكشوط ممثلة بشخص وزير الخارجية وإلقائه لخطاب الملك الموجه للقادة العرب ؟ وبالمقابل فسر الكاتب قبول موريتانيا لاستضافة القمة بكونها(محرومة من سمعة القمم) مع أن القمم العربية(مناسبة سياسية فارغة وحدثا صحفيا مسليا لذلك كان يحضر الصحفيون العرب بكثرة ويغيب الصحفيون الأجانب الذين تعودوا المهنة جدية) كما يقول الكاتب،فما هو البريق و<السمعة > التي تسعى إليها موريتانيا من وراء تنظيم(حدث فارغ ومسل)؟،ثم أين يضع الكاتب نفسه كصحفي؟،هل يرضى أن يكون ضمن الصحفيين الأجانب <المهنيين بطبعهم > عندما اعتذر(من حكومة موريتانيا عن تلبية الدعوة إلى قمتها الأولى)؟ كما يقول، لأن المهنية تمنعه من الانتقال إلى <حدث فارغ ومسل > لا يهتم به سوى الفضوليين من الصحفيين العرب،و ماذا نقول عن مهنية من رفض تلبية دعوة لحضور حدث داخل بلد يبدو أنه لا يعرف عنه الشيء الكثير ثم يسمح لنفسه بعد ذلك بالتشكيك في دوافع استضافة هذا البلد لذلك الحدث ؟
إن قول الكاتب بأن موريتانيا قبلت تنظيم القمة لكونها (تائقة إلى شهادة عروبية في جغرافيتها الافريقية) يدعوني للتتلمذ سنة على الأستاذ عطا الله لأفهم منه معنى (العروبة)،هل هي هوية عرقية خالصة يحافظ المنتسبون إليها على نقائها عن طريق الإقامة ضمن حيز جغرافي مغلق ومحصن من دخول الأغراب ؟، وأين يقع هذا الحيز لمن يتوق إلى شد الرحال إليه؟،مصدر هذه التساؤلات أن منطق الأستاذ يقتضي أن قبول(عضوية الدول الثلاث:موريتانيا وجزر القمر والصومال داخل الجامعة العربية) كان خطأ تاريخيا جسيما لكون هذه الدول توجد(خارج الدائرة) الجغرافية المخصصة للعرب الخلص،و(شهادات) دخول هذه الدول لحيز (الدائرة)العربية يلزمها أن تبقى مجرد إفادات إقامة مؤقتة لا تخول حامليها حق الحصول على هوية عربية كاملة ، لذلك يجب أن تجدد هذه الافادات سنويا بالتزامن مع انعقاد قمة الجامعة العربية مثلها مثل وثائق (البدون) داخل بعض الدول العربية،من هنا كان على المقيم في القارة الإفريقية(التائق) إلى تجديد( شهادة عروبته) أن يلتمسها خارج الحيز الجغرافي لإفريقيا.
وطبقا لمنطق (الدائرة) العربية المغلقة هذا فإن كل الدول العربية الموجودة داخل إفريقيا يجب أن ينسحب عليها الحكم المطبق على (الدول الثلاث): موريتانيا وجزر القمر والصومال،وبذلك يخرج الجناح الإفريقي من الوطن العربي من (دائرة) الجامعة العربية،ومن هنا فإن على مصر وليبيا وتونس والسودان والمغرب والجزائر أن تنضم إلى موكب (الدول التائقة إلى شهادة عروبية) من خارج( الجغرافيا الإفريقية)،وهذا يعني أن الأستاذ عطا الله قد أخرج بزلة قلم من (الدائرة العربية) ما يتجاوزنسبة 75% من مساحة الوطن العربي و61% من مجموع سكانه، دون أن نتحدث عن الثقل السياسي للدول التي تم(إخراجها) من (الدائرة) العربية.
وإذا اعترض على تحليلنا السابق بالقول إن الكاتب لم يقصد وصف (العروبة) الجامع لكل من ينتسب إلى الأمة العربية وإنما قصد(العروبية) كصفة نوعية يتحلى بها البعض ممن تشملهم الهوية العربية الجامعة مثل التمسك بثوابت الأمة والاستعداد لخدمتها والتضحية من أجلها،فإن ذلك لا يخرجنا من المتاهة السابقة بل يدخلنا في نفق من المنعرجات المظلمة،إذ كيف تكون صفة(العروبية) بالمعنى السابق خاصة بحيز جغرافي دون آخر؟ وما معنى حرمان الجناح الإفريقي من الوطن العربي من إمكانية القيام بأدوار (عروبية) أصيلة غير مستجلبة أو مستنسخة؟
من أجل أن نقلل من احتجاج الكاتب على النتائج السابقة التي استخلصنا من عبارة:(موريتانيا التائقة إلى شهادة عروبية في جغرافيتها الإفريقية) نذكره ببعض العبارات الأخرى الواردة في مقاله المؤكدة لحقيقة أنه يستبطن قدرا كبيرا من السخرية من كل ما هو إفريقي،فحين يستعرض مشهدا كاريكاتوريا من الشهيد معمر القذافي أثناء القمم العربية يمضي إلى القول إنه(ما من قمة عربية إلا وحاول تسخيفها بطريقة ما بالبزة العسكرية أو بأثواب إفريقيا)، ولم يكتف الكاتب باعتبار إرتداء الثياب الإفريقية من طرف زعيم عربي سببا كافيا لجعل القمة العربية سخيفة بل تجاوز ذلك ليشبه المشكلة السياسية في لبنان ببعض النزاعات الإفريقية،فحين يتحدث عن محاولات حل المعضلة اللبنانية نراه يقول(..قيل إن البلد اقترب من الحل:حكومة واحدة ورئيس واحد وقائد جيش واحد ولا كونغو بعد اليوم).
وإذا تقرر مع الكاتب أن إفريقيا منبع للسخافة ونموذج للنزاعات المزمنة جاز لنا أن نفهم-معه دائما- أنها لا يمكن أن تكون منبتا(للعروبية) الأصيلة، وأن كل من اوصلته جياد الفتح العربي الإسلامي إلى تخومها عليه أن يبقى حيث هو،وعليه أن يتذكر أن منحه (شهادة عروبة) عقب الطفرة النفطية سنة 1973 مسألة قابلة للمراجعة بالإلغاء خاصة بعد تدهور وانهيار أسعار النفط في الآونة الأخيرة.
إن النتيجة السابقة التي تنفي(العروبية) عن كل عرب القارة الإفريقية ترتب على الكاتب عبئا كبيرا يحتم عليه أن يوضح لنا ببساطة ماذا يتبقى من الكيان العربي؟،و فيما يخص موريتانيا المعتزة بعروبتها وإفريقيتها أذكر الكاتب بأن موريتانيا هي الدولة العربية الوحيدة التي طردت سفارة الكيان الصهيوني من أرضها الطاهرة وأزاحت جرافاتها المتاريس والحواجز الاسمنتية التي كانت تحيط بهذا الوكر في مشهد رمزي انتقاما من يوميات جرف الآليات الصهيونية لمنازل ومزارع الإخوة في فلسطين المحتلة،فما هي(الشهادة العروبية) التي (نتوق) إليها من خارج (جغرافيتنا الإفريقية) التي نعتز بها بعد هذا القرار الذي خلق حالة فريدة في الوطن العربي اليوم حيث ينسجم الموقف الرسمي للحكومة مع الموقف الشعبي من القضية الأولى لكل العروبيين قضية تحرير فلسطين من رجس الاحتلال الصهيوني وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
الأستاذ/محمد سالم بمب