نظم بيت الشعر في نواكشوط مساء اليوم أمسية شعرية أحياها الشاعر الدكتور ولد متالي لمرابط أحمد محمدو الفائز بجائزة الشارقة للإبداع العربي، وقدم لها الشاعر القدير أفلواط ولد الداهي، وذلك وسط حضور مميز لنخبة من أبرز الشعراء والأدباء الموريتانيين.
وأكد عبد الله السيد مدير بيت الشعر في نواكشوط أن هذه الدعوة للشاعر ولد متالي مبرمجة منذ أشهر، وأن برنامج البيت لا يخضع للمناسبات، لكن تزامن هذه الأمسية مع حدث انعقاد القمة العربية في نواكشوط (قمة الأمل) يذكرنا بأن البيت استقبل على مدى الفترة الماضية عشرات الشعراء وقدمت فيه عشرات القصائد والندوات الفكرية، التي عبرت، دون تيارية أو أدلجة أو تنسيق أو تشاور، عن رغبة جامحة في التعاون العربي، وعن وحدة اهتمامات هذه الأمة وأجمعت على وحدة مصيرها، والحلم بنهوضها، وذلك راجع إلى أن الشعب العربي من المحيط إلى الخليج يتحدث بلسان واحد هو الضاد، وتجمعه قيم حضارية واحدة، وهو إلى التكامل سائر في إبداعه وفكره ومشاعره، فاللسان واحد والحلم واحد والمصير واحد.
هذا، وبدأت الأمسية بكلمة للشاعر أفلواط ولد الداهي أوضح من خلالها أهمية المبادرة الرائدة التي أطلقها سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بافتتاح بيوت الشعر في الوطن العربي، مؤكدا أنها أصبحت ملاذات للمسكونين بالإبداع وفضاء لإلقاء الشعر، وللقاء الشعراء وتواصلهم
بهدف السمو بالتجربة الشعرية في الوطن العربي، وتشجيع المبدعين على التواصل أكثر مع جمهور الأدب.
وقدم ولد الداهي تعريفا ضافيا بشاعر الأمسية الدكتور ولد متالي لمرابط أحمد محمدو، وهو من المبدعين الذين خدموا الإبداع الأدبي في أكثر من عاصمة عربية، حيث حصل على جائزة الشارقة للإبداع العربي (فرع النقد الأدبي)، الدورة السادسة عشرة 2012، وهو أكاديمي وأستاذ جامعي موريتاني، من مواليد 1983، وحاصل على شهادة الدكتوراه في النقد الأدبي، ويعمل حاليا أستاذا مساعدا للأدب والنقد وأمينا لمجلس قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة حائل بالمملكة العربية السعودية، كما يعمل معالجا لغويا بمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية- قطر، كما درس في عدد من المؤسسات الجامعية العريقة كجامعة القاضي عياض بالمغرب، وجامعة نواكشوط.
ومن أبرز إصداراته الأدبية "ظل لذاكرة المدى" ( شعر)، و"درامية الشعر العربي: مقاربة لنصوص موريتانية حديثة"، الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة (2013)، و"مرايا الحلم والكتابة"، و"نقد النقد في موريتانيا" (2013).
بعد ذلك، بدأ الجمهور الاستماع للشاعر ولد متالي لمرابط محمدو، حيث وبدأ الأمسية بتوجيه الشكر للقائمين على بيت الشعر في نواكشوط، الذي أكد أنه أصبح منارة حقيقية للإبداع، مضيفا أنه يقدم شهادة صدق حين يقول إنه كان في الشارقة ويعلم علم اليقين أنها تبذل جهودا خارقة للنهوض بالإبداع العربي بشتى مجالاته.
ثم قرأ من ديوانه "ظل لذاكرة المدى" 7 قصائد هي: "ظلال البحر"، و"مقام عشتار"، و"مرايا من عشق طيبة"، و"مدن.. وأشواق !!"، و"تصوف في جزيرة الحلم"، و"أنغام".
ولد متالي بدأ بقصيدته "قبضة من شموخ..!!"، التي يتحدث فيها عن القدس، ويقول فيها:
يا بريقَ الشموعِ إني غريبٌ
أرقب النجم تائها في شُرودِي
من سرايا الرمال جئتُ.. وخلفي
في حطام السنين أزكى شهودِ
في ربى القدس آنس القلبُ نارا
تتجلى.. وطائرا من سعودِ
في ربى القدس قبضةٌ من شموخٍ
وجراحٌ على جفون الوجودِ
في ربى القدس كم تلقيت حتفي
في جواب رماه ساعي البريدِ!!
قامة الصبح قُزِّمتْ.. ودمانا
في ذرا الشمس كُللت بالورودِ.
وقرأ من قصيدة "تصوف في جزيرة الحلم":
مسراك والزمن الجميل تعانقا
في هدأة الصمت الغريب الشاكي
فتناغمت أطلالُ حب مثقل
بالموج.. يرسم عابرا مسراكِ
وتراقصت لغة الرؤى في معبد
للروح.. فانثال الشذى بمداكِ
وغدوتِ كالحلم الجميل.. جزيرة
خضراء.. رمز تصوف النساكِ
ألقيتِ للأيام سرّ وجودها
ونثرت للأحلام عطر شذاكِ
كتبت ظباء الحلمِ ألف تحية
في جيدك الوضاء.. في معناكِ
إلى أن يقول:
في دفتر الأيام يكتبكِ المدى
وتنام بالأفقِ البعيد خطاكِ..!!
وأنشد من قصيدة "أنغام"
عبرنا ضفةَ الأيامْ..
وكنتُ أشدّ طيفكِ
لحنَ أغنيةٍ
من البوح
من الأطلال والأوهامْ..
عبرنا ضفةَ الأيامْ..
على عربات قافيةٍ
بريقُ الصبح يغمُرنا
تلاوينًا وألحانَا..
زَرَعْنَا فوقَ ذاك التّل أفئدةً
من الأسرارِ تغْشَانَا..
وأرسلنا مع الأحلامِ أوسمةً إلى قرطاجْ
وعلقنا نياشينا لنهر النيل والأهرامْ
ويمضي العامُ،
أسئلةً وأجوبةً
من الإقدامِ والإحجامْ..
على أـن يقول "ويمضي العامُ..
و"الحلاجُ" متحد مع "الخَيَّام"
و"طاغور" ينادي الشوقَ أسفارا..
تراتيلا بلا إلهامْ..
ويمضي العامُ أيامًا
ويمضي اليومُ أعوامًا..
ويمضي العمر في الأوهام...
ويواصل ولد متالي نقل جمهور محبي الشعر إلى الكعبة التي بناها للإلهام كي يلبي ويسير في الطواف عند "مقام عشتار":
.. وعادت دورة الأيامِ حتى
تماهينا وعدنا للتصافي
فظلت ضفة البحر المُعَنّى
تناغينا.. فنَنْعَمُ باصطيافِ
بنينا كعبةَ الإلهامِ عِشْقا
فلبينا وسرنا للطواف.