ليست اللغةُ أداة تَواصُل يُعبِّر بها قومٌ عن أغراضهم فحسْب، وإنما هي كذلك وِعاءُ فِكرهم وحضارتهم وتاريخهم وسِجِلُّ تراثهم...
إنّ اللغة العربية-لغة القرآن الكريم-هي أقوى الروابط-بعد عقيدة الإسلام- التي تربط بين الأقطار العربية-من المحيط إلى الخليج-لتتجاوز ما تعانيه من تجزئة وتقسيم وتشتيت جهود...
تمتاز العربية بأنها تجمع بين الأصالة والمعاصرة... لغة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ وتفتح صدرَها-في الوقت نفسِه-لكل جديد....
وجاء في التقرير الختاميّ للمؤتمر الثاني عشر للتعريب الذي عُقِد بالخرطوم ابتداءً من 17نوفمبر/تشرين الثاني 2013م، ما يأتي:
-يوصي المؤتمر جمهورية السودان أن تقدم مشروعا لاجتماع القمة العربية القادم، بخصوص إصدار قرار سياديّ، يوجه كل الدول العربية بالتعريب الشامل لمؤسسات التعليم، قبل الأساس، والأساس، والثانويّ، والجامعيّ.
-يوصي المؤتمر المؤسسات العربية المعنية بخدمة اللغة العربية، أن تتواضع على خُطة مدروسة لتطبيق التعريب، وتنسيق المجهودات، سعيا للوصول إلى الغايات المرجوة التي تخدم اللغة الجامعة.
-يوصي المؤتمر وزراء الصحة العرب، وعمداء كليات الطب بالوطن العربيّ، أن يعتمدوا (المعجم الطبيّ الموحَّد) أساسا لتعريب العلوم الطبية.
-يوصي المؤتمر وزراء الإعلام ووزراء الثقافة العرب، أن يتفقوا على خُطة توجه المؤسسات الإعلامية إلى اعتماد اللغة العربية الفصيحة المشتركة، في جميع البرامج.
-يوصي المؤتمر وزراء التربية والتعليم بالوطن العربيّ، أن يؤكدوا تطبيق المنهج الوطنيّ في كل بلد عربيّ على كل مؤسسات التعليم حكومية وخاصة.
-يوصي المؤتمر اتحاد الصيادلة العرب أن يعمل مع كل الجهات الخاصة بإنتاج الدواء، لكتابة النشرات الإرشادية المصاحبة للدواء باللغة العربية.
-يوصي المؤتمر هيئات الطيران المدنيّ بالعالم العربيّ، أن توجه شركات الطيران العربية أن تكتب البيانات الخاصة بتذاكر السفر الداخلية، وتذاكر السفر بين البلاد العربية، أن تكتبها باللغة العربية.
وأذكِّر القارئ الكريم بأنّ المؤتمر الأول للتعريب، عُقِد بالرباط سنة 1961م، وعقد بعده (11) مؤتمرا، كان آخرها المؤتمر الثاني عشر بالخرطوم.
وكانت التوصيات باستعمال اللغة العربية في التعليم (بمختلِف أنواعه ومستوياته)، وفي الإدارة، وفي سائر المرافق الحيوية، تتكرر في كل مؤتمر.
ومن المفارقات العصية على الفهم، أن هذه المؤتمرات يحضرها وزراء التربية والتعليم في الوطن العربيّ، أو من ينوب عنهم، وتشارك فيها مجامع اللغة العربية واتحادها، والجامعات واتحادها، وعدد كبير من المؤسسات العربية المتخصصة، والعلماء، والمفكرون، والخبراء، والمثقفون، والكتاب، والصحفيون...
ومع ذلك فإن التوصيات الصادرة عن هذه المؤتمرات تظل حبرا على ورق، ولا تجد من يلتفت إليها، بل تبقى حبيسة في الرفوف إلى أن يحين موعد اللقاء في مؤتمر جديد للتعريب لإصدار توصيات جديد، ينتظرها المصير نفسُه.
إنّ مشكلتنا، في عالمنا العربي، هي أننا لا نهتم دائمًا بتنفيذ التوصيات التي يُصدِرها أهلُ الاختصاص، ولا بتطبق القوانين التي تسنها مؤسساتنا التشريعية، ولا نلتزم بمقتضيات الدساتير التي هي نصوص ذات مرجعية سامية!
المطلوب من القمة العربية "قمة الأمل" المقرر أن تحتضنها انواكشوط في أواخر الشهر الجاري (يوليو/ تموز 2016م)، أن تستجيب لمقتضيات بيان الخرطوم الصادر عن ممثلي الدول العربية المجتمعين في مؤتمر التعريب المذكور.
تلك هي رغبة الشعوب العربية، ولا يجوز أن تكون الشعوب في وادٍ والقادة في وادٍ آخرَ.
والله الموفق.