إلى أين ..؟
ها نحن اليوم نقر جميعنا ، بلسان الحال و المقال ، أن الظروف التي تمر بها بلادنا غير طبيعية ، وليس في الإمكان التغطية عليها بغربال التمني و تبديل قطع الشطرنج من مكان لآخر .فهذه اللعبة تصلح مؤقتا و تكتيكيا لالتقاط الأنفاس و تجميع عناصر الإستراتيجية الكفيلة بفك حبل المشنقة الذي طوقنا به أنفسنا حين ضيعنا وقتا كثيرا بالمراوغة و المداورة حول أيهما الأسبق : البيضة أم الدجاجة .لقد أمضينا ، و مازلنا نمضي الوقت حول أيهما الأسبق : الممهدات للحوار ..أم الحوار للوصول إلى "الممهدات ".فيما يبدو أن الطبقة السياسية التي تعودت اللعب بالوقت باتت اليوم مدركة أن ثمة شيئا غامضا يحاك للبلاد ، بينما هي تتآكل مثل ديدان القبور ، يأكل بعضها بعضا ، بعدما تتغذى على جيف الأموات .فهذه النخبة أو النخب التي تمرنت جيدا على التغذي من معاناة شعبها ، و أنبتت شحم و لحم أكتافها من أمواله و أقواته ، تجد اليوم نفسها في وضعية دود القبور الذي يأكل الجيف ثم يأكل بعضه بعضا ، ثم يموت ، فهو يطلب الوجود من المعدوم أصلا ، فالنخب الموريتانية تطلب الوجود المادي و المعنوي من و طن هي نفسها أعدمته بتصرفاتها و أنانيتها . إن مجتمعا هذه نخبه ، إنما اصدر حكم الموت على نفسه ، لأنه يسعى ، بوهم نخبه ، إلى البقاء ، بينما بدأت ، فعلا ، الغربان تحوم حوله و فوقه . ليس شرف النخبة فيما تعلمته من نظريات ، وليس فيما قامت به من مهام إدارية ، و لا بالأحرى فيما نهبت من ثروات شعبها ، ولا فيما نظمت أو حضرت من ولائم ، إنما شرف النخبة الوطنية هو في انتمائها الوطني الصادق و تغليب مصلحته على مصالحها .فالمصالح الأنانية للأفراد تذروها الرياح مع أول هبة للعاصفة على الأوطان .أليس هذا ما أكده التاريخ البعيد ، والأحداث الجارية ، في أكثر من قطر عربي .فأين مصالح الرئيس ابن علي في تونس و رهطه من المفسدين و أين مصالح جزار سوريا ، الذي انفجر عليه شعب هو الأكثر سلمية ووداعة بين الشعوب .أ فهذا هو ما تريده لنا نخبنا التي لا تتشبث إلا بالسلطة و لا تثور إلا من أجلها .. فعلى أية حال هذا هو ما عاشه هذا الجيل من الموريتانيين .فنخبتنا الوطنية موضوع كفاحها بقي يدور حول السلطة .فالذين يجدون لهم موطئ قدم في أي سلطة يدافعون عنها بالحق و الباطل ، حتى و لو كانت هذه السلطة أقبح من وجه إبليس .و الذين يخونهم الحظ في ذلك يولونها الأدبار ، ثم يتهمونها بكل أقذار المواخير و الرجس .
هذه الأيام تجري أمور غامضة، يشهد الخط الفاصل بين نظام الحكم الحالي ، و جبهات المعارضة تهدئة منذ تصريحات الرئيس الأخيرة حول عدم نيته في تغيير المأمورية الرئاسية ،و يبدو أن الأطراف جميعا تميل للتهدئة في أمل التوصل إلى صيغة متفق عليها لانطلاق الحوار السياسي .و لكن اندلاع الخلافات الداخلية لبيت السلطة إلى العلن يربك الساحة ، إلى درجة أن عددا من أركان النظام نفسه يعتبر أن البحث عن الحوار مع المعارضة العتيدة أصبح ثانويا قياسا مع تبعثر محتويات بيت النظام نفسه . وأي حديث أو سعي لحوار مع المعارضة يجب أن يسبقه حوار داخلي ، و إلا يصبح رأس النظام كمن يترك بيته يحترق، بينما يطارد فارا فر من اللهب .فإلى أين ؟؟؟
لماذا البعث .. وماذا خسر العالم بغيابه ؟
نعم .. لا يعرف الرجال إلا في الظروف الصعبة ؛ إذ أن ظروف الرخاء و الأمن يستأسد الجميع ، و يتميز الجميع و لذلك فقد قالت العرب في مثلها الخالد : لولا المشقة لساد الأراذل ، أو ساد الناس جميعا.و عندما دارت معركة بدر بين النبي صلى الله عليه و سلم و سادة قريش من أبطالها أولي البأس ، في غياب نفر من رجال المسلمين .أبدى هؤلاء المتخلفون عن بدر أسفهم على غيابهم عن معركة بدر ، خصوصا بعدما تحقق من نصر عظيم للنبي (ص) و المسلمين برغم الاختلال العظيم في ميزان القوة المادية ،بين الفريقين لصالح المشركين .عندها ، جاء القرآن يبين لأولئك النفر، الذين لم يشاركوا في بدر، أن معركة أخرى تدور في أحد ، وهذه مناسبة ليؤكدوا صدق حسرتهم على غيابهم عن بدر .
<< ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون >>.
ونحن نقول للذين استبسلوا في الاستعراض في معارك الثمانينات و التسعينيات مع الغرب ، في ظل النظام الوطني يومئذ في العراق ، هاهم أبطال البعث يخوضون معارك الشرف تترى ، منذ ذلك التاريخ و إلى الآن ، في مختلف ساحات المنازلة مع هذه الامبريالية الأمريكية و الإمبراطورية الفارسية ،عسكريا و و إعلاميا و ثقافيا و معنويا .. فأين دوركم و موقفكم من هذه الملامح السجال ..إن الذين تغنوا بالشهيد صدام حسين في حياته ، ثم استقالوا من مشروع الشهيد صدام حسين بعد موته ،لهم أكثر الناس حاجة إلى تأكيد إخلاصهم لذلك التاريخ ، تجنبا للوقوع تحت طائلة النفاق ، الذي ما نفع عبد الله بن أبي .فالولاء للمشاريع و الأفكار و ليس للرجال . فهؤلاء ميتون، ولكن الأفكار و المشاريع لا تموت .
و عندما تحالفت الأحزاب من المشركين على رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة الأحزاب ، اتضح الإيمان الصحيح و ظهر النفاق الصريح .فقال المنافقون بوضوح <<غر هؤلاء دينهم >> و قالوا <<ليخرجن الأعز منها الأذل >>. فالذين يطفون كالزبد في ظروف الرخاء و الأمن و الأمان ، سرعان ما يذوبون كالزبد أيضا حين يوضع الأيمان أمام امتحان الظروف القاسية .فمثل هؤلاء لا ينهض أحدا حالهم ولا يدل على الله مقالهم ، لأنهم ولو تخفوا بها ، يبقون أبدا في حالة حرب مع ضمائرهم
من يوقظ العبد النائم ل "الإفطار" .؟
أوقظوا هذا العبد النائم، فقد أرهقه النوم في كل الفصول، وأسياده يشفقون عليه من اليقظة ، ويبذلون كل طاقة في تأبيد سيادة الصمت حتى ينعم العبد بالراحة في النوم الثقيل. حتى الأكل منعوه منه والشرب حبسوه عنه ، كي لا يقدر على مغالبة النوم ، فيطلب قسطه من الإدام، أو حتى يضطر لقضاء الحاجة البيولوجية. فقالوانحن أولى بالعبد من نفسه وأعرف بمصالحه. لذا، نأكل ونشرب نيابة عنه، ونقضي بدلا منه حاجته التي لا ترحم، لأنها تزعجه في نومه وتتسبب له في عدم الراحة والطمأنينة بالنوم. وقالوا: فهل وصلت الأسياد في التخوم المجاورة إلى هذه الدرجة من الرحمة بعبيدها... حتى التكفل ، في غيابهم، بسلسلة الحاجات التي لا تنتهي، بما فيها قضاء الحاجة البيولوجية، حتى يسعد عبدنا بالنوم التام في جسمه. ألم يقل الأطباء وعلماء التغذية : إن الأطفال يزدادون نموا في أجسامهم أثناء نومهم أكثر منهم في اليقظة. وكذلك العبيد ما وجدوا أفضل من النوم . وقالوا : في حفل إفطار مهيب، في ليلة مباركة عليهم: إن نوم العبد واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ فلا بد من فقأ عين هذا العبد فلا يرى الأشياء التي لا تسره. فبالتأكيد أن الأكمه لو عاد إليه بصره وسمعه ورأى هذه الدنيا المحشوة بالقبح ، لاحتج احتجاجا عظيما على النور ، ولقلع ، هو، نفسه عينيه وأذنيه حتى يحتجب عن القبح في هذا العالم. في هذه الليلة المباركة ، من الشهر المبارك، تعكر صفو العبد النائم ، فتقلب مرات في نومه، على غير عادته. فحار الأسياد الرحماء في السبب. فقالأقلهم رحمة: ربما تنشق العبد أبخرة الشحم المتصاعدة من الأفران ، أو من نكهات ضروب الفواكه على الموائد. وقال الذي يليه: وربما سمع نشيش اللحم المقلي على الصفائح. وقال الثالث: وربما تململ العبد جراء تخافت أصواتنا حول أشهى الموائد ، وأيها الأجدر بالتقدم نحو الخوان. فقال الرابع: هذا كله مستبعد . فالعبد منذ الأزل يغط في نومه، ولا عهد له بالطعام ، ولا بأبخرة الشحم. وأما حوارنا حول الوجبات ، فليست هذه المرة الأولى التي نتداعى فيها إلى القصعة بجواره وهو نائم، ولم تكن سببا في إيقاظه. فتدخل رجل كث اللحية ، بهي الوجه ، تعلو وجنتيه حمرة ، تارة، وصفرة، تارة أخرى، فقال: هذا لا يحل في الشهر الحرام . ضعوا خرقة بالية على أنف العبد تحجب عنه رائحة اللحم المشوي، فكل بشر يجئ لحياتنا الفانية ، وهو مزود بأنف. فاستشاط رجل مهيب، تسكنه طمأنينة الانفراد، غضبا وقال: هذا من وحي الشيطان. أما ترون هذا هو عين الاسراف في أعظم الشهور. فرد الأول بوقار العلماء : ما قصدته هو خرقة من نوع الخرق التي كانت عجائزنا تربطها على سنابل الذرة لترعب الطيور، من آكلات الحبوب. فرد الثاني : أليس أقرب إلى الوسطية منه وأدعى لراحة العبد أن نجدع أنفه، فلا يتأذى، أبدا، باستنشاق روائح الولائم الدسمة. فقال رجل ، جلس سابقا عن يسار الشيخين، لولا أني خشيت أن أعكر شهيتكم و أثبط شهوتكم ، لقلت : خير لنا أن نخطأ السبيل من أن نخسر القصد. فمصيبتنا في قرقرة أمعاء العبد، وليست في أنفه. ولقد جربنا هذا نحن. فقال أحد من زمرة الضعفاء من المدعوين للوليمة ، وعيناه تقدحان من الخوف ولم يأت معه للوليمة بغير الشهية للطعام، لعل ما يزعج العبد طنين أسراب الذباب التي تحط على جلود الذبائح ودمائها. فقام كبيرهم، صاحب الدعوة للإفطار، وقد أثقلته حسوات من سائل، فقال: نحن أعلم بالذي تخوضون فيه . فدعوا العبد يغط في نومه، فنحن أدنى إليه، فقد خطنا فمه بخيوط العنكبوت ، وكممنا أنفه برائحة زبل الذبائح، ووضعنا الطين في أذنيه. وهو الآن نائم.. نائم.. نائم. فقد أعياه ، من قبل، وهج السراب ، وأنهكه، من بعد، إحصاء حبات الرمل الحارق. وعلى أهل السيادة والريادة أن ينقذوه من تكاليف البقاء بالقضاء عليه دون إمهال، بإكمال ملذاتهم في الولائم. فقال شيخ جللت السمرة سحنته: لولا أننا نهينا، في الطفولة، عن الكلام عند الأكل، لانسحبنا احتجاجا. فحدج الضعفاء النظر بعضهم في بعض. وقالوا : حجرا محجورا، وهل منظم الإفطار بهذه القوة والجبروت؟. فأسر بعضهم إلى بعض القول : هذا عجين منتفخ باختماره ، وما كشر عنه أسنان مستعارة. فنظر كل منهم في الآخر نظرة المخبر السري. وتسلل الجميع ، خلسة، من قاعة الأكل ، على طريقة الهرة، وهم يتخافتون : حذاري أن يستيقظ العبد، فالعبد النائم مستودع للانتقام...
قمة نواكشوط.. العربية..
حتى ونحن نخط هذه السطور ، ما تزال الشكوك قوية حول نجاح الحكومة الموريتانية في إقناع باقي الأنظمة العربية بإمكانية انعقاد القمة العربية. والسبب ، ليس محصورا في الشروط المطلوبة من الحكومة الموريتانية أن توفرها. فالحكومة بذلت جهودا مقبولة ، منذ تحملت المسؤولية في هذا الموضوع . ولكن السبب الكبير الذي يواجه الحكومة الموريتانية في موضوع القمة العربية، هو سبب مركب. فأغلب الأقطار العربية الآن مجرد حطام تذروه رياح الفتن الأهلية التي أشعلها الاخوان " المسلمون" وبلوى الغزو الأجنبي بزعامة أمريكا وتنفيذ إيران والكيان الصهيوني، وبعض هذه الأقطار رهينة في أيدي حفنة من المرتزقة والعملاء. مثل حالة العراق ، الذي كان سيلعب دورا عظيما في مساعدة الموريتانيين في هذه المسؤولية القومية ، لو أن العراق بأيدي وطنية، كما كان الحال في ظل نظام البعث العربي. أما القسم الثالث من الأقطار العربية ، وتمثله الدول الخليجية، فهو يواجه امتعاض المغرب من تجاوز مقترحه بتأجيل القمة إلى حين تتوفر الشروط المناسبة لعقد القمة، كما أن التقارير الصحفية التي تتحدث عن توتر في العلاقات المغربية الموريتانية قد تزيد منسوب التشويش على عقد القمة في وقتها على الأقل. وإذا صدقت تلك التقارير فإن الدول الخليجية ستواجه معضلا حقيقيا. فمن جهة ، فإن هذه الدول هي التي شجعت الحكومة الموريتانية على تحمل عقد القمة باستضافتها في نواكشوط، بل تذهب بعض المصادر إلى القول إن دول الخليج قدمت مساعدات مالية هامة لترتيب وجه العاصمة الموريتانية وتحسين بنيتها التحتية، فضلا عن دعم لميزانية الدولة التي تعاني أزمة. والدول الخليجية من جهة أخرى، ليس بمقدورها التضحية بالمغرب بأي ثمن، خصوصا وأن دول الخليج تواجه موقفا سلبيا حازما من الجزائر فيما يتعلق بعاصفة الحزم. وليس في الامكان أن تقبل الدول الخليجية أن تخسر الجزائر والمغرب في ذات الوقت ،لقاء انعقاد قمة عربية تشير كل الدلائل أنها فاشلة، قبل انعقادها، بقوة الظروف التي يتخبط فيها الوطن العربي برمته، وليس لمؤسستها ( الجامعة العربية) تاريخ مشرف على وجه الاطلاق يمنحها رصيدا معنويا في مثل هذه الظروف بالغة السلبية. ويرى محللون أن الدبلوماسية الخليجية ، والسعودية بوجه أخص، تنشط لإزالة ما تراكم من غبار على العلاقات الموريتانية المغربية. ولكن الأحداث التي تستجد باستمرار ، مثل قضية عمال موريتل وأمور أخرى، لا تبعث على أمل كبير. ومن المعروف أن الجارة الجنوبية ، السينغال، تتأثر بسرعة سلبا وإيجابا إزاء موريتانيا بنوعية العلاقة مع المغرب. ومن المعروف ، أيضا ، أن العلاقات الخليجية مع السينغال قوية بما يكفي لتعزيز تثبيط عزيمة الدول الخليجية في جدوائية قمة عربية في نواكشوط يتحفظ المغرب عليها، و لا تعيرها الجزائر اهتماما، أصلا. أيا يكن الأمر، من حق الحكومة الموريتانية أن تتخذ القرار استضافة القمة العربية ، وهو قرار سيادي وأن تحشد له التاييد، ومن واجب الموريتانيين العمل على انجاحه، لأن نتائجه الإيجابية تتجاوز نظام الحكم القائم، بل يبقى رصيدا تاريخيا للشعب الموريتاني . ولذلك ما تزال تصر الحكومة على أن القمة في موعدها. فهل يتم ذلك في ضوء ما أثرنا من مثبطات وما خفي عنا أعظم؟ .. وهل تلجأ الدول الخليجية التي نجت ، إلى الآن من الهلاك، إلى تحويل عنوان القمة إلى مجرد لقاء عربي في نواكشوط، وليس يرقى إلى قمة؟، على أن يكون الحضور إليه في أدنى مستوى شهدته اللقاءات العربية، التي رصعت تاريخها بتيجان الفشل، وهو المطلب الأمريكي الثابت من حكام العرب. وسواء انعقدت القمة في موعدها أم لم تنعقد وسواء تبدلت إلى مجرد لقاء، فإن الشعب العربي لن تثير القمة أو اللقاء فضوله، حتى إنه سيفضل متابعة حلقات المسلسلات التركية والمكسيكية المدبلجة عن مشاهدة دمى عربية يلعن بعضها بعضا. والشيء الذي قد يفاجئ الشعب العربي ويجعله يحول عن " مسلسل مراد علاندار" هو إصدار قرار حازم بدعم مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الكيان الصهيوني، ودعم المقاومة الوطنية العراقية المترفعة عن النفس الطائفي في ملحمتها ضد الاحتلال الأمريكي - الإيراني، ومنح مقعد دائم للشعب العربي الأحوازي في الجامعة العربية وطرد سفراء الدجال الفارسي، الخامنئي، من كل الدول العربية المشاركة في القمة أو اللقاء وتفكيك شبكاته المنبثة في جميع الأقطار العربية لتفتيتها. فبهذه الإجراءات " المعجزة" أو " الخيالية" أو " الجنونية" أو " البلهاء" ، أو الوطنية والقومية و الاسلامية والانسانية، بهذه القرارات، على أي نحو صنفها المصنفون، ستنجح القمة أو اللقاء العربي في القضاء على عاهات الإرهاب ومظاهر الخبل في الحكام العرب، وسينجح في وضع حد جذري لغطرسة إيران وأمريكا والكيان الصهيوني. وبغيرها، سيبقى حكام العرب في قممهم ولقاءاتهم يدورون كالرحى حول أنفسهم بدون طحين إلى أن تلتهمهم نار طواغيت الفرس ، التي عبدوها ألف سنة لهذا الغرض..
ومن المفاهيم ما قتل ᴉ
لا غرابة أن تكون الأرض العربية من المحيط إلى الخليج هدفا للغزاة و المحتلين عبر العصور، وذلك لكونها فسيفساء بشرية و اقتصادية تجعل منها مركزا للحضارة الكونية ، إلا أنما تشهده في المرحلة التاريخية المعاصرة من احتلال أخذ طابعا أكثر خطورة بفعل الأساليب المعتمدة فيه و القائمة على التجزئة و خلق الصراع البيني بين الأقطار من جهة و بين الطوائف و الفئات المكونة للمجتمع العربي ،من جهة أخرى .و الأدهى و الأمر إنتاج سلسلة مفاهيم عبر الطابور الخامس للغزاة و التي من شأنها الحد من مشروعية الحق عند الأجيال مثل شيوع مطلب استقلال فلسطين عند حدود 67 و الاعتراف الضمني بالكيان الصهيوني في نطق عبارة "دولة اسرائيل" ، إضافة إلى قولنا (العالم العربي ) متناسين انه وطن واحد بجميع المقاييس ، و كذلك سعي الصفوية الإيرانية إلى تشريع الملكية على الخليج العربي باستخدام عبارة الخليج "الفارسي" و تزيدنا الجامعة العربية من الشعر بيتا حين تسمي قمة نواكشوط :قمة الأمل ، و كأن العربي عاش عقودا طويلة و هو يأمل في الأمل في حد ذاته .ما هذه إلا أمثلة أو ما يقال قيض من فيض بحر المفاهيم التي ترسخ الخنوع و القبول بالواقع على أنه حتمية ، و تغلق الباب أمام أي طموح نضالي قد يتسرب إلى النفس العربية الأبية .فعلينا يا معشر المناضلين الصادقين أن لا نهمل هذه (المدافع اللغوية )القاتلة للنفس النضالي ، و إن أبقت الإنسان حيا أبيولوجيا.
المحاصصة في الوظائف صنو للطائفية المقيتة
يحسب كثير من المتعاطين للسياسة اليوم في بلادنا أن الأزمات الإجتماعية التي تفتعل أحيانا منشؤها هو جمود النخب السياسية على استنساخ مفاهيم و تطبيقات سياسية دأبت عليها أقطار بعينها . فما أغنت عنها من جوع ، و استنجدت بها أقطار أخرى مؤخرا معتبرة أنها الحل السحري لمشاكل التنمية و التقدم و الازدهار فيها .فوضعت في فخ ووحل قصر النظر ، وضحالة التفكير الذي لا يبتعد كثيرا عن الأنوف ، فأزكمت ، ثم أصيبت بضيق في التنفس شديد ، فلم تجد من علاج له سوى الانفجار و التفجير البركاني .فالضغط يولد الانفجار .ذلك أن واقع الدول يختلف و طبقاتها السياسية تتفاوت في بعد النظر و الرؤية الإستراتيجية لديها تختلف . فالذي جنته الأقطار العربية من اعتماد ما يسمى بالمحاصصة السياسية كان إلى اليوم هو تعطيل مسار عجلة البناء و التقدم في هذه الأقطار ، و الفراغ السياسي و الدستوري خير معبر عن تلك التوافقات التي يجمع عليها الساسة أحيانا غير مدركين بأنها الوجه الآخر للاستعمار المقيت .وما تلك التخادمات التي يتبادلها الساسة في تلك الأقطار إلا رديفا مباشرا لعملية التجزئة التي يسهر عليها الاستعمار و أذنابه في المنطقة العربية .
ثم إن أنهار الدم التي تتهادى في المنطقة العربية اليوم ليست هي الأخرى سوى نتيجة مباشرة للتهافت والهرولة نحو الفدراليات و الاتحادات و الأقاليم التي تعيش على بعضها البعض .و تقتات هيآته الإدارية على التخابر على بعضها و بيع غسيل بعضها مقابل دريهمات لا تلبث أن تلتهمها النار التي يستعر أوارها كل لحظة لترتفع درجة سخونة حمام الدماء العربية الذي أريد له أن لا يخمد .
وهكذا فليفهم المنادون في قطرنا بالمحاصصة في الوظائف السياسية و العسكرية و العلمية سبيلا للخروج من أزمات ، هم من صنعوها بأيديهم بأنهم هم من يخربون بيوتهم بأيديهم . وليعوا بأن تجارب الشعوب لا تقاس بعمر نظام سياسي معين .و بأن المحاصصة في الوظائف صنو للطائفية المقيتة.
فما بال أقوام يدعون الوطنية يعتقدون و يصورون بأفواههم بأن تكريس واقع المجتمع في عصر ما قبل الدولة و استعادة أمجاد و محن و مظالم عصر ما قبل الدولة ،أنهم باستحضار تلك القيم في تسيير الدولة اليوم ᴉ إنما بذلك يخالفون و يعاكسون تطلعات الشعب العربي التواق للحرية ، فهاهي القوى المقاومة للاستعمار ، و المحبة للسلام ، و العاشقة للحرية في آن واحد تقاتل بكل ما أوتيت من قوة رفضا لكافة أشكال التبعية .وليست المحاصصة و التقاسم و التقسيم و غيرها من المفردات إلا إفرازات طبيعية للسياسة الاستعمارية .
فليفتحوا أبصارهم و أفئدتهم على الدول العظمى التي تجاوزت هذه المفاهيم و اعتبرتها سقيمة في الفهم .كيف تدين و بكل حزم من يحاول المساس بسكينة مجتمعها و بطمأنينته ؟
وهنا لا بد أن ننوه و نشيد بكبار المفكرين العرب الذين كتبوا و نافحوا عن الوحدة العربية و ربطوها بالحرية و بالعدالة الاجتماعية فعاش الإنسان العربي مكرما و معززا في وطنه العربي الكبير .قد يتساءل البعض عن علاقة الوحدة العربية بالموضوع .و نجيب بأن الوحدة مرتبطة بالحرية و بأن الحرية مرتبطة بالاشتراكية فكان هذا الثالوث البلسم لداء التخلف و التفاوت الطبقي الذي يحاول البعض اليوم أن يقفز عليه بالمحاصصة في الوظائف .
لقد أصاب الدكتور كوريرا
لا يخطئ الملاحظ من تابع الحلقة الإذاعية من قناة المحظرة ، المنظمة من طرف وزارة الشؤون الإسلامية و التعليم الأصلي .التي شارك فيها جمع غفير من العلماء و الساسة في موريتانيا ليتداولوا حول مفهوم الوحدة – أن يسجل الملاحظات التالية :
أولا : كل أدلى بدلوه لينظر للوحدة الوطنية متمسكا بتعددية المكونات و اللغات الوطنية ناهيك عن الديكور العام للمشهد التلفزيوني ، حيث رصعت القاعة و بعناية شديدة بأنواع الفلكلور الشعبي من ملابس و غيرها .تكملة لما قد يعجز المنظرون عن قوله في هذا السياق ...
ثانيا : كلما نطق أحد المتدخلين بما يكرس واقع الفئوية و التفاوت محاولا الصعود عليه كلما ركزت الصورة التلفزيونية على ذات المكون .استرضاء لمشاعر الموسوسين و المشككين في وحدتنا الوطنية .بأننا نجتمع في مكان واحد و نتحدث بلسان واحد على الأقل في هذه الحلقة و بأن هذا انجازا عظيما بلغة التفسير المغالط لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم .(المسلم أخو المسلم ) .(و المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص ) وغيرها من التفسيرات التي وردت في سياق أساسات و مراسي الوحدة الوطنية .
و اللافت للنظر أن أتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وفي شهر الصيام و القيام "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " لا يكون بغير تمجيد لغة القرآن ، ولغة أهل الجنة و هي لعمري اللغة الجامعة للمسلمين التي أختارها الله سبحانه و تعالى ليبين بها آياته للناس تبيانا .وذلك ما عجز مسيلمة عن محاكاته إعجازا من الله سبحانه و تعالى بالقرآن العظيم .
ثالثا : يظن واهما من يعتقد أن جلوس زيد بزي مزركش إلى جانب عمر و بزي أبيض و بعمامة سوداء ، وجلوس هند عن يمين زينب بقميص مفتوح الكم أن هذا هو الدليل على تراص البنيان و التماسك أمام عاتيات الدهر .فتراص البنيان لا يكون بتنوع الحجارة ولا باختيار أفضل الألوان لتلك الأحجار فهذه مظاهر خداعة للبصر ولا تنم عن وحدة في الروح ولا عن ألفة في القلوب و هي أقرب للاستهلاك الخارجي .و إنما يكون البنيان متراصا إذا أحكم و أتقن و عمق و خطط على أساس لا يتصدع ، بإمكانه مقاومة كافة عوامل التعرية. و اللغة العربية ستظل كما كانت مهما حاول البعض تغييبها أو الالتفاف عليها و على دورها في لم الشمل الوطني .فهي الوعاء السيار الذي تقف عليه الوحدة الوطنية غير عابئة بالهزات التي ترتد من حين لآخر بفعل فاعل لتقويض عرى وحدتنا الوطنية ، وهي ركن في المواطنة و شرط صحة في الوحدة الوطنية.
ولقد أجاد الدكتور محمد كوريرا حين قال منقذا الموقف من الضياع و الانفلات أن اللغة العربية هي اللغة الجامعة للشعب الموريتاني و بأنها ليست لغة قوم بل هي لغة دين نزل بها الروح الأمين ، و بأنه يعتبر من يخاطبه باللغة الفرنسية كلغة مشتركة بينه و بين أحد إخوانه إنما يوجه إليه إهانة قاسية قائلا : كيف لا ؟ وهذه لغة الأجنبي و هي دخيلة علينا ، و لا يمكنها أن تستمر عاملا مشتركا و لا رديفا من روادف الوحدة الوطنية .إذا، فكل من يخاطب الدكتور محمد كوريرا الوطني الواعي لوطنيته و المحافظ على أهم مثبتاتها ، عليه أن يخاطبه بإحدى اللغات الوطنية الغنية بالمفردات أو بالغة الجامعة(العربية) ، وأما غير ذلك فليكف عليه لسانه مشكورا.
الثقافة الانعزالية.. هدية للافرانكوفونية ( ح2).
... فحين اضطر المستعمر للانسحاب من أرض الشعوب – التي قهرها ونهب خيراتها وسرق ثرواتها – ترك نخبا ، أو بالأحرى أنصاف نخب، هي أصل القذارة وينبوع الرداءة والتبعية له؛ تركها تعمل بإخلاص لا متناهي في سبيل مصالحه وتكريس أهدافه وتعزيز هيمنته المادية والمعنوية على تلك الشعوب. إنها نخب فاسدة ومفسدة تعتمد على حماية قوى الاستعمار و خيانة أوطانها وإذلال شعوبها ، مقابل عبثها بمقدرات بلدانها . واتبعت في سبيل ذلك أساليب في منتهى الوضاعة ، أقذرها وأشدها خسة زرع ثقافة المستعمر وتمكينه لغويا وإداريا وتصوريا في ذهنيات الأجيال الناشئة في أوطانها. وفضلا عن ذلك، عملت هذه النخب على إقصاء وتشريد وتهميش النخب الوطنية والتحررية ومحاصرتها بدعم مباشر من قوى الاستعمار ، وبتوجيه متواصل من مراكزه الثقافية المزروعة في سفاراته . وهذه المراكز تقوم على متابعة أنشطة النخب الوطنية ، وبالتالي فرز الوطنيين وفرض طوق عليهم في بلدانهم ، حتى يبقى دورهم ضئيل التأثير. وهذا الاحتضان هو من القوة بحيث أن أي تغيير يجري في المستعمرات السابقة لا بد أن يصطدم بصخرة مستعمر الأمس وأن تتحطم أهدافه الوطنية عليها، جراء ضعف القوى الوطنية وتشرذمها وغياب السند الدولي عنها ، وأيضا بفعل التدخل الأجنبي الامبريالي المباشر في الأنظمة لضبط بوصلتها على المشاريع الاستعمارية. والتعامل الفرنسي ، بالذات، مع الأنظمة في المغرب العربي يكؤد ذلك على نحو لا يقبل الدحض. ومن الأساليب القذرة للنخب التابعة للمشاريع الاستعمارية تعاملها مع المؤسسات الغربية المشبوهة ، التي تتظاهر بالعمل في مجال حقوق الانسان والدراسات الاثنية والآنتروبولوجية التي تركز أنشطتها على التفرقة بين مكونات الشعوب في مستعمراتها السابقة ، بتوجيه أنشطتها المالية و الاعلامية لزرع الفتنة وإثارة الحساسيات بين بعضها البعض، وإذكاء النعرات وبعث الأحقاد ، وتشجيع وتمويل وتمكين العناصر التي تطيعها في أجندتها، وفرض رمزيتها المزيفة بسلطان المال والاعلام على حساب القوى التحررية الوطنية التي عملت وتعمل لتسوية الأوضاع الاجتماعية المنحرفة والشائنة في إطار الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي. وتعمل تلك النخب التابعة للامبريالية ضمن لوبيات ضغط على الأنظمة الحاكمة لإخضاعها لإرادتها و تبني شروطها لضمان هيمنتها على المنطقة . ومن المعروف أن فرنسا ركزت جهودها الاستعمارية على ربط هذه " النخب التابعة لها" بالافرانكونية ، ثقافة وسلوكا وتربية وتصورا ، وعملت على سلخها من الخصوصية الثقافية والحضارية لشعوبها. وفي الآونة الأخيرة ، بدأ مشروع "بربرة" منطقة المغرب العربي يتنامى بخلق تيار من الكراهية بين العرب وأشقائهم الأمازيغ، كما يجري تعزيز سلوك الانعزال الخطير في أوساط كثير من المنظمات والأحزاب التي تدعي التحدث الرسمي عن الخصوصية البربرية في المغرب العربي، وبخاصة في الجزائر والمغرب وليبيا، وحتى في موريتانيا، مع العلم أنه رغم خطورة المؤامرة وتناميها ، إلا أن السواد الأعظم من هذه المكونات ، سوءا الأمازيغ أو غيرهم، يقفون بالمرصاد لهذه السياسة الاستعمارية التفتيتية للوطن العربي. كما أن الطلائع الوطنية ، وخصوصا من المكون الأمازيغي ، بقيت وفية ومخلصة ومتمسكة بانتمائها العربي الاسلامي؛ لأنها تعلم أن الاستعمار حين دنس بأقدامه الجزائر أو أي قطر مغاربي آخر عمم سيطرته وسيادته على جميع المكونات ، ولم يستثن مكونا من بطشه. فقد قهر الجميع وشرد الجميع وأذل الجميع، وصادر هوية الجميع وألحقها بهويته. ولذلك، قاومت جميع مكونات الشعب العربي في منطقة المغرب العربي الاستعمار، إلا الخونة ، الذين يوجدون من ضمن جميع المكونات. كما أن المقاومين كانوا منضوين في جبهة وطنية واحدة لمحاربة الاستعمار. ولهذا، نوجه كلامنا لكل الانعزاليين أمازيغ وسواهم - ممن يدعون الدفاع عن الخصوصيات الفرعية ، وسيتثمرون أجندتهم الانعزالية لصالح أسيادهم الامبرياليين فيما يسمونه بشمال إفريقيا – إذا كنتم حقا صادقين في وطنيتكم وقوميتكم فتوحدوا فيما بينكم لإنشاء الدولة الأمازيغية الواحدة الناطقة بالأمزايغية ، ولكن المستقلة عن الاستعمار الغربي ، وسيكون إخوانكم في الدين والتاريخ والحضارة والجغرافيا ، من العرب، أول المدافعين عن هذه الدولة في هذه الحالة. ولكن لا تقبلوا أن تكونوا مجرد أدوات حقيرة لتمزيق الوطن العربي وتفتيت أقطاره لصالح الاستعمار الغربي، الذي لا تربطكم به رابطة، إلا رابطة القهر والاذلال ونهب الثروات..