الديمقراطية إطار اكتشفته البشرية لتنظيم وتطوير حياة الناس , وقد أخذ هذا الإطار لنفسه في العصر الحديث آليات متعددة بتعدد الأمم والشعوب وتنوع الحاجات والظروف , إذ المستفيد الأول منها هو من يفصلها على مقاساته بعيدا عن النقل الأعمى والميكانيكي الذي يسيء إلى مخرجات العملية المتمثلة أساسا في : حرية التعبير ,و حرية التفكير , و حرية المعتقد , و حرية التنظيم , و حرية تبادل المعلومات , ومعروف أن كل واحدة من هذه الحريات المزعومة لها مقيداتها القانونية والمنطقية المراعية لإمكانية التحقق ومستوى استفادة الناس أوالإضرار بهم .
ولأننا –كغيرنا من الأمم المستقبِلة – وقعنا تحت تأثير ذلك الدفق المفاهيمي الذي لم يعطينا فرصة للتأمل والغربلة فإننا مطالبون بالإحساس بالمسؤولية التاريخية التي تحتم على الفاعلين كل الفاعلين الموريتانيين التريث والحيطة من أجل حماية جسم وروح أمتنا باعتبار ذلك الهدف الأول والأخير وأن نضع اعتبارات قوية لأولوياتنا الحضارية التي لا توافق أو تشابه بالضرورة أولويات غيرنا لسنة الاختلاف التي تحكم الوجود , إذ اللائق و الأحوط في هذا الإطار أن نحدد طبيعة حريتنا التي نريد وفق ما تمليه علينا المصلحة الوطنية وما نستفيده من مجريات الأحداث اليومية التي يعج بها عالمنا الأخطبوطي الذي لا يرحم الغافل , واعين للتحديات والمخاطر التي تتربص بنا من الذين يكرهوننا ومن ألئك المحكومين فقط بمصالح أممهم التي قد تعني لهم القضاء على أمم أخرى في إطار الصراع السرمدي الذي قدره الله .
ومن هنا فإن اللحظة التاريخية التي تستضيف فيها موريتانيا القمة العربية تعني الكثير لكل الموريتانيين بكل أجيالهم فهي ستشكل علامة فارغة في تاريخ الإنجازات الوطنية التي تتطلع إليها كل الأجيال اللاحقة وسوف تحفر في أذهان الزوار بمختلف مستوياتهم صورا يرجعون بها إلى أوطانهم لينقلوها بدورهم إلى أجيالهم اللاحقة وما لذلك من دور في تحديد طبيعة علاقتنا المستقبلية بمحيطنا والذهنية التي سوف يعاملنا بها من احترام وغيره وندية و غيرها ,ومن تبادل للمصالح والمنافع إذ أن مكانة أي أمة في عالم سيطرة المعلومة لا تحددها إمكاناتها المادية والطبيعية بقدر ما تتحدد من الصورة التي تنطبع عنها في أذهان الشعوب والأمم الأخرى , فلا بد من المحافظة أمام الزوار العرب على الصورة النمطية للشنقيطي الوقور العالم المتدين المضياف الصبور الشهم ..,وإضافة صور أخرى للموريتاني المنضبط المتمدن الذي يحترم الآخرين ويحب الأمن والسلام والتنمية في انسجام بين جميع مكوناته الثقافية والاجتماعية والعرقية والسياسية باعتبار ذلك كله ناظما لقوة ووحدة الدولة الموريتانية .
ولن يتأتى ذلك إلا بإحساس السياسيين والإعلاميين ومختلف أصحاب القرار والطموح داخل مجتمعنا بأن المحافظة على الانسجام أمام الآخرين لا تعني استحسان الدكتاتورية ولا ترمز لتكميم الأفواه بقدر ما تعني المسؤولية التاريخية في حسن إدارة المراحل والأحداث , فليس الذي يصرح أثناء القمة بأنه مع هاذ الطرح أو ذاك "سياسيا" محنكا بالضرورة لأنه أثبت للزوار أنه ضد إرادة الدولة والمجتمع , فهم يعرفون درجة الحرية التي ننعم بها ,وليس الإعلامي الذي يكشف مساوئ بلده للآخرين من سدنة وأرباب الكلِم وجهابذة ورموز حرية التعبير بقدر ما هو ممتهن للخيانة و مسيء إلى المهنة والذوق العام , إذ لا فتوة بالخيانة , ومهما كانت أطماع الفرد وطموحاته فإن حريته تتوقف عند المساس بحرية ومصالح الآخرين والشعب الموريتاني لن ينسى من يتطاول على كرامته ومصلحته مهما كانت دوافعه , والكل معني بتحسين صورة بلده إذ منة في ذلك فالوطن لنا جميعا.