يرى أكاديميون وصحافيون تونسيون أن الإعلام التقليدي، وخاصة الصحافة الورقية، يجب أن تجد هوية أخرى لها، وعليها تحاول ان تتبع التخصص باعتبار انها لم تعد قادرة على منافسة الاعلام الالكتروني الذي يتميز بالسرعة في إيصال المعلومة، إضافة إلى إمكانية التفاعل مع ما يقدمه هذا الإعلام الإلكتروني والتعليق وابداء الرأي، مما يجعل القارئ عنصرًا من عناصر العملية الاتصالية خلافًا لجمهور الصحافة الورقية، الذي يتلقى فحسب.
ولكن في المقابل، ورغم سطوة الاعلام الالكتروني في السنوات الاخيرة ومزاحمته الصحافة الورقية، الا انه يرزح تحت وطأة مشهد فوضوي بسبب غياب تشريعات خاصة به في اغلب البلدان العربية، ومن بينها تونس، التي لا تتعامل مع الاعلام الالكتروني كأحد المحامل الاعلامية الاحترافية من جهة، ومن جهة أخرى تزايد عدد هذه المواقع وظهر عديد المواقع المبتدئة التي تساهم في نشر الاشاعات، ولكنها تبقى رغم ذلك وجهة الباحثين عن المواد الاخبارية.
يُزيح الورقي .. ولكن
نزار مقني، صحافي عمل في النسخة الورقية لصحيفة "الصباح" التونسية، واليوم انتقل للعمل في الحامل الالكتروني للصحيفة، اعتبر في تصريح لـ"إيلاف" أن الاعلام الالكتروني احتل مكانة الصحافة الورقية نظرًا لتطور وسائل الاتصال خاصة على المستوى الاخباري البحت، الذي فقدت الصحافة الورقية بصفة تامة مكانتها فيه.
ويرى الصحافي التونسي أن الإعلام الإلكتروني يحتل موقعًا مميزًا في ثورة التواصل الاجتماعي التي اعتمدت على سرعة نقل الأخبار والمعلومات وتدفقها الذي يتزايد يومًا بعد يوم مع تطور وسائلها، وكذلك بفضل عامل أساسي وهو التفاعلية ورجع الصدى الحيني من طرف متلقي الاخبار، مما خلق ديناميكية كبيرة من الفعل ورد الفعل، ولكن رغم ازاحة الاعلام الالكتروني للصحافة الورقية خاصة على المستوى الاخباري الا أن الصحافي التونسي ذهب الى أن هذه الصحافة الورقية يمكن أن تجاري هذا الوضع عبر اعتماد صحافة التخصص والذهاب اكثر الى ما وراء الخبر.
سطوة الاعلام الالكتروني
رئيس تحرير موقع "حقائق اون لاين" محمد اليوسفي تحدث عن سطوة المواقع الالكترونية الاخبارية في تونس، واعتبر أن هذا التطور وليد متغيرات كمية، باعتبار أن الصحافة الالكترونية ترزح تحت وطأة مشهد فوضوي نوعًا ما، وسط غياب لتشريعات خاصة بالقطاع، وعدم توفر هيكل تعديلي تناط بعهدته مسؤولية السهر على مسألة مدى التقيد بأخلاقيات المهنة الصحافية من قبل المواقع الاخبارية، التي انتشرت وأصبح بعضها يمثل مصدر تشويه لبعض التجارب والمحاولات الجدية الرامية لتجذير مفهوم وثقافة الصحافة الالكترونية في بلد كانت فيه السلطات الرسمية زمن الاستبداد تقوم بحجب كل الوسائط الرقمية الناقدة والمتشبثة بقيم حرية التعبير والعمل الصحفي الموضوعي.
في المقابل، يذهب اليوسفي في افادته لـ"إيلاف" الى انه ورغم سطوة المواقع الاخبارية الالكترونية التي استفادت من الثورة الرقمية والتكنولوجية خاصة بعد أن أضحت وسائط التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية جزءًا من الاستعمالات اليومية للمهتمين بالشؤون العامة والخاصة الا انه لا يمكن الحديث عن رسوخ مطلق لإعلام إلكتروني يحل محل الصحافة المكتوبة الورقية، باعتبار انه لكل محمل جمهوره.
واردف اليوسفي: "لا مشاحة في القول بأن الصحافة الورقية رغم أنها فقدت شيئًا من بريقها فهي قادرة على الحفاظ على موطئ قدم في الخارطة الاعلامية سواء أكانت دولية أو اقليمية أو حتى محلية، شرط التمسك بناصية التجديد بمقاربات غير كلاسيكية لملائمة المضامين الصحفية مع حاجات وانتظارات المتلقي، فزمن الاخبار الصرف قد انتهى باعتبار أن المعلومة الحينية تغزو ارجاء العالم الذي تحول إلى قرية في لحظات".
لا يمكنها المنافسة
الاستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار في تونس محمد علي الخلفاوي، اعتبر أن الصحافة الورقية لم يعد لها أي مجال لمنافسة الصحافة الالكترونية على عديد المستويات، فمن حيث تكلفة المنتوج الاعلامي فالصحافة الورقية مكلفة مقارنة بالمنتوج الصحفي الالكتروني، كما أن المعلنين اصبحوا يتوجهون لإيجاد محامل اشهارية أخرى من بينها المواقع الالكترونية بسبب تراجع جمهور الصحافة الورقية من حيث العدد، وهذا ساهم في دخول معظم الجرائد الورقية في ازمات مالية متعاقبة تهدد وجودها.
ووفق الاكاديمي التونسي، فمن الممكن اعتبار ميزة الاعلام الإلكتروني هي السرعة في إيصال المعلومة للجمهور، على خلاف الإعلام الكلاسيكي وخاصة الصحافة الورقية، كما أن التفاعلية وفتح امكانية للمتلقين للتعبير عن آرائهم في المواد ابرزت نقطة ضعف الصحافة الورقية المتمثلة في العلاقة العموديّة مع الجمهور، خلافًا للاعلام الالكتروني الذي يفسح المجال لبناء علاقة تفاعلية بين الموقع المنتج للمواد الاعلامية والجمهور.