فضل الرئيس الموريتاني، في خضم محاولته لتحقيق التوازن المستحيل بين الجزائر والمغرب، الطرف الجزائري، لكن المؤشرات الواضحة اليوم تنبئ بتغييرات غير مناسبة لمستقبل هذا التحالف.
وجه الطرفان المتنازعان على الصحراء الغربية، المغرب والجزائر، الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، عند توليه رئاسة موريتانيا، نحو اختيار حليف من بينهما، وكان للرئيس الأسباب الكافية للاصطفاف إلى جانب المغرب في مقابل تخليه التدريجي عن علاقته بالجزائر.
ولد الرئيس الموريتاني في السنغال وكان أبوه مغربيًا، وتزوج من مغربية تنتمي إلى عائلة مرموقة في المملكة وتلقى منها الدعم الكافي لإدارة دولته، بالإضافة إلى ذلك، وقفت السلطات المغربية مع الرئيس الموريتاني في صباح يوم انقلابه على الرئيس السابق، محمد ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس منتخب بصفة ديمقراطية في موريتانيا، ودعت إلى عدم إدانة الانقلاب الذي حصل في الدولة.
في هذا السياق أيضًا، أرسلت السلطات المغربية، على أثر الانقلاب، وفدًا رفيع المستوى يضم المستشار الخاص للملك ومدير مناهضة التجسس، محمد ياسين منصور، وكل هذا الدعم يجعل الصورة واضحة: الرئيس الموريتاني الذي يبحث عن سبل لتحسين صورته ومكانته في دولته استطاع الاعتماد على حليفه المغربي في تحقيق ذلك.
على إثر الانقلاب العسكري، يجد الرئيس الموريتاني نفسه أمام التوجه إلى الجزائر لدعمه في مواجهته للاتحاد الأفريقي الذي أصدر في حق دولته عقوبات نتيجة استحواذه على السلطة بالقوة وبطرق منبوذة، وتوجه الرئيس الموريتاني للجزائر نظرًا إلى المكانة التي تحتلها في هذه المنظمة التي لا تضم المغرب، وكانت النتيجة أن توطدت العلاقات كثيرًا بين الجزائر وموريتانيا بصفة سرية، وساهم هذا الدعم الذي أهدته السلطات الجزائرية إلى الرئيس الموريتاني في وصوله إلى رئاسة الاتحاد الأفريقي في يناير 2014.
سعت الجزائر وخططت إلى وضع حد للنفوذ المغربي في أفريقيا وبدأت بضم موريتانيا إلى لجنة الأركان العملية المسؤولة على تعزيز علاقات التعاون العسكري والأمني بين الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا، فيما لقيت المغرب في هذه الخطوة تحديًا مباشرًا لها ولم تقبله من حليفتها موريتانيا ورفض الملك محمد الخامس على إثرها حضور حفل تنصيب الرئيس الموريتاني بعد إعادة انتخابه في سنة 2014.
أخذ مركز القيادة
أشار مبعوث الأمم المتحدة للصحراء الغربية، كريستوفر روس، في تقريره الأخير حول مستجدات ملف الصحراء الغربية الذي أودعه إلى مجلس الأمن، في نوفمبر/كانون الأول 2015، أن الرئيس الموريتاني قد أعرب عن قلقه من العواقب السلبية التي قد تلحق بالمملكة الشريفة من جراء التجارة الغير قانونية للقنب الهندي.
تسببت هذه الكارثة الدبلوماسية في الكثير من التوترات الغير متوقعة، وساهمت تصريحات الرئيس الموريتاني في إشعال غضب السلطات المغربية وصلت إلى اتهام المسؤول على التجسس في مقر السفارة الجزائرية في نواكشوط بإعلام الصحافيين، وتم على إثر ذلك إقالة وسحب الدبلوماسي الجزائري من موريتانيا، وكرد فعل على هذا القرار، قامت السلطات الجزائرية بإقالة دبلوماسي في السفارة الموريتانية بعد مرور يومين على القرار.
التحالف الجزائري الموريتاني مازال قائمًا ولكن تحيطه المخاطر من كل الجوانب التي تجعل العلاقات حساسةً جدًا وتتطلب الحذر، خاصة وأن الرئيس الموريتاني ارتكب العديد من الأخطاء في حق الطرف الجزائري، فلا ننسى أن للجزائر الفضل في تمتع الرئيس الموريتاني بمنصب رئيس الإتحاد الإفريقي، لكنه تحفظ على ملف الصحراء الغربية لتفادي المواجهة مع السلطات المغربية.
في المقابل، لم ترحب الجزائر بفكرة انضمام موريتانيا إلى آلية التعاون الأمني “مجموعة دول الساحل الخمس”، التشكيلة التي من شأنها الاهتمام بمصالح فرنسا في منطقة جنوب الصحراء الكبرى والتي تتألف من الحلفاء الأفارقة لفرنسا: مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا.
وفي الأخير فإن الرئيس الموريتاني، تمكن من تحقيق النجاح في المحافظة على تعامله الدبلوماسي مع كل من الجزائر ومن المغرب، في مقابل علاقة باردة مع هذين البلدين.
موند افريك