عبد الباري عطوان/ هل الوضع في سورية خرج عن السيطرة فعلا؟

ثلاثاء, 05/10/2016 - 19:33

هل الوضع في سورية خرج عن السيطرة فعلا؟ وهل اتفاق الهدنة في حلب سيمدد ام ستعود الصدامات الدموية؟ وما هو تفسير ارتفاع اعداد القتلى في صفوف “المستشارين” الايرانيين وزيارة ولايتي لدمشق و”هجمته” الاعلامية في لبنان؟

 

 
ابلغ توصيف للوضع الحالي في سورية هو ما ورد قبل يومين على لسان جون كيري، وزير الخارجية الامريكي وقال فيه “ان الوضع في سورية بات خارجا عن السيطرة”، وزاد ستيفان دي ميستورا، المبعوث الاممي الطين بله عندما قال ان “المعجزة تبدو هشة”، في اشارة منه الى هدنة الايام الثلاثة التي جرى التوصل اليها بين امريكا وروسيا، بعد المجازر التي وقعت في مدينة حلب من جراء تصاعد المواجهات، والقصف الصاروخي والغارات الجوية.

الهدنة التي امتدت في حلب، وبعد ادانات دولية لسقوط اعداد كبيرة من القتلى المدنيين، تنتهي رسميا غدا “الاثنين”، وما زال من غير المعروف ما اذا كانت ستمدد لبضعة ايام اخرى، ام ان الجبهات ستشتعل مجددا مرة اخرى في المستقبل المنظور على الاقل؟

 

***

 

المشهد السوري حافل دائما بالمتغيرات والمفاجآت، وجديده الذي يمكن استخلاصه من بين الركام في حلب وجوارها، ورصد التحركات الاقليمية والدولية في اربع نقاط رئيسية:

اولا: ان الرئيس الامريكي باراك اوباما لم يعد يصر على رحيل الرئيس السوري بشار الاسد قبل المرحلة الانتقالية او اثنائها، رغم التصعيد في هذا الجانب من قبل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بعد لقائه مع كيري في جنيف الاسبوع الماضي، ومن الواضح ان الرئيس اوباما وادارته اكثر انشغالا بفوز دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري من اي ازمة خارجية اخرى.

الثانية: شن ايران هجمة دبلوماسية تمثلت في الزيارة التي قام بها السيد علي ولايتي مستشار السيد علي خامنئي المرشد الاعلى الى سورية ولبنان، وظهوره في اكثر من وسيلة اعلامية مكتوبة ومرئية في لبنان، ولقائه مع الرئيس الاسد في دمشق، واعلانه انه خط احمر بالنسبة لايران، ولن تسمح بالمس به.

الثالثة: ارتفاع عدد القتلى في اوساط “المستشارين” العسكريين الايرانيين، وسقوط 13 منهم في يوم واحد، اثناء معارك دارت بينهم وقوات موالية من حزب الله والجيش السوري من جهة، وبين “جيش الفتح” الذي يمثل عدة حركات مقاتلة، مثل “جبهة النصرة” و”احرار الشام” و”الجيش الاسلامي”، ونجاح هذا الجيش في الاستيلاء على بلدة خان طومان، مما يؤكد وصول امدادت عسكرية لهذا الجيش من داعميه في السعودية وتركيا وقطر، ومن الواضح ان زيادة ايران لعدد “مستشاريها” في سورية مؤشر على القائها بكل ثقلها خلف الحكومة السورية.

الرابعة: انفجار ازمة سياسية داخل حزب العدالة والتنمية، واستقالة السيد احمد داوود اوغلو رئيس الحزب والوزراء، والدعوة الى انتخابات بعد اسبوعين لاختيار بديل لقيادة الحزب والوزارة في المرحلة المقبلة، الامر الذي يعني ان الرئيس رجب طيب اردوغان كرس جميع السلطات التنفيذية والتشريعية في يده، ودون اي منازع، ولكن هذه الازمة وتداعياتها ستحرف الاهتمام التركي ولو جزئيا، عن الازمة السورية، وربما تدفعه، وقد بات الحاكم المطلق، اما الى السلام او التصعيد العسكري في سورية.

هذه التطورات، منفردة او مجتمعة، تخفف في معظمها الضغوط السياسية والعسكرية عن الرئيس الاسد، ان لم تكن تخدمه ايضا، اذا وضعنا في اعتبارنا ان الجبهات الاخرى التي يتورط فيها معارضيه من العرب، تشهد حالة من الفشل ايضا، ونحن نتحدث هنا عن المفاوضات اليمنية (حضرموت) والعراق، والتدخل الامريكي عسكريا في جنوب اليمن والعراق للتصدي لتنظيمي “القاعدة” و”الدولة الاسلامية”، وحماية سفارتيهما في البلدين، وهذا موضوع يحتاج الى شرح طويل ليس هنا مكانه.

 

 

***

 

ما هي الخطوة المقبلة للدولتين العظميين في سورية؟ لا احد يملك اجابة حاسمة، فمفاوضات جنيف التي كان من المقرر لها ان تستؤنف هذا الاسبوع، لا يلوح اي مؤشر في الافق حول امكان انعقادها في موعدها بسبب مقاطعة معارضة الرياض لها، وفرض شروطها المسبقة السابقة، وابرزها بحث مستقبل الرئيس الاسد، الامر الذي يصب في مصلحة ترجيح الحل العسكري، تحت غطاء محاربة التنظيمات “الجهادية” المتشددة مثل “النصرة” و”الدولة الاسلامية” التي جرى استثناؤهما من التفاهمات الامريكية الروسية حول “وقف الاعتداءات”، او وقف اطلاق النار عمليا، وتحقيق هذه التنظيمات تقدما مفاجئا في ريف حلب واستعادة مدينة “خان طومان” خاصة استغلال للهدنة، لاول مرة منذ اسابيع شهدت تقدما للجيش السوري وحلفائه، ربما تدفع في هذا الاتجاه.

الاسبوع المقبل في سورية، الذي يبدأ غدا الاثنين حسب التقويم الغربي، ربما يكون حاسما، حيث سيسعى كل طرف لكسر حالة الجمود الحالية، سياسيا او عسكريا، او الاثنين معا.

حلب محطة مفصلية في الصراع على سورية، كانت وستظل كذلك، فهي التي ستحدد مستقبل هذا البلد، وهويتها وجغرافيتها الجديدة، وحالة الهدوء التي تعيشها ربما تكون مؤقتة، ولالتقاط الانفاس، وامتصاص حالة غضب، ومن غير المستبعد ان تشتعل جبهاتها مجدد، وكان الله في عون اهلها المنكوبين.