ثنائية الثقافة و التنمية.. هل تمتلك النخب وسائل المعالجة؟

خميس, 04/21/2016 - 19:53
الولي ولد سيدي هيبه

احتضن المركز المغري بنواكشوط يوم الأربعاء 20 ابريل 2016 محاضرة قيمة تحت عنوان "المدخل الثقافي إلى التنمية" أنعشها الدكتور و الأستاذ الجامعي حماه الله ولد مايابا. و لأن كان الأستاذ على مستوى عال من التمكن و أحاط بجدارة كل جوانب الموضوع تأصيلا و سبرا و شرحا و استنتاجا و استخلاصا، فقد أثرى الموضوع بالمداخلات النافذة لفيف من الدكاترة و الأدباء و الإعلاميين و الطلاب الجامعيين و من الثانويات بتعقيباتهم التي أفاضت في جوانب منه و أسفرت عن تساؤلات أيقظت مضامين و جوانب من الموضوع لم تطرق من ضيق في الوقت، فإن الموضوع لأهمية طرقه القصوى في هذه البلاد أخرج المارد من قمقمه في صحراء ثقافتنا القاحلة التي يمرح فيها و يسرح شياطين الخرافة و "البيات المعرفي" و الإدعائية المفرطة على خلفية غياب العطاء المتنور؛ شياطين لا تدركها رُجوم العصرنة و لا تصفدها مدارك علومها التي تحررت حول البلاد من ربقة الماضي و ضلالات الغرور الساذج.   

صحيح أن إشكال ثنائية الثقافة و التنمية هو إشكال قديم نسبيا و لكنه حديث تتجاوزه رويدا رويدا مستجدات العولمة و ضروبها التي تلاحق المفاهيم أيا كانت، حديثة و قديمة على حد سواء في مطاردة المصلح المتحلل من عقد الأنا البحثية و الاستنتاجية و الاعتراف بأن لا ثوابت مطلقة و لكن حلولا مؤقتة ترضي المرحلة. و لكنه إشكال يظل يطرح نفسه مع ذلك على بلدان "مُؤخرة الركب" و منها موريتانيا، لا لأنها ليست دولا بالمفهوم الأول basic أي "كِيانٌ" له:

·        مساحة،

·        و تعريف،

·        و عاصمة،

·        و سكان،

و إنما لبعدها:

·        عن مقومات بناء و ترسيخ هذا الكيان،

·        و إسهامه في المنظومة العالمية التي هو على ضعفه جزء منها،

·        و قلة نضج أهلها و ضعف قدرتهم على التمييز و الأداء و العطاء.

 

و هو الإشكال على بساطة تحديد ملامحه إلا أنه مرتبط كل الارتباط بواقع أي بلد و مُحدد أول في المعالجة الواعية للمستوى الذي يصل إليه سكانه من خلال تعاملهم مع المعطى الثقافي:

 

·        أصيله بكل جوانبه الروحية و التاريخية و الفلكلورية،

·        و جديده بشتى أوجه تحولاته العلمية و الثقافية و التنموية و من خلال قدرته أيضا على الالتحام بالمحيط و الزمن.

 

فهل تعي نخبنا العربيىة و الفرنكوفونية التي يختلط عليها في استثناء يكاد يكون الوحيد في شبه منطقتها على الأقل شأن الثقافة مفهوما و اصطلاحا و مستوى أمتها الحضاري المحتضن ثقافتها بكل لون طيفها و

ميزاتها و مدى تفتحها و درجة ذكائها و عطائها و تأثيرها، علما بأن كل الثقافات تتفاوت في ذلك دون أن يكون في هذا التفاوت مساس بإنسانية الجميع و تميزه السامي عن بقية الكائنات، فالأنكلوـ ساكسون Anglo-Saxon ، بحسب كل البحوث و الدراسات العالمية التي تقوم بها و تنشرها شبكات مراكز كشبكة "غود نت" حول الذكاء و غيره من الصفات، أكثر تركيزا من اللاتينيين، فالفرنسيون على قوتهم و ألمعيتهم لم يردوا يوما صاعا من هزائمهم للإنكليز في كل المعارك التي خاضوها و حتى معركة "واترلوWaterloo " في بلجيكا يوم 18 يونيو 1815 التي هزم و أسر فيها ناوليون Napoléon ليتم نفيه إلى جزيرة "هيلين Hélene" مكثا حتى وفاته.و تصنف في ذات الدراسات سكان بعض الدول الآسيوية كاليابان و كوريا و الصين في مراتب متقدمة و معدلات ذكاء عالية  رغم تواضعهم  الذي يعبرون عنه بالانحناء و حضاراتهم اللامعة التي سامهت في تقدم الإنسانية على كافة الأصعدة. و احتلت تونس المرتبة 24 عالميا و الرابعة عربيا من حيث نسبة الذكاء بـ83 درجة في ترتيب دول العالم لمعدلات الذكاء و ذلك باستخدام المقياس العلمي الشهير الآي كيو »، و هو ما يعرف بمتوسط نسبة الذكاء IQ »، و التي تشير إلى إختصارIntelligence Quotient، و احتلت العراق » المرتبة الاولى عربيا بـ87 درجة و جاءت الكويت » في المركز الثاني عربياً بـ 86 درجة، ثم اليمن » 85 درجة، و تقاربت الإمارات » و الأردن » و السعودية » و المغرب » في الترتيب، و هو 23- و24 عالمياً، و الرابع عربياً بمتوسط ذكاء 84 درجة بعد العراق والكويت واليمن، فيما حصدت الجزائر و البحرين وليبيا وعمان وسوريا المرتبة الخامسة عربياً بنفس الدرجة وهي 83، مما جعل الدول المشار إليها تقع في المركز الـ 25 عالمياً، و أما مصر و لبنان فعلى الرغم من الشهرة التي تتمتعان بها و مستوياتها الثقافية و الفنية العالية، و حراكهما السياسي و الاجتماعي الأكثر من غيرهما من الدول العربية فقد حصلت لبنان على 82 درجة، و مصر81  درجة فيما حصلت قطر على 78 درجة و السودان على 71 درجة: و لم يكن لموريتانيا ذكر في ذلك.

فما عسى يكون السب في ذلك الغياب إن لم يكن لغياب سافر عن ساحة الإبداع و التميز و رفض للخروج من جلباب الماضي و التشبث بقديم المعارف، ليس لأنها مجد تليد و تراث قيم يجب الحفاظ عليه و الاعتزاز به، و لكن باعتباره حقلا يشكل أداة تستجيب و تحقق مكانة في خضم الزاحم العلمي و المعرفي و التنموي الذي رفع بلدانا إلى أعلى و حقق لشعوبها التوازن و الرفاهية و السؤدد و رغد العيش.       

 

و العجيب الغريب أن نخبتي البلد "العربية" و "الفركفونية" و هما ترمقان بعضهما بالريبة و التوجس خيفة، لا تعير أي منهما "ثنائية الثقافة و التنمية" أي اهتمام علما بأن مربط فرس إخفاقهما في الأدوار المنوط بهما لعبها هو انغماس الأولى ترفا و جمودها في جلباب الماضي و عدم القدرة على استثماره للحاضر المحتضر، و الثانية في عدم قدرتها على تجاوز القشور إلى اللب و استثماره لتحريك الجامد من الأصالة و التميز و بعثه إلى حياة الحاضر و الاشتراك في بناء المستقبل.  

 

فهل يحدث تحول مفاجئ تلتحم فيه النخبتان عن وعي و إدراك و تأخذان معا في الحسبان ضرورة  تجاوز الخلافات البيزنطية الضيقة لوضع أسس معالجة هذا الإشكال و وضع العلامات البارزة الأولى لأول طريق السير الصحيح؟

 

أم أنها نخب بالمفهوم الاصطلاحيٍ لا الدينامي التي ترتضي لنفسها صراعا عقيما تجاوزته سمات العصر الجديد الذي لم يعد يكترث من حولها بلغة لا تنطلق من أبجديات التطور المتسارع و لا تشدو بالهموم لحظتها و بحلولها من داخلها؟