ما إن تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي أخبارا تفيد بحصول أفراد على قطع ذهب بمنطقة تازيازت شمال العاصمة نواكشوط، حتى خطف بريق الحلم بالحصول على المعدن النفيس أبصار العشرات، فحملوا أمتعتهم صوب هضبة "الدواس" علهم يظفرون بشيء يحوّل حلمهم إلى حقيقة.
يدس محمد يده في جيب "دراعته" المثقلة بغبار إينشيري، يخرج قطعة قماش ويفتحها ليعرض شذرات ذهب استخرجها في رحلة تنقيب استمرت حوالي أسبوع في منطقة تازيازت شمال نواكشوط، كانت حصيلتها قرابة أربعين غراما من الذهب.
حين كان محمد -الذي رفض التصوير أو كشف اسمه الكامل- يتحدث للجزيرة نت أمام مباني شركة المحروقات، كان العشرات يتزاحمون على الشركة للحصول على تراخيص للبحث عن الذهب، ووسط هؤلاء لا حديث إلا عن المعدن الأصفر.
تتنوع الروايات والقصص بتعدد رواتها، تمتزج فيها المشاهدات بالمسموعات، ويرتفع فيها منسوب المُتخيَّل وربما المُتمنَّى، فيبقى قاسمها المشترك أن متاهات أرض إينشيري (ولاية غرب موريتانيا) باتت تبيض ذهبا.
ولا يكاد محمد يسترسل في حديثه معنا حتى يقاطعه آخرون، مقدمين مشاهداتهم أو مسموعاتهم عن أشخاص أصبحوا بين ليلة وضحاها من الأغنياء بعد أن كانوا معدمين، أو آخرين أنفقوا على رحلة الغنى فرجعوا بخفي حنين.
القصة بدأت قبل أكثر من أسبوعين، إثر تداول معلومات على شبكات التواصل الاجتماعي تفيد بحصول بعض الأفراد على قطع من الذهب في تلك المنطقة، فانتشر الخبر كالنار في الهشيم وأصبح العنوانَ الأبرز في الشارع الموريتاني.
حلم
خطف بريق الحلم بالذهب أبصار عشرات وربما مئات من الموريتانيين، فحملوا ما تيسر من زاد وأجهزة كشف خفيفة عن المعادن وتوجهوا صوب هضبة "الدواس" على بعد أكثر من مئتي كيلومتر شمال نواكشوط، تغريهم الأحاديث والأخبار القادمة من هناك.
حمى البحث عن الذهب واجهتها السلطات الحكومية في موريتانيا بمنع التنقيب، مطالبة المنقبين بتسجيل ما لديهم من المعدن، وتعهدت بمنح الموريتانيين الراغبين في ممارسة هذا النشاط تراخيص تسمح لهم بذلك.
لكن ذلك لم يمنع كثيرين من الاستمرار في المغامرة، إذ لا تزال مناطق الذهب تستقبل العشرات من هؤلاء رغم مرور أكثر من أسبوع على القرار والاحتياطات الأمنية المتخذة. ويحكي هؤلاء المرابطون على "ثغر" الذهب قصصا طريفة ومتنوعة عن المراوغات والمناوشات مع قوات الدرك المكلفة برقابة المنطقة.
ويؤكد عدد من المنقبين مساء الخميس -في اتصالات هاتفية بالجزيرة نت- أن العمليات مستمرة، ويقول أحدهم إن قوات الدرك تحاول تطبيق قرار المنع، وتشدد الرقابة على الحيز القريب من مكان تنقيب شركة "تازيازت موريتانيا"، لكن طبيعة المكان واتساع المساحات يجعل من الصعب السيطرة عليه وحمايته.
تسريب
ومع أنه لا توجد معلومات دقيقة عن حجم ما حصل عليه المنقبون الأفراد، فإن المسؤولين في شركة المحروقات والأملاك المعدنية أكدوا للجزيرة نت أنه "تم تسجيل كميات معتبرة من الذهب الخالص من عيار 24 من طرف أشخاص حصلوا عليها من خلال عمليات التنقيب الأخيرة"، وهي معلومات أكدها المدير العام للمعادن.
غير أن ما سجل لدى الشركة لا يعكس مستوى الكميات التي تم الحصول عليها حسبما يرى العارفون بما يجري على "ثغور" الذهب في تازيازت، الذين يؤكدون أن كميات أخرى أكبر تسربت داخل السوق المحلية وربما خارج البلاد.
رعشة الحمى انتقلت إلى سوق أجهزة التنقيب التي شهدت إقبالا كبيرا وتضاعفت أسعارها في ظرف وجيز، حيث انتقل سعر إحدى نوعياتها من أقل من ألف دولار إلى حوالي ألفي دولار، حسبما يقول محمد ولد عبد الله أحد مسيري فرع شركة "ديبار" في نواكشوط.
ويضيف ولد عبد الله -في حديث للجزيرة نت- أن "أسعار هذه الأجهزة تتفاوت بحسب نوعيتها، وكانت تتراوح بين ثلاثمئة ألف أوقية ومليون أوقية" (ما بين 857 دولارا و2857 دولارا)، بيد أنه أشار إلى أن إحدى نوعياتها تضاعفت رسومها الجمركية مما أدى إلى ارتفاع سعرها بنسبة 100%.
الجزيرة نت مع التصرف في العنوان