للمرة الثالثة أجدني مضطرا لاستخدام هذا العنوان الذي كنتُ قد استخدمته في مقالين سابقين، وكانت المرة الأولى في شهر سبتمبر من العام الماضي، وفي وقت كان فيه البلد ينزف بسبب الحمى، فإذا بالرئيس يطلب من وزرائه أن يتركوا مكاتبهم، وأن يخرجوا فرادى وجماعات إلى الناس ليحدثوهم عن النتائج الباهرة التي حققها حوار السابع من سبتمبر، وكان من بين هؤلاء الوزراء وزير الصحة.
لقد كان المنظر مثيرا للشفقة: بلد ينزف ووزراء خارج مكاتبهم يجمعون الناس ليشرحوا لهم نتائج حوار لم تكن له أي نتائج، ولن يذكره ذاكر بعد أيام قليلة من اختتامه.
أما المرة الثانية التي استخدمت فيها هذا العنوان فقد جاءت بعد أن كلف الرئيس بعض وزرائه بتبرير عدم تخفيض أسعار المحروقات، فأوقعهم بذلك في ورطة كبيرة، وجعل من مؤتمراتهم الصحفية مادة للسخرية والتندر، وكان منظر وزير الاقتصاد والمالية وهو يقارن بين فرنسا وموريتانيا، ومنظر الوزير الناطق باسم الحكومة وهو يقول بأن تخفيض أسعار المحروقات لا يستفيد منه إلا الأغنياء من أصحاب السيارات، كان منظر الوزيرين وهما يقدمان تبريراتهما المثيرة للسخرية من المناظر التي تثير الشفقة.
ثالثة الأثافي تمثلت في إرسال حفنة من الوزراء لإفشال مهرجانات المنتدى في الشرق الموريتاني، وهو ما فشلوا فيه تماما، كما فشلوا من قبل في مهامهم الوزارية الموكلة إليهم.
لقد كان منظر الوزراء وهم يلهثون خلف موكب المنتدى من المناظر التي تثير الشفقة، ففي العادة فإن فرقة من الدرك أو الحرس هي من تتولى مرافقة الوفود، ولكن في هذه المرة، فقد كان الوزراء هم من يتولى مرافقة موكب المنتدى، ولو دخل موكب المنتدى حجر ضب لسبقهم إليه الوفد الوزاري المرافق.
ترك الوزراء مكاتبهم، في وقت تتخبط فيه البلاد في أزمات، ثم خرجوا ليتتبعوا موكب المنتدى وليشوشوا على مهرجاناته، وقد فاتهم بأن السحر سينقلب على الساحر، وأن المنتدى لن يجد دعاية لمهرجاناته أفضل من تلك الدعاية التي قدمها له الوفد الوزاري المرافق.
لقد خرج موكب المنتدى ليقول لأهلنا في الحوضين ولعصابة بأن البلاد تتخبط في الأزمات، وبأن النسخة العزيزية من الديمقراطية هي نسخة شكلية، وبأن الحكومة منشغلة بسفاسف الأمور. هذا ما كان يريد وفد المنتدى أن يبينه لأهلنا في الولايات الشرقية، فإذا بحفنة من الوزراء تقوم بذلك وتؤكده، لا بالأقوال، بل وبالأفعال أيضا.
فحتى في الديمقراطيات الشكلية، فإنه قد يكون من المعيب والمشين أن ينظم حزب حاكم مهرجانا شعبيا متزامنا مع مهرجان شعبي لحزب معارض خلال حملة انتخابية. أما إذا كانت البلاد في غير حملة انتخابية فإن مثل ذلك التشويش ليعد من منكرات العمل السياسي.
ويزداد الأمر سوءا ووقاحة عندما تتولى الحكومة لا الحزب الحاكم مهمة التشويش، هنا نكون أمام واحدة من أشنع الكبائر في العمل السياسي. وهنا لم يعد المنتدى بحاجة لأن يقول لأهلنا في المدن الشرقية بأننا نعيش في ظل حكم عسكري بلبوس ديمقراطي.
فعن أي ديمقراطية يمكن أن نتحدث ووزير التوجيه الإسلامي يترك عمله ويذهب إلى مدينة النعمة صحبة فنان، لا لشيء، إلا لإقامة سهرة غنائية يلهي بها الناس عن مهرجان المنتدى؟
وعن أي ديمقراطية يمكن أن نتحدث، ونحن قد أصبحنا نعيش في ظل نسخة سيئة من نظام ولد الطايع، ولذلك فقد تشابهت الأمور واختلطت حتى على الوزراء أنفسهم، الشيء الذي جعل وزير الإسكان يشيد بإنجازات ولد الطايع في مهرجان حكومي تم تنظيمه في مدينة لعيون في مساء يوم 12 مارس 2016 للتشويش على مهرجان المعارضة.
وعن أي ديمقراطية يمكن أن نتحدث، ونحن ما زلنا نعيش في بلاد يحق فيها لوزير المياه والصرف الصحي أن يترك عاصمة ربما تكون هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد بها صرف صحي، وأن يتوجه إلى واحدة من أكبر المدن الموريتانية ومن أكثرها عطشا، لا لشيء إلا للتشويش على مهرجان للمنتدى من خلال توزيع قطع من اللحم في وقت متزامن مع مهرجان المنتدى.
لو كنا في بلد ديمقراطي لانشغل وزير المياه والصرف الصحي بوضع الخطط للحد من الخسائر في موسم الخريف القادم في عاصمة بلا صرف صحي، أو انشغل بالبحث عن أفضل وأسرع السبل لتوفير الماء في مدينة كيفة العطشى، وذلك بدلا من الانشغال بتوزيع مضغات من اللحم للتشويش على مهرجان للمنتدى.
ولو كنا في بلد ديمقراطي لما شاهدنا ضباطا يعبئون ويحشدون ويحضرون من بعد ذلك بزيهم الرسمي لمهرجانات حكومية أقيمت من أجل التشويش على مهرجانات للمعارضة.
إن الذين يدفعون بعناصر من الجيش إلى مثل هذه المهرجانات السخيفة هم الذين يسيئون إلى المؤسسة العسكرية، وهم الذين ينزلونها في منازل لا تليق بها، ويجعلونها بذلك عرضة لحديث الناس.
فبأي منطق يطلب من معارض أن لا ينتقد بعض الضباط عندما يراهم يعبئون ويحشدون لمهرجان لم يقم أصلا إلا من أجل التشويش على مهرجان للمعارضة؟
من فضلكم أبعدوا ـ على الأقل ـ المؤسسة العسكرية عن مثل هذه المهرجانات السخيفة، وعندما تفعلون ذلك، فإنكم بذلك ستبعدونها عن ألسن المعارضين.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل