بدأت القصة سنة 1905 عندما رأى الشهيد الشريف سيدي ولد مولاي الزين النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأمره بقتل كابولاني قائد الحملة الفرنسية في موريتانيا، فأثار رؤياه ونشرها وتطوع معه حوالي عشرين فتى كان من بينهم سيد أحمد ولد اعميره واحمود ولد اعليه ومحمد ولد الصفره وأحمد ولد اميلح والكوري ولد الشويخ وأحمد ولد هنون ومحمد ولد احويثي وسيد أحمد ولد اجيه وسيدي ولد بوبيط وولد لفرك وآخرون، فتوجهوا إلى قلعة كبولاني المحصنة في تجگجة واقتحموها وقتلوه، وبعد الحادثة قرر المستعمر ألا يستقر ولا يستثمر في هذا الإقليم لأنه مختلف عن الأقاليم الأخرى، ولأن أهله يتلقون الأوامر من قائدهم الذي توفي قبل ثلاثة عشر قرن.
غرس أبطال موريتانيا هناك جذور الدولة الموريتانية وجذور الاستقلال وسقوه بشجاعتهم وجهادهم وكفاحهم ونضالهم وبدمائهم الزكية، وكان ذلك الغرس استمرارا لغرس عظيم وامتدادا لآخر ومتزامنا معه ومتبوعا بغرس مستمر أسماء كثيرة بكار ولد اسويد أحمد وسيد أحمد ولد أحمد عيده وأحمد ولد الديد والولي ولد الشيخ ماء العينين وآخرون كثر خلدهم التاريخ وخلدهم الشعراء، تعطل مشروع الاستيطان، وبقي للفرنسيين مشروع الربط بين المستعمرات، وكانت موريتانيا في ظروف جفاف شديدة ليس لديها اتصال محيطها مستعمر وجناحاها الصحراء وأزواد مستعمرين وقرر المستعمر إدارة موريتانيا من السنغال من سينلوي حتى سنة 1945 عن طريق قوافل متنقلة بحماية أمراء القبائل دون أن يستثمروا فيها شيئا ودون أن يبنوا فيها مؤسسات تعليمية ولا صحية ولا أمنية، ودون أن يتركوا فيها بنية تحتية ولا طريقا وعمود إنارة كانت للاستعمار دورات قاسية على الموريتانيين وعلى أهل الشمال وآدرار بالخصوص كان يفرض على الأسر شاة للذبح وشاة تحلب كانت تسمى بالأذباح، وكانت الإبل تجلب الشعير من مالي ليتم طحنه وطبخه للعساكر كانت مراجله بسعة مئتي لتر ومغرفته "كريك" كان على كل أسرة أن تقدم حمارا وصائما يقوده لجلب الماء وكان على كل أسرة أن تقدم جذعين للبناء، كانت هناك عشور على المال والفرد وعلى النخيل، لكن أهل آدرار قوم شجعان يعرفون بالصلابة والقوة والصبر، ويعرفون زيادة على ذلك بالجود وكرم الضيافة والقناعة، فيمكن لأحدهم أن يموت دون أن يسأل كغالبية الموريتانيين في ذلك الزمن، ظل الموريتانيون يقاومون الاستعمار مقاومة عسكرية وثقافية ودينية حتى تسلمت المقاومة السياسية الراية، يصف أحمد ولد اعليه ذلك المشهد واضعا الاستعمار وراء ظهره في طلعته الرائعة التي يقول فيها:
هَاذَ مَنْ لَذْبَاحْ الْمَدْيُورْ *** واَلْبَلْ وَالْدَّوْرَاتْ وَالَعْشُورْ
وَالْدَيْن الْمَرْفُودْ وَلُمُورْ *** لَخْرَيْن الْمَا عَنْهَا لَوْدَه
وَگَلَّتْ هَوْن الْحَاجَه مَذْكُورْ *** گَبْلَه وَاتْبَرْتِ لَمْدُودَه
مَا يَحْزَمْ لَغْرَيْس اَرَاعِيه *** تُورَجْتُ مَاهِ مَشْدُودَه
طَلْحُ حَي اشْوَي اُو حَاسِيه *** حَي وَيَسْگُوه اهْل ابُّودَه
أتساءل دائما كيف تجاوز ولد اعليه كل ذلك إن طابع الغزل والنسيب وغرضهما بين في الطلعة، لكن هل كان يعني أيضا غرس الشهداء وغرس الآباء والأجداد، هل كان يريد القول كلا إن معي ربي سيهدين هل كان يقصد زرعا أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه اكتفى ولد اعليه بالقول ما يحزم لغريس اراعيه لا بد أن لغريس كان جميلا جدا وكان ذا مكانة كبيرة في قلب ولد اعليه كأنه يقول ها هو لغريس وها هو كل شيء ها هو الأمل وها هو الاستقلال.
محمد الأمين العادل