لا تخفى أهمية الرياضة وما لها من انعكاسات إيجابية على مختلف جوانب الحياة ؛ فهي التي تقوي البدن وتحسن من مظهر الجسم وتضفي جمالا عليه ، وتهذب النفس وتزرع الثقة فيها، وتكسر الروتين الممل وتطرد الاكتئاب ،وتنعش الذهن وتزيد من فاعلية المناعة ضد الأمراض الجسدية والاجتماعية المختلفة ،وتكسب الأخلاق، وتحول الفرد من الانعزالية إلى الاجتماعية .. وكما يقال : "العقل السليم في الجسم السليم" ، ولا يمكن الحصول على جسم سليم غالبا إلا بالرياضة .
ومما يمكن قوله : أن الرياضة طبيب نفسي بارع ؛ لما تمنحه من قدرة على الانضباط والتحكم بالضغوط النفسية والتوتر وما لها من مساعدة على النوم ومعالجة للأرق ، والتفكير السلبي والشرود الذهني وما تلعبه من دور فعال في إعادة الاتزان الداخلي للإنسان وما تمنحه من راحة نفسية تنعكس بالإيجاب على كافة جوانب حياته المختلفة .
ولقد ظلت الرياضة في بلادنا تختلف عن غالبية البلدان والمجتمعات من حيث الممارسة والمتابعة وترتيب الأولويات .. حيث ظل التركيز من الجهات الرسمية ومن الممارسين للرياضة على حد السواء على أصعب الأصناف الرياضية وتم إهمال مجالات كان بالإمكان أن يتم فيها تحقيق نتائج محمودة ، مع أن مجتمعنا يوصف بشكل كبير أنه مجتمع يتابع أخبار الرياضة أكثر منه ممارسا لها ، وقد ساهم في تنامي هذه الظاهرة كثيرا أن الذي يمارس الرياضة؛ ظل إلى عهد قريب يوصف بالصبيانية وقلة النضج ،هذا بالإضافة إلى أن المنشغل بالرياضة بعد سن الرشد غالبا ما يصطدم بمتطلبات العيش التي لا توفر مزاولة الرياضة في بلادنا -كرة القدم مثلا- الدخل الكافي لتغطيتها ، مما يفرض اللجوء إلى العمل المنافي والمشغل عن مزاولة الرياضة بشكل منتظم ،وبالتالي يضيع الحلم في مزاولة الهواية المربحة-عالميا-، ويترهل الجسم تبعا لذلك ..
ومع أن الرياضة في بلادنا حققت -من بوابة كرة القدم- نتائج جد معتبرة وتقدم ملحوظ ؛ كان انعكاسا إيجابيا للعناية التي أحيطت بها هذه اللعبة من طرف القيادة الوطنية ؛ تجلت في الدعم المعنوي والمادي الكبيرين، وبالرغم من ذلك فإن أغلب المتتبعين للشأن الرياضي عموما والكروي خصوصا ؛ ما زالوا يتطلعون إلى بذل جهد أكبر وتحقيق أهداف أكثر تقدما وإيجابية ..
إن لعبة كرة القدم التي تم التركيز الرسمي عليها وأحيطت بعناية واهتمام كبيرين من لدن المواطن البسيط ؛تعد لعبة صعبة ومعقدة وتحتاج إلى كثير من التخطيط والتنظيم والتنسيق وصرف الأموال وتجنيد الأنفس والعمل على المدى البعيد قبل التطلع إلى حصد النتائج الإيجابية وقطف الثمار ؛ مما يعني أن التركيز عليها دون غيرها ؛سواء بصرف الاهتمام إليها كليا أو بالإشراك الخجول لغيرها من الرياضات ؛ يحتاج إلى مراجعة وترتيب للأولويات وترصد بعد ذلك لعاجل الاستفادات .. فلو رصدت مثلا تلك الأموال والميزانيات التي رصدت لكرة القدم (اللعبة الجماعية المكلفة) في دعم وتطوير الأصناف الرياضية الأخرى ؛التي تعتمد على المجهود الفردي مثلا؛ لربما كانت هناك نتائج إيجابية أكثر وتعريف بالبلاد أسرع وتحقيق لمكاسب عالمية على نطاق أوسع ، ومعروف أن الإنسان الموريتاني بطبعه يتميز بمؤهلات فردية تجعله على مستوى التحدي وبإمكانه إحداث التفوق في مجالات عدة لو أن الفرصة أتيحت له فيها .. فلماذا لا نركز اهتمامنا الرسمي ومجهودنا الوطني على هذا النوع من الرياضات ؟ ، لماذا لايوجد اهتمام ملموس من طرف أوصياء الرياضة على *رمي الجلة* مثلا و *رمي الرمح* و *رمي المطرقة*و *رمي القرص* و *القفز بالزانة* و *الوثب الثلاثي* و *الوثب العالي* و *السباحة* و *الملاكمة* و *المبارزة* و *حمل الأثقال* و*المصارعة* و *الجمباز* و*التنس*و*رياضة العدو* بمختلف مسافاتها .. ؟! ، هناك اهتمام نسبي ببعض هذه الأصناف آنفة الذكر؛ لم يرق إلى مستوى التطلعات ؛ومع أن هناك إدارات لبعض هذه الرياضات لكن تأثيرها غير موجود على أرض الواقع ؛لعدة أسباب ؛أبرزها أن الذين يتولون تسييرها لا يتمتعون بالمعرفة الكافية لهذه الأصناف الرياضية ،ولم يمارسوها أصلا ؛ بل لم يمارسوا أي نوع من أنواع الرياضة غالبا..!
لقد سبق وأن بحثت كثيرا في الموضوع وحاولت جاهدا أن أحصل على بعض المعدات التي تمكن من مزاولة بعض هذه الرياضات ؛ك *الرمح* و*المطرقة*و *القرص* و*الجلة* ،واستعنت في سبيل ذلك بمقربين من الوسط الرياضي الرسمي لكن دون جدوى ؛ بل تأكد لي أن المشرفين على هذه الأصناف الرياضية لا يستجلبون معداتها غالبا ، ولا يهتمون بجديدها ولا يسعون إلى اكتسابها من طرف الأجيال ولا إلى زرعها بينهم كثقافة ..!
إلى متى يظل بعض المسؤولين غير مضطلعين بدورهم؟
لماذا لا تستجلب هذه المعدات الرياضية بالرغم من رصد الميزانيات والتبويب على تجهيز المنشآت؟
لماذا لا نقيم بطولات جهوية لهذه الأصناف الرياضية وعلى مستوى المقاطعات ؛ حتى نكون قاعدة رياضية قادرة على إنتاج ابطال عالميين في هذه المجالات؟
أنا على يقين أن هذه الرياضات وغيرها ستكون بديلا إيجابيا للفراغ السلبي الذي يجعل الشباب عرضة للانحراف والركون إلى الجريمة ؛ وستكون عنصرا فعالا في تنمية الأجيال، وسبيلا سلسا لإيصال الرسائل الوطنية وتمرير الأفكار الإيجابية ..