توازن الردع الذي حققه محور المقاومة وانعكاساته على المنطقة العربية

ثلاثاء, 08/27/2024 - 15:25

فى هذا النظام الدولي القائم لا وجود لمفهوم الأمن الجماعي. والدول المنتصرة بالحرب اصبحت ما بين عظمى وكبرى وحملت باقي دول العالم استحقاقات نصرها وسيطرت على إراداتها وأخذت تنهبها وتحيلها الى مستعمرات. وما لبث ان تشكلت ثنائية القطبية رحمة للضعفاء وقضاياهم حتى زالت بتفكك الاتحاد السوفيتي وبات العالم يحكم بشريعة نظام امبريالي استعماري فاشي على رأسه امبراطورية صهيو- امريكية.وكانت الدول العربية والاسلامية أبرز الضحايا – وتراجع توازن الرعب لتعذر استخدام النووي وحل محله توازن الردع بتقدم صناعة الصواريخ البالستية وأنظمتها على انواعها والمسيرات.

ونستطيع القول بأن الدولة التي لا تمتلك قوة الردع المرتبطة باستمرار تعزيزها وتحديثها ستكون فاقدة لقدراتها في الدفاع عن سيادتها وقرارها وعن سلطتها ومواردها وستضطر للإرتماء بحضن الامبريالية المتوحشة كعميلة أو كمستعمرة بالوكالة المحلية غير معلنة وعلى سبيل المثال هل كانت مصر ستعجز عن الدفاع عن حقوقها الحيوية أو عن سيادتها أو عن حل مشاكلها الداخلية أو أن ترضخ للكيان جارها العدو الوجودي ولأمريكا وبالتالي الرضوخ لأضعف دولة افريقية مرعية من الكيان تحدتها وسلبت مياهها. فالدولة التي لا تمتلك قوة الردع هي دولة يصنع الإبتزاز قراراتها وكذا معظم الدول العربية. والمفارقة المسببة أن لبنان كأضعف دولة عربية هي من الدول القليلة في العالم العصية على العدو الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي بفضل توازن الردع الذي يتمتع به حزب الله. والمثال الأكثر وضوحا أن سوريا رغم الهجمة العالمية عليها وانفاق عشرات المليارات لحشد الارهاب العالمي وإنهاك جيشها وسرقة مواردها وحصارها فلم يستطيعوا تحقيق هدفهم باسقاط نظامها لجعلها مستعمرة لهم بوكالة محلية. والسبب أنها جزء أساسي في محور المقاومة الذي صد هذا العدوان وأفشلهم.

وفي سياق متصل فعندما تقوم حرب بين دولتين تقوم الدول المتحاربة بعد انتهاء الحرب بدراسة وتقييم نتائج الحرب سواء انتصرت او انهزمت وتخلص الى عبر وقرارات استراتيجية. وكمثال وبغض النظر عن التفاصيل كانت نتائج الحرب العراقية الايرانية قد جعلت من ايران تصنف كدولة إقليمية يحسب لها الف حساب من حيث امكانياتها التسليحية. ونتساءل على سبيل تبيان عدم جدية بل وعبثية كل الحروب التي خاضها حكام العرب، ماذا استفادت الدول العربية من كل حروبها سوى الاستسلام وراء الأخر؟

وهذا يقودنا الى الضرورة القصوى بأن تكون فلسطين كدولة محتلة وشعب ومقاومة في قلب محور المقاومة. فتعامل المجتمع الدولي الرسمي السلبي الأجنبي والعربي والاسلامي مع غزة وحصارها وحماس المقاومة، وعدم وجود الطريقة الأمنة أو الممكنة لمساعدة غزة أو مقاومتها ولا القدرة على وقف حرب الإبادة، كل هذا يجب أن يكون درسا لنا نأخذ منه العبرة ونستنج الحل. ومن وجهة نظري فإن الحل واضح وهو أن تكون فلسطين واحدة بشعب موحد وجغرافيا واحدة أمام العالم كله. وهذا الهدف الى جانب وقف حرب الإبادة وخاصة في غياب تحرك الشعبين العربي والإسلامي هو مسؤولية الشعب الفلسطيني في الضفة والداخل بالإنتفاضة والعصيان المدني لإسقاط السلطة أو تغيير نهجها جذرياً وهذه الأنتفاضة كفيلة إن لم تسقط السلطة بأن تشكل ضغطاً أمريكيا وأوروبيا لوقف حرب الابادة حماية للسلطة وللإحتلال ذاته.

لو خونتُ شعوبنا وكفرتها تكفير المنافقين لتقاعسها عن نصرة الأقصى وصمتها على مذابح الإبادة الجماعية لشعب غزة بالنار والتجويع والتشريد في العراء لما لمت نفسي. ألا يسوى هذا من شعوبنا بالانتفاض على سياسات أنظمتها التي لا تكتفي بالتمنع عن اتخاذ أي اجراء حتى لو كان دبلوماسيا او سياسيا رمزياً يعبر عن رفضها لتلك المذابح، بل إنها تقدم كل عون للكيان في حربه هذه لتصبح شريكة فعلية للكيان في حربه الإبادية لشعب غزة.

هنا على شعوبنا العربية أن تدرك ولا تكابر بالمحسوس وأن تفكر بعقلانية وبضمير نقي وخالص لوجه الله والحقيقة وتعترف أن امتلاك محور المقاومة للقوة الرادعة وتحقيقه توازن الردع مع العدو هو الذي يقف حجر عثرة أمام الكيان وأمريكا في تنفيذ خططهم الجاهزة في الأدراج بمسميات مختلفة متداولة كصفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية والشرق الأوسط الجديد وسايكس بيكو الجديد بهدف اعادة رسم خارطة الوطن العربي الجغرافية والسياسية لاحكام السيطرة عليها وعدم تمكينها من النهوض وربما لقرون قادمة. فمع أن سياسة الكيان الصهيوني هي لعبة التفاوض والتعامل مع الدول العربية كلا على حدة وتحاربها ان استطاعت كلا على حدة. الا انها تنظر اليها نظرة واحدة وكعدو واحد وأطماع واحدة وجغرافيا واحدة ومصير واحد. ونواياها العدوانية واحدة اتجاه الدولة المطبعة وغير المطبعة. رغم انها تعلم بأن التطبيع مسألة شعوب وليس مسألة حكام يُملى عليهم. فما يجري في فلسطين ومع الفلسطينيين إن لم نستطيع وقفه كشعوب فسنعيش نفس التجربة دولة وراء أخرى.

والدور على الأردن قادم إن لم نشهد استدارة بماية وثمانين درجة في سياسة نظامنا الغارق لأذنيه في حضن الضباع من أصدقائه اوحلفائه المحتلين والقتلة والمتطلعين لافتراس الأردن كما فلسطين. وعلى شعبنا الأردني بمكونيه الرئيسيين أن يتذكر بأن السياسة الخارجية الأردنية ليست شأناً عاما وأنه معزول عنها وبأنه شعب واحد بمصير واحد، وأن يكون واعيا على الدوام على محاولات كيان الاحتلال التي تنشط هذه الفترة للدسيسة والوقيعة والفتنة بين المكونين الأردنيين اللذين يمثلان شعبا واحدا عبر التاريخ مستخدمين في هذا كل أشكال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لبث محتويات من حسابات وأسماء وهمية من المكونين يطعنون ويسيؤون لبعضهما بأقذر خطابات الكراهية والفتنة لتدمير وحدتنا الوطنية والقومية وتفتيت جبهتنا الداخلية وصولا للنيل من الاردن والسيطرة عليه علناً كوطن وشعب وككيان سياسي اردني عربي.

 وعلى جهاز المخابرات ووحدة الجرائم الالكترونية تحمل مسؤوليتهم في محاولات اختراق وحدة شعبنا الوطنية والمواطنية وجبهته الداخلية على حساب ما لا يصب في صالح الأردن والأردنيين وقضيتنا الفلسطينية الواحدة. وليدرك كل مدسوس أو جاهل أو واع أو مأجور أو متسلق وصولي ينجر أو ينخرط في لعبة فلسطيني أردني الصهيونية القاتلة بأنه منحط أخلاقياً وليس منا ولا على دين الاسلام ولا بعربي، والترابان الأردني والفلسطيني منه براء. كلنا على هذه الأرض أردنيين ولا قضية لنا تتقدم على مواجهة المشروع الصهيوني الاحتلالي المتكامل في فلسطين والأردن وما يجري في غزة قضية أردنية. ولا يحلم أي أردني أينما كان مسقط رأسه غرب النهر أو شرقه أن ينعم بغير ضنك العيش والذل والاستعباد وإنكار مواطنيته وتهجيره بالمحصلة ما لم نواجه المشروع الصهيوني ونفشله، ولن نتمكن من هذا إن لم نكن شعباً واحدا ونسقط مصطلح المكونيين الذي ألجأ اليه للتوضيح.

فؤاد البطاينة

كاتب عربي اردني