إذا كان القانون هو :"التعبير الأعلى عن إرادة الشعب ويجب أن يخضع له الجميع" فإن المؤسسات هي الأشكال القانونية للتنظيم العام والخاص للمرافق والمجالات المختلفة في الدولة،واحترام المؤسسات شرط أساسي في بناء دولة القانون ،ولا يخفي علي أحد أن قوة الدولة من قوة مؤسساتها العسكرية والمدنية والتربوية،ولئن كانت دول العالم الثالث بصفة عامة تعاني من ضعف شديد في المؤسسات المدنية وعدم احترام تام لها،فإن الكثير من تلك الدول باتت واعية بأهمية الحفاظ علي استقلالية عمل مؤسساتها التربوية،وفي بلادنا لايزال الوعي بالعمل المؤسسي يراوح مكانه ،وتُلقي التجاذبات السياسية بظلالها عليه ،ويمارس أصحاب النفوذ – من كل نوع - تأثيرهم ،لكن تلاعبا جديدا – ربما هو الأخطر- أصبح يهدد العمل المؤسسي التربوي بشكل خاص!
يبدو أن ظاهرة المستشارين في جميع وزارات الدولة جاءت استجابة لضغوطات سياسية من أجل توفير مناصب عليا لبعض الشخصيات الداعمة ،وقد نالت وزارة التهذيب الوطني حظا وافرا وفازت بنصيب كبير من هؤلاء المستشارين حتى استحقت بذلك أن تصنف في كتاب كينس للأرقام القياسية ..وأصبح المستشارون يشكلون عبئا ثقيلا علي وزارة التهذيب الوطني ولم تعد الصلاحيات المتاحة تسع عمل هذا الكم من الأشخاص،ولم يتسن لديوان الوزير الذي يتبعونه أن يوفر لهم عددا مناسبا من المكاتب ؛فأصبحوا محشورين بين غرق محدودة،ومتكدسين في الأروقة المؤدية لمكتب الوزير، مما جعلهم يشكلون دائرة مغلقة تُحيط بالوزير، وتحول دون تواصله مع المؤسسات والهيئات والأشخاص التابعين له ،وقد أدت هذه الوضعية إلي سيطرة المستشارين علي جميع التخصصات والصلاحيات بالوزارة ،وتدخلهم في عمل المؤسسات التربوية البعيدة عن مجالات اختصاصاتهم الأصلية وقدراتهم الأساسية .
كما أن المستشارين باتوا يشكلون خطرا علي العمل المؤسسي،وعلي الأداء التربوي للمؤسسات المعنية،ينصًبون أنفسهم بديلا عنها، ويقومون بأداء أدوارها دون فهم أو دراية لما يقومون به، وهو ما انعكس في قرارات ارتجالية مناقضة للمقررات التربوية، ومراسيم الإصلاح:كقرارهم الأخير باستحداث أقسام للإنكليزية والإسبانية دون الاستناد إلي مرجعية قانونية ،ومقررات أخري بتغيير بعض البرامج التعليمية ،وضوارب المواد،وتوقيتاتها ،وهو ما أدي إلي تبديد الكثير من أموال الوزارة التي رُصدت لدعم القطاع في سنة التعليم دون أن يتحقق من تلك النشاطات أي أثر علي العملية التربوية نتيجة عدم قابلية نتائجها للتطبيق,,.
إن المستشار في العرف الدولي هو شخص يستعين به الوزير في معالجة بعض الملفات ويقدم النصح والتوجيه في حدود يرسمها القانون،وهو يقوم بدور مُعين وداعم لمسيرة الوزارة ويعزز ويدعم عملها المؤسسي ،ولكن المستشارين في وزارة التهذيب الوطني مصدر إزعاج للعمل المؤسسي وهم في الوقت الحالي أشخاص مستفيدون يلتفون حول الوزير، ويمنعون الإدارات التربوية من القيام بمهامها نتيجة استئثارهم بثقة الوزير،وتهافتهم علي الاستحواذ علي ميزانيات التسيير، وتمويلات جميع الأنشطة التربوية ،والإدارية علي السواء .وقليل منهم يترفع عن أخذ فتات التعويضات المُخصصة للميدانيين والساعات الإضافية الموجهة في الأصل لصغار الموظفين والعمال ،ولا يكاد يأتي يوم إلا وتجدهم منغمسين في أعمال لاعلاقة لهم بها سوي أن الوزير أصبح يعتمد عليهم في كل صغيرة وكبيرة ،وماعاد يهتم بمؤسسة أو هيئة أو تخصص. ولم يبق لوزير التهذيب الوطني سوي أن يستدعيهم لحمل الطباشير ومزاولة التدريس كما استدعي الموظفين من الوزارات الأخرى ووفر لهم من خلال ذلك الاستدعاء فرصة للتفرغ لشؤونهم الخاصة والحصول علي مرتباتهم كاملة دون أن يعود أي واحد منهم إلي التدريس...المستشارون هم بالفعل معلمون سابقون وأساتذة مساعدون..ووو، لكنهم سياسيون متمرسون ورؤساء أحزاب موالية،وداعمون محليون في موريتانيا الأعماق ،ومؤهلات أخري لعل آخرها هو التدريس...