أبت كتائب القسّام إلا أن تقدم هدية السنة الميلادية الجديدة لإسرائيل، وعليه فقد قصفت كتائب القسام تل أبيب وضواحيها برشقة صاروخية خلال الساعات الأولى من 2024. ويبدو بحسب القسام بأنّ القصف تم عبر صواريخ من طراز “M90” ويأتي هذا القصف بعد 87 يوماً من العدوان على غزة، حيث لم تهدأ غارات الاحتلال ولم تتوقف المعارك البرية على الأرض. لم يكن هذا التطور المهم هو الوحيد على الجبهة الفلسطينية بل يجب قراءة الخطوات العسكرية الإسرائيلية المتلاحقة في الانسحاب من غزة بتأن وتمعن.
قامت إسرائيل بتسريح 5 ألوية من قواتها القتالية في غزة، حيث أشارت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، إلى أن الألوية المسرحة، هي اللواء 460 المدرع، المسؤول عن قاعدة تدريب سلاح المدرعات، واللواء 261 مدرسة الضباط، واللواء 828 مدرسة المشاة، وقادة الفرق، واللواء المدرع الاحتياطي الرابع عشر، واللواء 551 من المظليين الاحتياط. ولفتت إسرائيل إلى أن الألوية ستعود لممارسة نشاطها المعتاد بعد تسريح الجنود، في إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي.
ومن جانبها، نقلت حسابات فلسطينية، عن انسحابات ملحوظة لقوات الاحتلال، من عدة مناطق في محور شمال غرب غزة، مثل حي النصر والمقوسي ومنطقة مستشفى الرنتيسي وشمال مخيم الشاطئ، ومنطقة محيط الأمن العام.
يبدو بأنّ الإعلان عن الانسحابات المتكررة والتسريحات التي قامت بها إسرائيل تأتي في سياق تهيئة الجمهور الإسرائيلي إلى الإعلان عن الهزيمة ولو بشكل غير مباشر، فالجميع بات يفهم ويدرك جيداً بأنّ المعركة لم تحقق أي من أهدافها فالجيش الإسرائيلي لم ولن يستطع تدمير البنى التحتية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لإن رشقات الصواريخ تؤكد على أن تصنيع الأسلحة لا زال مستمراً وقدرة المقاومة على إطلاق الصواريخ لم يتم تدميرها. كما أن الجيش الإسرائيلي فشل في تهجير السكان المحليين الفلسطينيين من أرضهم ولم تنجح جميع عمليات الإرهاب التي نفذتها إسرائيل في تنفيذ هذا المخطط، كما أن الأوساط المدنية والسياسية والعسكرية الإسرائيلية باتت تدرك بأنّه لا إمكانية لتحرير المحتجزين عبر القوة ولا بد أن تمر هذه العملية عبر قنوات المقاومة الفلسطينية وتقديم التنازلات لها.
ولذلك وبناء على كل ما تقدم يبدأ الجيش الإسرائيلي ومحللو الاحتلال إلى الترويج إلى الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب وهي الانتقال من الكثافة الحربية العالية إلى كثافة أقل وتيرة. وهي تعني في المفهوم العسكري تشكيل حزام أمني والقيام بعمليات نوعية في داخل قطاع غزة. ولكن حقيقة هذا الانتقال هو أن إسرائيل باتت جادة في محاولات إيجاد مخرج دائم للهروب من غزة ولذلك فقد تعمد على هذه الخطة.
لم يكن الإسرائيليون وحيدون في الانسحابات والهزائم بل شاركتهم الولايات المتحدة في هذه الانسحابات. حيث أعلنت “ABC NEWS” نقلاً عن مسؤولين أميركيين، بأن حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد فورد”، ومجموعتها الحربية التي تتشكل من بوارج ومدمرات ومقاتلات حربية، ستغادر شرق البحر الأبيض المتوسط خلال أيام. وتأتي عملية الانسحاب هذه بفضل تكاتف فصائل المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين حيث تم بالفعل استهدافها عدة مرّات وتخشى الولايات المتحدة أن تقدم المقاومة على استهداف حاملة الطائرات الأمريكية وإغراقها ولذلك لم تقل الولايات المتحدة بانها ستعيد نشر هذه المدمرات في الشرق الأوسط بل أعلنت عودتها إلى ميناء نورفولك في ولاية فيرجينيا الأمريكية.
وأما في البحر الأحمر فقد دفعت الاستهدافات المباشرة للجيش اليمني الولايات المتحدة إلى سحب سفنها العسكرية من البحر الأحمر، حيث وصلت السفينتان الهجوميتان “يو إس إس باتان” و”يو إس إس كارتر هول” إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، قادمة من البحر الأحمر، للانضمام إلى السفينة “يو إس إس ميسا فيردي”. وتم إرسال السفن الثلاثة في يوليو الماضي، قادمة من ولاية كارولينا الشمالية، وكان على متنها 2200 جندي من مشاة البحرية، ويعتقد بأنّ السفن سوف تتجه من البحر الأحمر إلى الولايات المتحدة مرة أخرى.
على إثر قيام أنصار الله الحوثيين باحتجاز سفن إسرائيلية في البحر الأحمر واستهداف سفن أخرى أثناء مرورها في مضيق باب المندب، تبحث السلطات الإسرائيلية مؤخراً إرسال بعض السفن الحربية إلى البحر الأحمر لأول مرة بهدف وقف الحصار الخانق الذي فرضه اليمن على إسرائيل. وقد رحب الحوثيون بذلك ووصفوه بأنه يشكل الأساس لإزالة إسرائيل الكاملة من خريطة العالم.
في غضون ذلك، فإن دعم السلطات الإماراتية لإسرائيل جعلها وبتحريض من عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، تقترح على الجانب الإسرائيلي أنه في حال موافقة الجانب الإسرائيلي على الخطة، ولتقسيم اليمن وفصل الجنوب عن الشمال، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته شبه العسكرية على استعداد للتعامل مع تهديدات وهجمات الحوثيين ضد السفن الإسرائيلية، وهو ما أفشل مساعي السلطات السعودية لتشكيل المجلس الرئاسي الأعلى لليمن برئاسة رشاد العليمي وتشكيل يمن موحد، وهو في الواقع وسيلة ضغط أمريكية-إسرائيلية لدفع عملية التطبيع السعودي-الإسرائيلي إلى الأمام.
وتزامنا مع هذه الإجراءات، جاءت زيارة كوشنر إلى الجزيرة العربية لمحاولة اقناع الدول العربية بالانضمام إلى الإئتلاف البحري ضد اليمن والدفع بعملية التطبيع. ولكن جميع المخططات السابقة تصطدم بمقاومة يمنية مدركة لحجم المؤامرة ومصرة على تقويض أي مشاريع لتصفية القضية الفلسطينية ولذلك فكلما هدد الأمريكيون والإسرائيليون الجيش اليمني، قامت القوات البحرية اليمنية برفع وتيرة الاستهداف في البحر الأحمر لافشال هذه المخططات ولإسقاط مشروع يهدف إلى تثبيت السيطرة والوجود الإسرائيلي في جزيرة سقطرى في المحيط الهندي وجزيرة ميون في مضيق باب المندب وهذا سيؤدي كذلك إلى افشال مشروع تحييد قناة السويس وتفعيل قناة بن جورين بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وما كان من هذه المقاومة اليمنية إلا أنها دفعت إلى انهيار التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة حيث قامت كل من إسبانيا وإيطاليا والعديد من الدول الأخرى بالنأي بنفسها عن هذا الإئتلاف، وها هي السفن الأمريكية تنسحب كذلك من البحر الأحمر هاربة إلى الولايات المتحدة.
فاطمة عواد الجبوري
كاتبة وباحثة عراقية
@fatimaaljubour تويتر