ردا على المقال الأخير الذي كتبه مراسل الأخبار إلى مؤتمر البوليزاريو الأخير ، السيد أبو بكر ولد الإلمام ، أقدم جملة من الملاحظات أولها أنني لم أكن على معرفة مسبقة بالسيد أبو بكر ولد الإمام ولا أتذكر أنني التقيت به قط قبل صبيحة 13 دجمبر 2015 ، عندما جمعنا موكب السيارات المنطلق من انواكشوط باتجاه مخيم الداخلة بالأراضي الجزائرية الذي سيستضيف المؤتمر الرابع عشر لجبهة البوليزاريو ؛ وخلال الرحلة التي دامت تسعة أيام بين الذهاب والإياب والمقام في المخيم المذكور ، لم يكن بيننا أي تواصل .. فجل الوقت كنا نقضيه في السيارات ولم نكن في نفس السيارة ولم يكن هناك أي مجال للقائنا في المقيل الذي لم يجد متسعا من الوقت في أغلب أيام تلك الرحلة .. أما المبيت فكان يستعصي على الحديث والنقاش نظرا للتعب والإرهاق ؛ لهذا تعجبت كثيرا من استهدافه لي وتحامله علي وتقويلي ما لم أقل !! وبما أنه لا توجد بيننا حسابات شخصية – حسب علمي – إضافة إلى الفارق العمري بيننا ، فلم أجد مسوغا لفهم ما قام به إلا في إطار حملة استهداف واعية تقف خلفها جهات معينة ..
فهو لم يقصر في استهدافي كلما وجد إلى ذلك سبيلا ، ففي نقله لخطابي في المؤتمر ، زعم أنني قلت إن الحركة الوطنية الديمقراطية كانت تنسق وتتواصل مع البوليزاريو خلال حربها مع موريتانيا في السبعينات ! وهذا ما استنبط منه موقع تقدمي نت ما قاله بأنني اعترفت بالتجسس للبوليزاريو ، وإن كان قد اعتذر مشكورا ، عازيا تلك المعلومات المغلوطة لموقع الأخبار ..
ليس هذا فحسب ، بل إن السيد أبو بكر ذهب إلى حد اتهامي بإعادة كتابة الخطاب بعد القائه في المؤتمر !! وأنا في الحقيقة لا أعرف هدفه من هذا الاتهام ، خاصة أن الخطاب مسجل في تلفزة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ، وتمكن مقارنة نسخته المسجلة مع النص المكتوب ، أما حديثي في حفل الغداء الذي نظمه رئيس البرلماني الصحراوي ، فأتحدى السيد أبو بكر ولد الإمام أن يبرهن على أنني قلت في ذلك الحديث إن البظان مهددون في موريتانيا أو إن دولة البظان مهددة ... ما قلته سمعه الحاضرون وضمنته ردا مكتوبا نشرته بعض المواقع بما فيها موقع الأخبار ، ولا زلت حائرا في الأسباب التي دعته إلى تحريفه ! وأنا أرى أن الاستمرار في تكرار هذا الاتهام يعد نوعا من التعنت والدفاع عن باطل لا يستند إلى أي أساس ..
أبو بكر تحدث كذلك عن ما وصفه بسيل من التصريحات التي أدليت بها خلال الرحلة ويرى أنها غير ملائمة ومع ذلك لم يقدم من تلك التصريحات إلا ما قلته بشأن مدبري عملية 16 مارس 1981 ، وإنني كنت على علم بتحضير انقلاب 10 يوليو 1978 ؛ منذ نوفمبر 1977 ، وهنا لم يأت صاحبنا بجديد ، فالحركة الوطنية الديمقراطية أدانت عملية 16 مارس فور وقوعها واعتبرت مدبريها خونة وهذا الموقف لم يتغير حتى الآن .. أما كوني كنت على علم بإعداد انقلاب 1978 منذ نوفمبر 1977 ، فمن المعروف أن الحركة الوطنية الديمقراطية ، دعيت للمشاركة في ذلك الانقلاب حينئذ ، ورغم أنها رفضت المشاركة فيه ، لأن وسيلتها للوصول إلى السلطة ليست الانقلابات ، إلا أنها بقيت تتابع أخباره عن كثب من خلال بعض الأصدقاء المشاركين فيه ، وهي لم تشارك في الانقلاب ولم تتحالف مع نظام ولد هيدالة فيما بعد .. صحيح أنها ساندت بعض قراراته مثل توقيف الحرب وعقد اتفاقية الجزائر مع البوليزاريو وإلغاء الرق .
ولد الإمام قال أيضا إن أحمد باب ولد أحمد مسكه ضاق ذرعا بتصريحاتي ولفت انتباهي من أجل الحد منها وهذا أيضا مجرد تحامل وقذف بالباطل ، لأنه لم يحصل أبدا ..
ومن أقواله المتحاملة كذلك ما قاله عن الكادح الذي ازعجته تصريحاتي وهو يقصد الرفيق محمد فال ولد سيدي ميله ، والواقع أن محمد فال تدخل فقط حين قلت رأيي في مدبري حركة 16 مارس (كادير وأحمد سالم ولد سيدي) وأبدى مخالفته لرأيي وأنا أحترم رأيه ، أما وصفي لفرسان التغيير بأنهم أبطال فهذا أيضا محض افتراء ، فأنا لم أذكر فرسان التغيير ولم أقارنهم بأصحاب عملية 16 مارس .
وأخيرا فإن ولد الامام ، لم يكتف بالتحامل علي واستهدافي بل استهدف أيضا اتحاد قوى التقدم والحركة الوطنية الديمقراطية التي قال إنها شاركت في انقلاب 10 يوليو 1978 وتحالفت مع ولد هيدالة ، كما قال إن اتحاد قوى التقدم تحالف مع ولد الطائع !!
لقد ألفنا هذه الاتهامات منذ فترة طويلة لدى بعض الجهات السياسية ، فالمواقف الريادية التي تبنتها الحركة والحزب اتجاه القضايا الوطنية الكبيرة في موريتانيا والمكانة المتميزة التي انفردا بها ، كانت مثار غيرة وحسد من لدن تلك الجهات ، مما جعلهما يكونان هدفا لسهامها . ففي أيام حزب الشعب الموريتاني وعندما كانت الحركة الوطنية الديمقراطية ، تجابه ذلك النظام الاستعماري الجديد ، تعرضت للكثير من الهجمات وتمت شيطنتها ووصفها بالتطرف والإلحاد ومع ذلك فإن تجربتها ستبقى فريدة في هذه البلاد وفي المنطقة سواء ما يتعلق بتوحيد الشعب الموريتاني المتعدد الاعراق وقيادة كفاحه لانتزاع إصلاحات دفعت بالبلاد على طريق الاستقلال في شتى المجالات ، حيث تم تأميم الشركات الاستعمارية وسك عملة وطنية ومراجعة الاتفاقيات مع المستعمر وتطوير اللغات الوطنية ومناصرة القضايا العادلة . وفي هذا المجال يندرج دعمها للشعب الصحراوي ضد الاستعمار والاحتلال ، ورفضها للحرب الجائرة التي شنت ضده ، فهي ترى أن الحرب لم تكن كفاحا وطنيا لاسترداد جزء من موريتانيا كما ادعى النظام آنذاك ، وإنما كانت عدوانا على أراض أجنبية وشعب حارب الاستعمار الاسباني وطرده وهي لا تستهدف استرجاع الصحراء بل تسليمها لدولة أخرى ، الشيء الذي حصل فعلا .. ولذا فإن من يدافعون اليوم عن تلك الحرب ، إنما يدافعون عن تدمير كل الانجازات التي تحققت بنضال الشعب الموريتاني وفي طليعته الحركة الوطنية الديمقراطية وتسليم الصحراء للمغرب واحتلال القوات المغربية والفرنسية لموريتانيا .
الحركة الوطنية الديمقراطية هي وحدها التي وقفت ضد قمع وتقتيل وتسفير الأقليات الزنجية في موريتانيا إبان أحداث 1989 ولم يسلم موقفها آنذاك من أبشع النعوت والاتهامات من قبيل وصفها بأنها نسخة من حركة افلام وتدافع عن سياسة فرنسا والحكومة السنغالية ، لكن الأمور بخواتمها ، فما الذي حققته موريتانيا من تلك السياسة ؟!
أما تحالف اتحاد قوى التقدم مع معاوية الذي تحدث عنه ولد الامام ، كان مجرد حوار يستهدف تحسين المسار الديمقراطي ، وقد أعطى فعلا النتائج المتمثلة اليوم في الاجراءات المعتمدة على الصعيد الانتخابي . لم يكن هناك تحالف مع معاوية وما سعى إليه الحزب من ذلك الحوار لم يكن سوى تحسين القواعد الانتخابية .
وفي ختام هذا الحديث ، لا بد أن أضيف أن الرأي العام الموريتاني يعاني اليوم من مشكلتين كبيرتين هما وجود بعض السياسيين المتعصبين لمواقفهم القديمة والتي لا تمت أصلا لمصلحة موريتانيا ، وكون الأجيال التي أعقبت فترة السبعينات والثمانينات تجهل كل شيء عن تاريخ هذه البلاد ، وخاصة في تلك الفترات الحرجة .