كثر الكلام في الأسابيع الماضية وتعددت أوجه الطرح الذي يجسد الاختلاف حول تقييم الوضعية ^الإجرائية^ المؤقتة التي عاشتها بعض دور العلم- معاهد القرآن وفروعها- ولقد تباينت الآراء وتشعبت التصورات وأطلقت الأحكام واستبقت الأحداث وسعى الكل إلى تجسيد ميوله الفكري وتشبعه النفسي بفرض منظوره ، واتحد الجميع على قدسية القرآن وأحب الكل أن يتسمى بظهير القرآن ونصير علومه .. وحق لهم ذلك جميعا ؛فكلام الله محفوظ وبه يرتقي المسلم ويعلو شأنه ،وبتلاوته تحصن النفوس ، وبه تدفع الشرور والأهواء .
لا خلاف عند المسلمين حول أهمية التقرب إلى الله بكلامه فهو التشريع الجامع الطاهر المطهر لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ نصره الله وحفظه وتعهد بديمومة ذلك ، قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) .
لقد وجدنا نحن المؤمنين من أجل خدمة هذا القرآن، مع أن القرآن غني عنا ؛لكن لا غنى لنا عنه ؛فهو كلام ربنا المنظم لشأننا الآتي بخبرنا وخبر من قبلنا ومن سيأتي بعدنا ، وهو المنظم لكامل حياتنا ؛وعلى تبعيتنا له يتوقف مصيرنا و يتحدد موقعنا في دار القرار.
تحت قبة البرلمان فصل البيان واتضح بعد نقاش مستفيض بين نواب الجمعية الوطنية من خلال مداخلاتهم وردود الوزير الأول عليها.. لقد كان النواب على قسمين على الأقل ؛منهم من يرى أن تعليق عمل بعض المعاهد وفروعها حتى اكتمال إجراءات الترخيص لمن يلزمه الترخيص كالمعاهد مثلا والاستفسار عن بعض الفروع التابعة لها ومطالبتها بكشف تمويلاتها وطاقم تدريسها أمرا ضروريا بل يفرضه واقع عالمنا المتغير وأمنه المنفلت ، ومنهم يرى أن في الأمر استهدافا واضحا للقرآن وأهله، واستخدم كل الأساليب لشيطنة خصمه في هذه القضية التي أعيضت عن قضيته الحقيقية التي تتجلى في محض الصراع السياسي .. ومع أن الحكومة تقدمت بخطوة هامة نحو حل المشكل القائم ومعالجة القضية بأسلوب إيجابي مميز ؛ حيث رفعت التعليق عن فروع تلك المعاهد التي أصر أصحابه على إقحامها في الصراع الذي اختير له استهداف المحاظر كعنوان عريض ؛واعتبرتها محاظر ولم تلزمها بتراخيص لأن عنوان البلاد وشعارها وبطاقة تعريفها عبر الزمن هو: *المحظرة الشنقيطية*.
لقد أكد *الوزير الأول* تحت قبة البرلمان أن السلطات أجرت تفتيشا للمعاهد الدينية من أجل حمايتها ، وسمحت لمن يمتلك ترخيصا قانونيا بمزاولة عمله دون تأخر ، وتم تعليق عمل بعض {المعاهد} لعدم توفره على الترخيص المطلوب ورفعت التعليق عن المحاظر التي تتمتع بصبغة المحاظر ، وأضاف *الوزير الأول* أن البلاد يوجد بها 6783 محظرة ، من بينها 3715 تتلقى إعانات سنوية من الدولة وأكثر من 8000 مسجد منها أكثر من 5000 مسجد تتلقى إعانات سنوية من الدولة كما يتقاضى 800 إمام مسجد رواتب شهرية وأكد *الوزير الأول* أن نظاما هذه إنجازاته في العمل الإسلامي لا يمكن اتهامه بمحاربه المحاظر ، وأكد أن الحكومة مسؤولة عن حماية الدين الإسلامي والدفاع عنه وحمايته من التحريف والتجريف وشتى أنواع الاستغلال ، وأكد أنها لن تتخلى عن مهمتها هذه ، كما شدد على اهتمام الدولة بالتمسك بالمذهب *المالكي* وأضاف أنه يجب عدم إقحام *القرآن الكريم* في المناكفات السياسة لأنه فوق الجميع ومحل إجماع وليس موضوعا للمزايدة والاستهلاك السياسي .
لقد نجح *الوزير الأول*بشكل فاق التوقعات عندما تعامل مع النقاط المثارة تحت قبة البرلمان والتي هيمنت عليها قضية المحاظر وحق لها ذلك فقضية المحاظر قضية كبرى وينبغي إزالة اللبس عنها حتى يتضح المستور وتنكشف الأمور بعيدا عن التستر والتعتيم من جهة ، والتحريف والتجريف من جهة أخرى ، وكي لا تكون *المحظرة* بقدسيتها تسترخص وتذاب هيمنتها لتستخدم كوقود سياسي ومعروف أسلوب السياسة والتسييس ، وشيطنة الآخر لمجرد الاختلاف في الرؤى والطرح ، وتسفيه أحلامه ورمي التهم جزافا من أجل الوصول إلى المآرب السياسية ، والذود عن المصالح الحزبية وتعميق الروابط بذلك مع المنابع الفكرية..!
لقد نجح *الرجل* في كسب رهان هذه القضية عندما قدم "حلولا عملية" فزفت أول ^بشارة^ لطلبة المحاظر وحسنا فعل {الوزير} حين قال: إن الحكومة مقبلة على تنظيم قطاع المحاظر بهدف مساعدة طلابها ، وأن هذا التنظيم سيسمح بتطبيق طلاب بعض المحاظر في المستوى ^الجامعي^ وآخرين في المستوى ^الثانوي^ ؛ إذ سيتم اعتبار من يحملون [الإجازة] في القرآن الكريم في حاملي شهادة ^البكالوريا^ ، وطبعا كانت هذه النقطة بالذات حلما يراود آلالاف الحالمين المتفائلين؛ دون غيرهم من الطلاب خريجي المحاظر اللذين عادة ما تسد أمامهم الأبواب الجامعية ويضيق عليهم فضاء العمل الرحب ..
ختاما وخلاصة للقول فإن الأمر الجامع المتفق عليه في هذا النقاش ؛ هو أن القرآن محل إجماع واحترام عند جميع الأطراف السياسية وعند كل موريتاني وهو محل القدسية والتبرك وهو القدوة وهو الشافع المشفع الذي يجب لزاما احترامه وإجلاله وإبعاده عن التوظيف في الصراعات السياسية وغيرها من التوظيفات .