أحمد ولد الطالب من هيئة الرحمة إلى بيت الرحمة

جمعة, 01/01/2016 - 02:22
عبد الله ولد العتيق

 لا شيء أصعب من فقدان عزيز لنا، ولا توجد كلمات تعبر عما في داخلنا، ولا يسعنا سوى أن نرضى بقضاء الله وقدره فالموت علينا حق لا مفر منه.

 هو الموت عضب لا تخون مضاربه ... وحوض زعاف كل من عاش شاربهْ

وما الناس إلا واردوه فسابقٌ ... إليه ومسبوق تخِبُّ نجائبهْ 

صعيبة هي هذه اللحظات وعظيم جدا هذا الموقف فكيف لحبري أن ينسكب حتى أوفي الشهيد المرحوم أحمد ولد الطالب حقه وكيف لخيالي أن ينسج أصدق العبارات لأصف بعض خصاله, فقد عرفته وأي رجل عرفت, سافرت معه وأي رجل حلو المعشر سافرت معه ,خفيف الظل ,دمث الأخلاق متمسك بما تركه له والده من تواضع وحسن أخلاق..

 هو بالذات ذاك الذي أطل علي بذالك الوجه البشوش مع عناق دافئ صبيحة ذاك اليوم المضيء بنور تلك الابتسامة التي أضاءت ذاك المكان . 

انطلقنا معا في تلك الرحلة نحو الداخل في مهمة خيرية عنوانها الرحمة فكانت البداية , لاحظت فيه الطيبة وحسن الخلق والبشاشة وكان كل طاقم الهيئة يتقاسم معي ذالك الشعور. يحدثني تارة عن العمل الصحفي وتارة عن فنون التصوير مشجعا طاقم الهيئة بعبارات تفوح صدقا وإعجابا "لقد سافرت في عدة مهام وكنتم فريقا يعمل بشكل عجيب وكلكم يحس بأنه يخدم نفسه قبل أن يخدم غيره".

 ظل المرحوم أحمد ولد الطالب في مراحل حياته الأخيرة تظله الرحمة ويخدم الضعاف ويحاول رسم البسمة على الكثيرين قبل أن يفارق دنيانا الفانية وهو يصدح بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله. لا لت أصدم من تلك اللحظات التي قضيتها مع خصوصا بعد أن قرر فقيد الوطن رئيس "هيئة الرحمة" أن يرافقه الفريق الإعلامي الذي يضم الفقيد الشيخ عمر انجاي والمرحوم أحمد ولد الطالب كان في كل محطة نتوقف عندها يتوجه إلي ويعانقني "عبدوتي اتوحشتك " وأحس حينها بعناق الأخ والصديق وهو مازا دني حماسا على مواصلة الرحلة بكل أريحية ساعتها, حرصت على أن ألتقي به كل صباح كأول من أقابل من البعثة . 
كيف أنسى ضحكته وابتسامته ونحن في جلسة جماعية في مدينة النعمة لرسم طريق العودة وكان يضحك من ممازحة الفقيد أحمدو ولد عبد العزيز لبعض أعضاء الهيئة , كيف أنسى جلستنا بعد الاجتماع ونحن نحتسي الشاي في جلسة أخوية بامتياز طابعها العمل الخيري والإنساني . 

صدمت بعد أن تلقينا نبأ الحادث الذي تعرضت له سيارة رئيس الهيئة حسب الاتصال الذي وردنا وأنا رفقة المنسق العام ونحن على مقربة من مدينة الطينطان .
 وصلنا للمستشفى ألقيت نظرة أخيرة على الفقيدين حينها , وتوجهت مباشرة إلى الغرفة التي يرقد فيها المرحوم أحمد ولد الطالب دخلت عليه وقد كدت أن يغمي علي من شدة الصدمة بعد أن رأيته ملقى على السرير رفع يده وصافحني وخاطبني "عبدوتي أشوسيت" قرأ في وجهي سؤالا لم أوجهه له ما لذي حدث بالضبط؟ أجابني دون أي سبب "ذلي اخلك أنا ما أعرفت شنه" ابتسم ابتسامته الفطرية , وأمرني أن أسقيه لحظتها انسكب الماء على خده من شدة رعشتي فكانت ردة فعله أن مازحني "ذي ألا دفلت لعم" أمرني بتنشيف الماء عن السرير فخلعت قميصا تابع للهيئة ووضعته تحت رأسه. بعدها جاءتنا الأوامر بالتوجه نحو مطار كيفة ودعته بعد طمأنت أسرته الكريمة على سلامته بعد أن تجمهروا عند بوابة المستشفى بنواكشوط ينتظرون جثمانه بعد أن قتله إعلام الشائعات.
 وصلنا للمطار وكان المشهد رهيب إلى أقصى درجة مروحية عسكرية وطائرة تابعة للخطوط الجوية الموريتانية وحشود من سكان المدينة وفريق طبي يتجول في مدرج المطار , ونحن من كنا البارحة في مجلس واحد لرسم خطة العودة إلى نواكشوط .
 أتذكر أن آخر مرة ألقي عليه نظرة فيها رحمه الله حين وصلنا مطار نواكشوط جلست عند رأسه غمز لي بعينه وأبتسم كعادته. وصبيحة الأربعاء وبعد أن وصلني نبأ وفاته توجهت مباشرة إلى المستشفى العسكري جلست على أمتار من بعض أسرته فألقيت نظرة على الغرفة التي يغسل فيها فإذا هي معنونة بـ "بيت الرحمة" دمعت فقلت في نفسي كيف أبكي على من وفقه الله وجمع فيه كل هذه الخصال لأبدأ معه رحلة في هيئة الرحمة وتكون المحطة الأخيرة بيت الرحمة إنها رحمات الله تسير معه وتظله بإذن الله.
 هو الأجل الموقوت لا يتخلّفُ ... وليس يرد الفائتَ المتأسِفُّ 
رضينا قضاء الله جلَّ جلالهُ ... وإن ضَلَّ فيه الجاهلُ المتعَسِفُّ 
هو الحق يحزينا ثواب صنيعه ... وننفق من خيراته وهو يُخْلِفُ.
 رحم الله أحمد ولد الطالب ورفاقه أحمدو ولد عبد العزيز والشيخ عمر انجاي , وتقبلهم عنده مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.