لا شك أن الفقيد أحمد ولد عبد العزيز، رحمه الله، كان في حياته، فاعل خير، ينشط في الأساس في مجال العمل الإنساني الخيري، كما لا شك أن وفاته - المأسوف عليها - شكلت بحد ذاتها عملا خيريا آخر. لقد كان عزاء الفقيد بمثابة منبر جمع كل الموريتانيين، من كل أطيافهم، وألوانهم، و جهاتهم، ومواقفهم. استطاع هذا الحادث الحزين أن ينجح في ما فشل فيه الجميع، ألا وهو لم شتات الموريتانيين؛ فتقارب أكثرهم تباعدا، وتعانق أكثرهم تنافرا. فهاهو يوحد كل الفاعلين في وقت كانت فيه الحاجة ماسة إلى التعاضد ورص الصفوف، وتمتين عرى الجبهة الداخلية في وجه الإرهاب، والتشدد الديني، والتطرف الفئوي، والاحتقان العرقي، والترهل الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي، والتسيب الأمني، والتخلف السياسي، فلنستغل اللحظة الحزينة، ولنقرأ هذه الرسالة الإلهية العميقة، ولنستفيد من مضامينها السامية. وبمعنى آخر، فإن على الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وهو يتلقى آخر رسالة عظيمة من فلذة كبده، أن يتعاطى إيجابيا معها، فيقبل من أجلها ما لم يكن ليقبل، ويدفع بالمصالحة السياسية إلى أبعد الحدود، ويلبي كل الشروط من أجل بناء الوطن الذي يحلم به المهمشون والمقصيون، والمغتربون داخل وخارج البلاد، وذلك من أجل وضع أساس صلب لدولة القانون، دولة العدل، دولة الإنصاف، دولة التناوب السلمي - إنه الفهم السليم والتجاوب المنطقي مع الرسالة. وإن على الحكومة الموريتانية، وعلى مفاصل النظام، ورجال السلطة، أن يساعدوا الرئيس في استغلال الظرف، وأن يتوقف المتعنتون منهم عن التحريض، الجلي والخفي ضد مسار السلم وطريق الخلاص و أن لا يقفوا حجر عثرة أمام الفهم الصائب لرسالة الإجماع السياسي. أما بالنسبة للمعارضة الساعية جديا إلى تخليص البلاد من مخلفات الأنظمة الاستبدادية، فإن عليها وهي تقدم واجب العزاء للرئيس الموريتاني، أن ترفقه بحزمة من التنازلات الملموسة من أجل الوصول إلى حوار شامل، وتجاوز مطبات الماضى ومد جسور للتواصل الجديد، الخالي من التشنج والتصلب. وبكلمة واحدة، فإن على الرئيس الموريتاني المكلوم بفقد أعز الناس إليه، وعلى المعارضة المخلصة في تقديم العزاء، أن يستغلا إجماعهما الأول من أجل تنظيف الأرضية الوطنية من كل الأشواك، سياسية كانت أم حقوقية، لنصل بالبلاد إلى زاوية آمنة من هذه الخريطة العالمية المضطربة والمتفككة." وإن لله ما أعطى و إن له ما أخذ، وإنا لله وإنا إليه راجعون" .