في يوم 1 نوفمبر المقبل، سيتعانق الرئيسان الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، والجزائري عبد المجيد تبون، في العاصمة الجزائرية، احتفاء بالقمة العربية الـ 31، وتخليدا للشهر الأغر : شهر نوفمبر العزيز على الشعبين الموريتاني والجزائري. ففي هذا الشهر سقط مليون شهيد جزائري، وبهذا الشهر تغنى مليون شاعر موريتاني. ومع السنين، شكل العناق النوفمبري الخالد لوحة جميلة علقها الموريتانيون والجزائريون داخل غرف أفئدتهم، وفي قاعات قلوبهم، وعلى شوارع آمالهم وأحلامهم.
منذ الستينات، ظل نوفمبر يشكل قسمة عادلة، غير ضيزى، بين الشعبين الموريتاني والجزائري، يفتتحه الجزائريون بالأفراح ويختتمه الموريتانيون بالمسرات. يتناصفه الشعبان بآيات النصر والحبور، لأنه، بالنسبة لهما، ظل شهر الكينونة بامتياز، ففي 1 نوفمبر كانت الجزائر وفي 28 نوفمبر كانت موريتانيا. ولأن "نوفمبر آتٍ من الليل فجْرًا"، فإنه سيظل مشكاة يستضيء بها المسافرون في ظلمة الغسق الإفريقي الطويل بحثا عن الذات المستقلة والضمير الحر.
في كتابه "موريتانيا على درب التحديات"، قال الرئيس الراحل المختارولد داداه، في حديثه عن المثالب والمكرمات : "فاتحتُ هواري بومدين، ذات يوم، حول مشروع بناء ميناءٍ في نواكشوط، فرد علي بقوله : كم كلفته؟. فقلت له : حدود 250 مليون فرنك. فقال : ليتصل وزيرماليتكم بنظيره الجزائري كي يحدد معه إجراءات تحويل المبلغ. إلا أن الصين قررت أن تأخذ على عاتقها تكاليف المشروع برمتها، دراسة وتنفيذا. وعندما أخبرت هواري بومدين بالمستجد، رد علي بقوله : تستطيع أن تحتفظ بالمبلغ وتتصرف فيه كما تشاء. وكان مستشفى ألاك من أهم المنجزات الممولة بجزء من تلك الهبة".
عناق النوفمبرَيْن، خدمةً للأخوة، لا يمكن أن يحصى في كلمات تفتقرإلى الحيز والمعطيات، غير أن من أهم تجلياته قبول الجزائرأن تكون الظهير القوي والضامن الأول لسك العملة الوطنية التي أخرجت البلاد، سنة 1973، من إحدى أشد رباق المستعمر.
ودعما لمسعاها المحمود، فتحت الجزائربنكها المركزي أمام الدفعة الأولى المكلفة بتأسيس البنك المركزي الموريتاني (أحمد ولد داداه، المصطفى ولد الشيخ محمدُّ، جنك بوبو فاربا، سيد أحمد ولد ابنيجاره). ومضى العناق النوفمبري ليترك بصمته الأبدية في ميسم آخرمن مياسم الاستقلال.
وفي سنة 2013، شطبت الجزائرعلى ديونها على موريتانيا، ورفضت حضورالتلفزيونات الموريتانية والجزائرية لنقل الحدث خوفا من أن يكون منّة.
ومن 1973 إلى 2013، وصولا إلى 2022، مواقف خالدة ومبادرات مشهودة في إطارالعناق النوفمبري الجميل بين شعبين جمعتها كل القيم الإنسانية العظيمة. ولعل آخر لفتة في هذا الصدد، توقيع مذكرة تفاهم تخص إنجاز طريق تيندوف-ازويرت بتمويل جزائري محض.
ولا شك أنها لن تكون اللفتة الأخيرة لأن نوفمبر، كما عرفناه، شهرٌ وَلودٌ : أنجبَ الصفقات والمصانع والمبادلات والأطر والكفاءات. وسيظل يلد ما بات للدنيا بقاء لأن "كل ليمونة ستنجب طفلا/ ومحال أن ينتهي الليمون".
اليوم، وفي مستهل نوفمبر المجيد، تدعو الجزائرلقمة عربية، سيحضرها قادة وسيتخلف عنها آخرون، فطوبى لمن حضروا، وسلام على من غابوا !!.