من النادر جدا أن يتم الحديث عن المخاطر التي تتعرض لها الأنظمة الحاكمة من داخلها، وجرت العادة أن ينحصر الحديث عن تهديد المعارضة كلما كان هناك حديث عن المخاطر التي تهدد الأنظمة الحاكمة، وفي ذلك خطأ كبير لأن التجارب أثبتت في الماضي ـ وما تزال تثبت في الحاضر ـ أن من أشد المخاطر التي تهدد الأنظمة الحاكمة هي تلك المخاطر التي تأتي من داخلها.
وإذا ما تحدثنا بشكل مجمل وعام عن الأنظمة الحاكمة، فيمكن القول بأن من يهددون الأنظمة الحاكمة من داخلها يمكن تتبعهم وتحديدهم من خلال الصفات أو المواصفات التالية:
1 ـ كبار الموظفين الذين لا يؤدون المهام الموكلة إليهم، ويتهربون من واجبهم الوظيفي، ولكنهم ـ وللتغطية على فشلهم في أداء واجبهم ـ يبالغون كثيرا في إظهار الولاء الزائف للرئيس.
2 ـ الموظفون الذين يضعون مصلحتهم الخاصة فوق مصلحة النظام والمصلحة العليا للبلد، ويمكن التعرف على هذا النوع من الموظفين من خلال ثلاثة مؤشرات:
أ ـ أغلب عمليات التعيين والاكتتاب التي يقومون بها في قطاعاتهم لا تخدم القطاع، وإنما تخدم مصالحهم الخاصة، ولذا فهي تكون لصالح الأهل والأقارب والأحلاف الضيقة بعيدا عن البحث عن الأكفأ والأجدر؛
ب ـ توجيه الصفقات في القطاع إلى الأهل والأقارب والأحلاف الضيقة بعيدا عن الشفافية والإجراءات الطبيعية للصفقات؛
ج ـ الإنفاق بكرم على تلميع أنفسهم وقطاعاتهم دون الاهتمام بتلميع النظام في مجمله، وفي كثير من الأحيان تجد مثل هؤلاء ينفقون على مدونين وصحفيين ينتقدون بشدة النظام الحاكم أو بعض أركانه، ولكنهم في المقابل يبالغون في الدعاية لهذا الصنف من الموظفين الذي ينفق عليهم، والذي يهتم فقط بتلميع وتسويق نفسه، أما تسويق النظام والدعاية له فلا تعنيه في شيء؛
3 ـ الموظفون الذين ينخرطون بقوة في الأحلاف أو اللوبيات المتصارعة داخل الأنظمة الحاكمة، والذين يجعلون في كثير من الأحيان خصوماتهم مع بعضهم البعض فوق خصوماتهم مع معارضة تلك الأنظمة أو مع أي جهة أخرى يمكن أن تعادي تلك الأنظمة؛
4 ـ الموظفون الذين لا يملكون الكفاءة والأهلية لتأدية المهام الموكلة إليهم، هذا النوع من الموظفين يشكل خطرا مستديما على النظام الحاكم، حتى وإن كان صادق الولاء وشديد الإخلاص للنظام؛
ـ الموظفون الذين لا يستطيعون أن يضيفوا رصيدا من الإنجازات إلى رصيد الحكومة، أو السياسيون الذين لا يستطيعون أن يضيفوا رصيدا سياسيا للنظام، وإنما يقتاتون فقط من رصيد الرئيس ويسحبون منه باستمرار ودون أي إضافة؛
6 ـ الموظفون الذين يتغنون علنا بشعارات النظام (كتقريب خدمات الإدارة من المواطن مثلا)، ويقومون ببعض الأعمال المسرحية لتأكيد أنهم يقربون خدمات الإدارة من المواطنين، ولكنهم عند أي اختبار جدي يظهر زيف ادعائهم ذلك، وينكشف مدى احتقارهم للمواطنين.
7 ـ الأقارب الذين يستغلون النفوذ لظلم المواطنين أو للحصول على امتيازات خاصة لا يخولها لهم القانون؛
8 ـ الموظفون العاجزون تماما عن اتخاذ زمام المبادرة وإعداد التصورات والخطط، ويكتفون فقط بالتفرج في زمن الكوارث والأزمات؛
9 ـ الموظفون العاجزون عن متابعة أداء العاملين في قطاعاتهم، والعاجزون كذلك عن إيصال مشاكل المواطنين وتقديم النصح الصادق لمن هو أعلى منهم وظيفة ورتبة؛
10 ـ الموظفون العاجزون ـ لأي سبب كان ـ عن تقديم أداء ميداني ملموس في قطاعاتهم، فمثل هؤلاء يشكلون خطرا على النظام الحاكم، حتى ولو شُهِدَ لهم بصدق الولاء والابتعاد عن المال العام. في بعض الأحيان قد يكون الموظف المفسد الذي يمتلك قدرة كبيرة على الأداء، أفضل للنظام من الموظف الذي لا يعتدي على المال العام، ولكنه في الوقت نفسه مكبل الأيادي وعاجز ـ كل العجز ـ عن تسيير قطاعه.
11 ـ الموظفون المفسدون الذين ينحصر اهتمامهم في البحث عن أسرع الطرق لنهب المال العام، هؤلاء وضعتهم في أسفل اللائحة ليس لقلة خطورتهم على الأنظمة الحاكمة، فهؤلاء هم الأشد خطرا على الأنظمة الحاكمة، ولن يقلل من خطورتهم إن تم وضعهم في أسفل اللائحة.
خلاصة القول
إن كل موظف يحمل صفة أو مجموعة من الصفات المبينة أعلاه يشكل خطرا على النظام الحاكم، وكل ما زاد عدد من يحملون هذه الصفات في أي نظام كلما زادت المخاطر التي تهدد ذلك النظام، وكلما تناقص عدد هؤلاء في أي نظام، كلما كان ذلك مؤشرا قويا على قوة النظام، وعلى قدرته على الصمود في وجه الأزمات والكوارث التي باتت تهدد الكثير من بلدان العالم.
حفظ الله موريتانيا...