«إبليس» هو كبير الشياطين حسب الديانة الإسلامية، كان من الجن العابدين لله في الأرض فرفع إلى الجنة، لكنه عصى الله بامتناعه عن السجود لآدم فطرد ليتحول إلى «إله للشر» وأصبح من المنظرين.
وردت كلمة إبليس في القرآن الكريم وقص القرآن حواراته الكثيرة مع الله.
إبليس تلك الشخصية المعروفة التي ترمز للشر والحسد والكبر لما امتنعت عن السجود لآدم المخلوق المكرم أبي البشرية، بحجة أنه خلق من تراب وخلقت هي من نار والنار خير من التراب لأن التراب لا يسمو سمو النار، ثم آل به ذلك إلى أن طرد من رحمة الله وحذر منه آدم وذريته، وتعهد هو بإغواء بني آدم، ونجح في ذلك ما شاء الله، وبقية القصة معروفة.
هذه الشخصية الأسطورية التي لا نراها، تعيش بيننا رغما عنا، وتدفعنا للشر.
ألا يعتبر إبليس هذا الذي نهمله، هو المسؤول الأول عن الإرهاب الذي يهدد المعمورة لكونه يدفع الإرهابيين لارتكاب القتل؟ ثم ألا يعتبر هو المسؤول عن معاناة البشرية؟ ألا يستحق إبليس هذا أن يعقد عنه مؤتمر دولي لدراسة بطشه بنا؟ ثم ألا يستحق الشيطان الأكبر أن تخصص له جلسة علنية في الأمم المتحدة؟
إذا كان العالم الآخر لا يهتم بإبليس فإن لإبليس حضوره الكبير في الثقافة وفي مخيلة شعب موريتانيا الذي يعيش في فيافي الصحراء الكبرى. مر حضور إبليس والتعامل معه كمفهوم وكأسطورة بأطوار عديدة في المجتمع الموريتاني؛ فقد بدأ يرمز للشر والحسد ثم أصبح يرمز للدهاء والذكاء، وانتهى به المطاف ليصبح رمزا لملاحة النساء فالفتاة التي فيها إبليس، فتاة مثيرة للغريزة، والتي لا إبليس فيها جثة باردة لا تثير أي شيء.
يقول العالم الاجتماعي الموريتاني محمد فال ولد عبد اللطيف «..شخصية إبليس منظور إليها في مجتمعنا منذ القدم بأنها مصدر الشر كله، ويتلخص ذلك في أحسن تعبيراته في العبارة المتداولة والأمثال السائرة التي تكرس هذه النظرة، فإذا كان الشخص فعالا لما يشاء سادرا لا يعتني بالتعاليم الدينية، ولا يبالي بارتكاب المناكر يقال إن هذا الشخص قد خزمه إبليس، أي جعل في أنفه زماما يصرفه به كيف يشاء، وإذا كان أمر ما مستحيلا استحالة لا رجعة فيها قيل إنه كدخول إبليس الجنة».
«إلا أن من استقرأ الموروث الثقافي الموريتاني، يضيف ولد عبد اللطيف، يلاحظ بسهولة أن إيحاءات كلمة ابليس قد عرفت بعض التطور حتى أصبحت بعيدة عن إيحاءات المعنى الأول الذي أشرنا إليه، وإن كانت لا تزال علاقة ما قائمة بينهما سهلة الإيضاح والتبيين».
وضمن تطورات الحضور الإبليسي في الثقافة الموريتانية أصبحت شخصيته مثلا مضرب المثل في الذكاء والحذق والدهاء، يقولون فلان أذكى من الأبالسة (جمع إبليس).
وعبر الزمن تحولت كلمة «إبليس» إلى مفهوم آخر حيث أصبحت تطلق على الملاحة والجاذبية الفاتنة التي تتحلى بها المرأة ذات الأنوثة المتمكنة، يقولون «فلانة فيها إبليس» أو «على ثغرها إبليس» أو «ظهورها يسر إبليس».
وإذا كان الرجل مولعا بالكواعب البيض قيل إنه «ذو إبليس أبيض، وإذا كان على العكس مولعا بالسود اللعس قيل إن إبليسه أسود».
يقول محمد فال «استعمال إبليس هو من نوع ما يسميه علماء المعاني بالمجاز المرسل المتعدد العلاقات، فتقدير الكلام في قولنا «فلانة عليها إبليس» هو «فلانة متصفة بصفات من الملاحة والجاذبية لو رآها راهب متعبد لأطاع فيها «إبليس» الذي يأمره فيها بما يخالف الشريعة والورع».
ثم إنه قد تقرر عند العامة في المجتمع الموريتاني «أن إبليس له زوجة وأم وأبناء، فقد ذكر في بعض الأخبار أن إبليس باض بيضات أفرخت كل واحدة منها في إقليم من أقاليم الدنيا.
ومما يدخل في باب المجون أن بعض الحجاج الموريتانيين في الزمن الأول كان يقول وهو يرمي الجمرات مخاطبا الشيطان: نرميك والله على كره منا فإنك ـ والله ما علمنا ـ سيد فكه ظريف وإن كنت لعينا.
هكذا تراءى إبليس اليوم: شخصية غريبة يؤمن بها بعضنا وبعضنا يراها خرافة من الخرافات لكنها رغم ذلك شخصية تفرض نفسها على مجتمعات كثيرة منها مجتمع موريتانيا الذي يتعايش مع إبليس من مناظير متعدة فهو في آن واحد رمز للشر ورمز للذكاء ورمز للشهوة والغريزة أيضا.
نواكشوط ـ«القدس العربي» عبد الله مولود