يدرك كل منصف حقيقة أن جهدا مكثفا وأموالا وفيرة ووسائل هائلة؛ بشرية وفنية ومادية، قد بذلت خلال السنوات الثلاث الفارطة، لاستنقاذ المنظومة الوطنية للتعليم، من حالتها المرضية المتطاولة وتدارك ما يمكن تداركه منها مع خلق الشروط الضرورية، والظروف الملائمة، لإعادة تأسيسها وتأهيلها، بعد عقود التخريب والتدمير الممنهج، وإسنادها بدعائم الاستدامة والتطور نحو مستقبل بين المعالم والقواعد.
صحيح أن الطريق إلى الإصلاح الجذري للتعليم ليس مفروشا بالورود، بل بالأشواك والعراقيل، وتواجه السائرين عليه الانتكاسات والإخفاقات والعثرات والتحديات الكثيرة، لكن طريق الألف ميل تبدأ بخطوة، تتلوها خطوات، ثم يتواصل المسير نحو الهدف المنشود؛ والأشواط التي تم قطعهافي فترة زمنية قياسية، جديرة بالاعتبار مهما اكتنفها من إشكالات، هي بعدد أيامها، وعلى صعد شتى..
إنها إشكالات ازدرعتها غيلان العشرية السوداء وما قبلها، في قيعان المنظومة الوطنية، فكانت السوس الذي وصل بقطاع التعليم الوطني إلى الحالة المتردية المؤرقة التي يجري التصدي لها على كل المستويات، بدء بوقف الندهور، ودعم البنى التحتية، وتدريب الطواقم واكتتاب مئات الأساتذة والمدرسين، وتدريب مقدمي خدمات التعليم، والتحسين المتدرج لأوضاع الطواقم، مما ترجمه ارتفاع نسب النجاح في امتحانات الشهادات الوطنية للموسم.
فشل منظومتنا التربوية والتعليمية، ظهرت له نذر مبكرة، بعد الاستقال، وكان لموجة الجفاف ثم لحرب الصحراء تداعيات فاقمت وضع البلد بشكل منظور، قبل الانقلاب العسكري الذي هز الحالة الوطنية من أقطارها، ثم تلاحقت أمواج التغييرات، عنيفة أو هادئة، فعمت بها الفوضى وساد الإخفاق والانتكاسات في الحالة الوطنية بمستوياتها المختلفة، وكان النظام التعليمي هو الضحية الأبرز لها.
في وضع كذلك، تقوم مبادرات إصلاح خجولة، تنطلق من هنا وهناك، لكنا ترتطم بجدر اليأس والقنوط السميكة، فيتراكم الفسل الذريع المرة بعد المرة، ومع الوقت وتكرار المحاولة حدثت فجوات كثيرة، اتسعت لتسمح لجهات عديدة، وطنية وأجنبية، مدنية وعسكرية، بالتسلل إلى الميدان من خاصرته الرخوة، ناظمها الحقيقي عدم الاختصاص، والبحث عن الربح من أقصر الطرق؛ فكان لها ما أرادت، بات التعليم دولة بين الأغبياء والغرباء والأغنياء.
مفردة التعليم، كما ورثها نظام الرئيس غزواني جزء من منظومة عامة لبلد مزق مخلب الفساد الدامي براقع الأمانة والعفة عن وجهه وجيوبه، فانكشفت كل عوراته جهلا مركبا، وفقرا مدقعا، وهشاشة فئوية وشرائحية فجة، وقومية قبلية وجهوية، بتاريخ ثقافي متباين، وتراث طبقي بآثار ماثلة، وجراح لم تندمل بالكامل،و زادت طينه بلة تداعيات الوباء العالمي (كوفيد19)، وإكراهاته الضاغطة الكثيرة، على مستوىات الصحة والغذاء والدواء
منذ نهاية العشرية السوداء، عاد الأمل يداعب النفوس، مدعوما بجهود محمودة قيم بها فورا، وكانت ملء السمع والبصر، وحديث كل الناس، فبذلت إمكانات، وسخرت وسائل وطاقات في البنى التحتية، والقوى البشرية بالخبرة والدربة الفنية وصدرت التعليمات العليا المصممة على استنقاذ المنظومة، لتستعيد عافيتها المفقودة، وكل تلك جهود تستحق التنويه، وتغذي الأمل العريض في صحوة تعليمية حقيقية، هي شرط للإقلاع الوطني المرغوب..
بدهي أن الأمل دون العمل، لا ينتج علاجا، وأن الحل لن يكون سحريا، ثم إن زحزحة العقبات والعراقيل تتطلب إجراءات قد لا تخلوا من الألم، فربما تطلبت بترا أو كيا، لعودة العافية واستنقاذ السليم من السقيم؛ مما يعتبر شرطا لا بد منه لنجاح عملية الإصلاح، ومنه أن تقدم الدولة، بلا تردد، على خطوات موجعة ومكلفة، نقترح منها:
1- الإغلاق الفوري والشامل والنهائي لمدارس الامتياز، من أي مستوى كانت، وفي أي مكان على أرض الجمهورية.
2- رفع صبغة الجيش ويده نهائيا عن كل ما ليس عسكريا محضا من المؤسسات التعليمية، وعودة الصبغة المدنية لجميع الإعداديات والثانويات العسكرية، وللمدرسة العليا للمهندسين.
3- تبعية كل الجامعات والكليات ومعاهد البحوث والدراسات لوزارة التعليم العالي، بغض النظر عن مضامين برنامجها الدراسي.
4- المراجعة الصارمة والشاملة لشروط ودفاتر التزامات كل مؤسسات التعليم الخصوصي، بما في ذلك أهلية المبنى، وحجم توظيف المعلمين والاساتذة.
5- فرض المناهج الوطنية إجباريا على جميع المدارس الأجنبية، بنسبة لا تقل عن 75% على الأقل؛
من صفحة الكاتب الحسن مولاي علي