إن الارتقاء بالأحزاب السياسية للمستوى المؤسسي يتطلب ضمانات مالية ودستورية وقانونية تكفل لها ما يلزم من الإستقلال والحقوق والواجبات، من أجل موازنة المتطلبات والتطلعات المتناقضة وتحويلها إلى سياسات عامة، تتابع أداء الحكومة وقادرة على تشخيص مكامن الخطأ، ومن ثم إعداد البرامج البديلة التي تحقق مصالح المجتمع.
وبناء على هذا النسق ستتجه الأحزاب السياسية إلى التجذر بعمق إذ يمكنها الربط بين الحكومة وعناصر المجتمع المدني في مجتمع حر وعادل، يتوفر على ما يلزم من قنوات المشاركة الشعبية والصعود بها إلى درجة من الرقي والتنظيم الفاعل ، لتحريك وتفعيل الجماهير للمساهمة في القرار السياسي ، وتحويل آراء المواطنين إلى خيارات سياسية واقعية ، وبذلك تتحقق الوظائف العامة المنوطة بالأحزاب .
غير أن أي حزب سياسي يعاني من شح في الموارد المالية لا يمكنه أن يصمد كثيرا أمام سلطات تهيمن على كافة مرافق الدولة والممتلكات العامة ، لتشتري بها الذمم وتعاقب بواسطتها المعارضين والمخالفين لسياساتها بغض النظر عن مركزهم القانوني .
واعتمادا على هذه الرؤية فإن بعض المحللين يرى أن القطب السياسي في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض سوف يكون حريصا على إجراء أي حوار يفضي إلى انتخابات مبكرة ، خلال السنة القادمة 2016 ، رغم ما تبديه أحزاب تكتل القوى الديمقراطية ، وطلائع قوى التغيير الديمقراطي ، والاتحاد الوطني للتناوب الديمقراطي ، من ممانعة ورفض للاجتماع الذي عقده وفد المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ، مع وفد النظام يوم الأربعاء ، قبل استجابة الحكومة لشرط الرد المكتوب الذي اشترطه المنتدى في وقت سابق .
كما أكدت هذه الأحزاب الممانعة الثلاث ،أن لقاء ولد بوحبيني بالحكومة لا يمثل رأي المنتدى بالإجماع ، وذكرت بالمادة رقم 13 من الميثاق التنظيمي للمنتدى، التي تنص على أن قراراته لا تؤخذ إلا بالإجماع ، رغم أن الطرف الآخر مكون من 3 أقطاب ، و15 حزبا من القطب السياسي .
ومع أن فحوى المادة 13 المذكورة أعلاه لا ينسجم مع النهج الديمقراطي الحديث ، فمن اللافت للإنتباه ، والمعبر حقا عن عدم اكتراث أحزابنا الوطنية بأسمائها وعناوينها وألقابها ، أن أسماء هذه الأحزاب الثلاث المتشبثة بضرورة "الاجماع " في اتخاذ القرارات تنتهي كلها بكلمة " الديمقراطية ".
غير أن أغلبية أحزاب القطب السياسي في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ، بما في ذلك حزب تكتل القوى الديمقراطية ، يمرون بعجز مالي خطير ، إذ لا يستطيعون دفع الآجار لمقراتهم الرئيسة إلا بعسر، فضلا عن أي نشاط سياسي آخر مكلف من قبيل الجولات السياسية داخل الوطن بغية التعبئة والحشد والإلتقاء بالجماهير عن قرب ، بسبب الضائقة المالية التي يمرون بها ، بعد مقاطعتهم للإنتخابات البلدية والنيابية الأخيرة المنظمة في نوفمبر سنة 2013 ، حيث حرمتهم تلك المقاطعة من العون الذي تقدمه الدولة للأحزاب السياسية وفق ما تحصده الأحزاب في الانتخابات ، بناء على ميزانية انتخابات تحصل من خلالها هذه الأحزاب على التمويل والمساعدة المالية .
وبما أن الحكومة الموريتانية تدرك أكثر من غيرها حقيقة الأوضاع الصعبة التي يمر بها المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ، فإنها سوف تكون مطمئنة إلى أن الأحزاب السياسية في المنتدى ، خصوصا الذين لم يشاركوا في الانتخابات السابقة ، سوف يهرولون عما قريب نحو الحوار، من أجل أن يتم الاتفاق على انتخابات مبكرة ، تفضي إلى نتائج جوهرية ، سواء من حيث التمويل لأحزاب المنتدى ، أو المشاركة الحقيقية في الحياة السياسية ، من خلال ما ستفرزه هذه الانتخابات من مستشارين وعمد ونواب يرفعون أصواتهم فوق صوت كل نائب في الحزب الحاكم .
كذلك فإن الظرف الدولي الذي يخشى الارهاب إلى حد الهلع ، لم يكن ضاغطا ـ كما كان ـ على الحكومات المستقرة على الأقل ، وسواء كانت هذه الحكومات تعترف بالآخر كشريك سياسي نضالي ، حيث الوطن يتسع للجميع، أو تقوم بإقصائه وتهميشه ، وتقلل من أهمية المعارضة ومنتدياتها أو تستغل أبعد من ذلك انقساماتها .
ومع أن أي اتفاق أو حوار يكون في الغالب عادلا ومتوازنا ، عدى عن اتفاقيات الاذعان ، التي تقع بعد نهاية الحروب الكبرى ، والتي يملي فيها الطرف المنتصر شروطه على الطرف المهزوم ، فإنه ينبغي أن يتم التوجه إلى أي حوار بممهدات منصفة للجميع يكون فيها لكل طرف مكسب مشهود، وهو ما لم نعثر عليه في وثيقة الممهدات التي اشترطها المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة للدخول في الحوار مع النظام الحاكم ، وهذا بدوره يؤدي بالحكومة إلى عدم الجدية في الحوار، لأنها ليست مستفيدة منه ، وفي هذه الحالة فإن الطرف الذي سيسعى إلى الحوار بجدية ، هو المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ، بوصفه المستفيد الوحيد من الحوار، حسب ما خطط له هذا المنتدى ،الذي هو في أمس الحاجة إلى الموارد المالية .