غريب أمر هذا النظام العربي البائس الواحد أو شبه الواحد. يختار أن يقدم الهدايا المجانية لإسرائيل تطبيعا وغزلا وانبهارا وفتح مكاتب وتبادل زيارات وعقد مباريات رياضية، في الوقت الذي توغل إسرائيل في الدم الفلسطيني، وكأنها تكافأ على جرائمها التي تهز ضمير الإنسانية كلها. لقد أصبح التعاطف مع قضية فلسطين العادلة يخترق الحدود ويستقر في القلوب في كافة أنحاء العالم، وينعكس في قرارت مهمة وتبنٍ لبرامح المقاطعة والعقوبات، وسحب الاستثمارات ووسم منتجات المستوطنات، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية والإسراع إلى المحاكم المحلية لاعتقال مجرمي الحرب الإسرائيليين.
في المقابل بدأت علاقات العشق السرية لبعض الأنظمة العربية مع الكيان تطفو على السطح، وأي محاولة للتنصل منها أو إنكارها يفاقم المصيبة، وكأن لسان حال المواطن العربي العادي من أمثالنا من المصابين «بالوطن البسيط وبانفجار الياسمين» على رأي درويش، يقول: «تدخلون في علاقة عشق مفضوح ثم تكابرون بأنها ليست موجودة؟».
وسأفتح في هذا المقال صفحات قليلة من ملف كبير جدا لضيق المجال من خطوات التقارب مع الكيان والتطبيع المجاني، في وقت زاد عدد شهداء هبة القدس والأقصى القائمة الآن عن 105، من بينهم عدد كبير من الأطفال دون سن الثامنة عشرة. الترتيب هنا لا علاقة له بالأهمية أو الخطورة – فالمواطن العربي العادي لا يستوعب ما يجري وهو يريد أن يطلق زفرات القهر كيفما اتفق.
فتح مكتب تمثيلي في أبو ظبي
الإسرائيليون كالعادة يكشفون الخبر لأنهم غير معنيين بكرامة أي نظام. هم الذين أعلنوا يوم الجمعة 27 نوفمبر أن إسرائيل ستفتح مكتبا تمثيليا في عاصمة دولة الإمارات «أبو ظبي» تحت غطاء الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إيرينا». ولتدشين المكتب قام وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلي دوري غولد بزيارة رسمية للإمارات، «لوضع اللمسات الأخيرة على المكتب قبل الافتتاح»، كما قيل لنا. ولا يهمني التفسير الرسمي، حيث يبدو أن المسؤولين لا يقدرون خطورة هذه الخطوة، خاصة أنهم يمولون هذه المنظمة ويستطيعون أن يهددوا بإغلاقها أو طردها من البلاد، لو أصرت على فتح مكتب لإسرائيل فيها. يعرفون جيدا أن المكتب لن يحصر نشاطاته في موضوع الطاقة المتجددة، بل سيتعدى حدوده بالتنصت على كل الناس ومراقبة الأنشطة السياسية والناشطين وسيعمل على تجنيد العملاء، وسيدعو علية القوم والسلك الدبلوماسي بالاحتفال بعيد ما يسمونه الاستقلال، أو ذكرى النكبة الفلسطينية (ولا أعرف ممن استقلوا وبريطانيا هي التي أنشأتهم) وسيرسلون خبراء نفسيين ومتخصصين في اللغة العربية وبعض العناصر من ذوي الأصول العربية لتسهيل الاندماج وجمع المعلومات. وسيكون في المكتب وكلاء تجاريون يبحثون عن تصدير المنتجات الإسرائيلة، وتفاديا للحرج ستوسم بأنها من صناعة الصين أو تايلند، ثم ستتسع العلاقات بعد ذلك، وبعد ترويض العقل الإماراتي على تقبل إسرائيل سيتم توسيع المكتب وستتعدد مهامه ليتحول إلى ممثلية ثم سفارة. وأقترح على من يعتقد أنني أشطح في الخيال أن يشاهد فيلم عادل إمام «السفارة في العمارة».
التصويت لصالح انضمام
إسرائيل للجنة الفضاء الخارجي
أن تصوت 116 دولة في اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة لصالح ضم إسرائيل لعضوية لجنة الأمم المتحدة للاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي شيء، وأن تصوت مصر مع هذا القرار شيء آخر موجع وقاهر وغير مبرر. فحتى الدول العربية الثلاث المرشحة لعضوية اللجنة، وهي قطر والإمارات وعمان صوتت بـ»امتناع» حتى لا يسجل أنها صوتت مع حق إسرائيل في الجلوس في تلك اللجنة المهمة. لكن مصر كانت حريصة على تلك الدول الثلاث أكثر من حرصها على نفسها ومتحمسة لدخولها حتى لو كان في ذلك تصويت لصالح إسرائيل، كما حاول المتحدث باسم الخارجية السفير أحمد أبو زيد أن يوضح، وراح يخبص في موضوع العضوية وعدد الأعضاء وكيفية اختيارهم على طريقة من ذهب ليكحل العين فسملها. لقد لعبت الولايات المتحدة لعبة مكشوفة فوضعت إسرائيل مع ثلاث دول عربية وسيري لانكا والسلفادور والتصويت على المجموعة مرة واحدة على طريقة «الجمل بدينارين والهرّ بالفين والبيع على الاثنين». مصر كانت الدولة العربية الوحيدة التي قبلت بالصفقة. أما الأردن ولبنان وليبيا وتفاديا للإحراج فقد تغيبت عن الجلسة.
المندوب الإسرائيلي اعتبر هذا التصويت تتويجا لجهود الدبلوماسية الإسرائيلية ويوما مهما لإسرائيل. ولم ينس أن يهاجم الدول التي لم تصوت لصالحها قائلا: «إن هناك دولا تفضل تقريع إسرائيل بدل المساهمة في جهود المجتمع الدولي، مثل قطر التي امتنعت عن التصويت، رغم أنه ايضا كان تصويتا على عضويتها في اللجنة نفسها».
زيارة البابا تواضروس لفلسطين
كثيرون توقعوا أن الفيتو الذي فرضه طيب الذكر المرحوم البابا شنودة، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، على زيارة الأراضي المقدسة منذ نحو 45 سنة إلا بعد نهاية الاحتلال الإسرائيلي، دفن معه. وها هي الأيام تثبت صحة التوقع. فقد وصل البابا تواضروس إلى القدس المحتلة في زيارة هي الأولى من نوعها ليترأس الصلاة على روح الفقيد الأنبا إبراهام مطران القدس. طبعا قيل وسيقال هذه ليست زيارة تطبيعية. وقيل الشيء نفسه عندما زار مفتي مصر الشيخ علي جمعة القدس في 2012 حيث نفى مستشاره أن الزيارة تطبيع بل «علمية في المقام الأول لافتتاح كرسي الإمام الغزالي». والزيارة رفضها شيخ الأزهر أحمد الطيب على أساس أنها تطبيع مرفوض. ولا أعرف هل افتتاح كرسي دراسي يحتاج إلى حضور مفتي مصر الأكبر شخصيا. ويذكرني هذا بمصافحة شيخ الأزهر الإمام محمد سيد طنطاوي شمعون بيريز في 2008 في نيويورك، ونشرت الصورة التي تظهره مستخدما يديه الاثنتين ومبتسما في وجهه فتحولت المصافحة إلى مجرد صدفة.
عراب هذه الزيارات طبعا السلطة الفلسطينية، التي تستخدم حظوتها عند الإسرائيليين فتتكرم على الضيوف المهمين بالتوسط لعدم دمغ جواز السفر بالختم الإسرائيلي حتى لا يبقى علامة أبدية تحول جواز السفر إلى قطعة أثرية نادرة قد تباع بالملايين في المستقبل.
توقيع اتفاقية قناة البحر الميت – البحر الأحمر
نعرف أن الأردن بحاجة ماسة للمياه النقية وهو من أكثر البدان فقرا بالمياه. ونعرف أن تحلية مياه البحرالأحمرقد تكون الطريق الأقصر لحل مشكلة المياه ونعرف كذلك أن البحر الميت يعاني من قلة الماء. ولكن ألا يمكن تجنب المشاريع المشتركة مع إسرائيل على الأقل لغاية تنفيذ السياسة الأردنية العلنية والقائمة على الانسحاب الإسرائيلي الشامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشريف الخاضعة رسميا للوصاية الهاشمية، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وحل مشكلة اللاجئين حلا عادلا. ألم يلتزم العرب مجتمعين في قمة بيروت 2002 بمبدأ تبادل التطبيع الشامل مقابل الانسحاب الشامل من الأراضي العربية المحتلة، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة؟ ألم يكن أجدى أن ينتظر الإخوة في الأردن إخوتهم وأبناءهم وأصهارهم وأهلهم وبناتهم في الضفة الأخرى حتى تزول المحنة ويتم كنس الاحتلال ومن ثم يمكن التفكير بالمشاريع الإستراتيجية المشتركة بوجود الفلسطينيين؟
سلام عباس على نتنياهو في باريس
وصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس مصافحته لنتنياهو الاثنين على هامش مؤتمر المناخ في باريس بأنها مجرد مصافحة بروتوكولية فقط. نحن لا نفهم في البروتوكول ولا نعرف ما معنى البروتوكول ولا نحب الاختباء وراء عذر البروتوكول لمصافحة اليد التي تحمل وزر دماء الصغيرة «أشرقت قطناني» التي دعسها المستوطن وأطلق النار عليها وعشرات مثلها. والقائمة تطول وتقفز عن المئة، وآلاف الجرحى والمعتقلين. وبالمناسبة ففي يوم المصافحة «البروتوكولية» نفسه أقرت محكمة إسرائيلية بأن المستوطن الذي أحرق الطفل محمد أبوخضير وجد أنه غير مذنب لأنه «مريض نفسيا».
الأدهى من ذلك، أن نتنياهو أعلن وهو في الطائرة عائدا إلى تل أبيب أن «عددا من الزعماء العرب توجهوا إليه وتحدثوا معه واقترب منه خلال فترة الغداء قادة عرب وصافحوه أمام العالم كله، مضيفا «ليس فقط من ترتبط إسرائيل بعلاقات معهم، بل آخرون» وقال إن أحدهم أعرب عن تقديره لخطابه في الأمم المتحدة. أتمنى على زعيم عربي واحد أن يقوم بتكذيبه.
المغرب ـ تجارة ورياضة وسينما
دعني أقتبس قول عزيز هناوي، الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، «إن ربط التطبيع بخيانة الشعب الفلسطيني ولى. إن أذرع الكيان الصهيوني باتت تمتد في جميع المجالات السينمائية والسياحية والثقافية داخل المملكة. لقد بلغت حتى المجال الأمني والعسكري مما ينبئ بتهديد خطير للاستقرار المجتمعي المغربي».
ومن الأمثلة فقط على تغلغل الكيان الصهيوني في المغرب أن تم عرض فيلم إسرائيلي برعاية من «الخزانة السينمائية بطنجة» بعنوان «طنجة – القدس» وتم عرضه في القناة المغربية الثانية. كما عرض فيلم «شرقية» لمخرجه الإسرائيلي عامين ليفين، وتم تكريم مخرجه الذي طرد من تونس ومصر. ودعني أختم بهذا الخبر وتاريخه 20 مايو 2015. «منع وفد الجيدو الإسرائيلي القادم من أوروبا دخول المغرب وحجز لمدة ثماني ساعات في مطار الدار البيضاء إلى أن تدخلت «جهات عليا» للسماح لهم بدخول المغرب.
نقترح أخيرا على الأمين العام لجامعة الدول العربية المصاب بالقلق الدائم إضافة بند على جدول أعمال الجلسة الوزارية المقبلة لضم إسرائيل كدولة شقيقة لعضوية الجامعة العربية لتصبح الدولة 23 وقد يقترح المندوب الإسرائيلي في أول جلسة طرد المندوب الفلسطيني على أساس عدم وجود دولة اسمها فلسطين وقد يفوز الاقتراح بغالبية الأصوات.