من المهم العودة قليلا للوراء، فعنــدما جرى تكليف المهندس محمـد ولدبلال في اغسطس 2021 بتنسيق الفريق الحكومي الثاني للرئيس محمـد ولد الشيخ الغزواني، لم يتمكن، في اعتقادنا حينها من المساهمـة فــي تحــديـد معالـم فريقه فقــد استلم المهام بينما كانت الحكومـة فـي حكـم المكتمل والجاهــز، وهكذا أعلن عن قبولــه للمهمة امام انظار الصحافــة بكلمات بدت مرتبكـة وغير مرتبـة جيــدا بل انها تتضمن خروجا عن النص المُرتب بروتكوليا والمعتاد التصريح بمضمونه منذ عشرات السنين، لنُدرك لاحقا احتفاظ عدد معتبر من الشخصيات الوازنـة والنافـذة اجتماعيا وسياسيا بحقائبها الثقيلة ضمن التشكلة الوزاريـة المُرممـة قليـلا، كما تضمنت حكومته أوجها أخــرى لديها حظــوة وقبــول كبيـرين لـدى الجمهور والشارع الموريتاني. وهــكذا استلم المُهندس مهامه دون أن يكلف نفسه عناء التدخل في تفاصيل فريقه الوزاري أحرى طاقم ديوانه، بالوزارة الأولى.
وحسب فهمي المتواضـع جدا فلربما يكون ذلك السبب في نأي المهندس بنفسـه عــن العديــد من الملفات الشائكـة،.. والاكتفاء بالمُمكن من الجهد التنسيقي دون الزج بنفسه في أتــون التجـاذبات السياسية والاجتماعية المتسارعـة، فهــل تسمح إعادة تكليف المهندس محمـد ولد بلال بإعــادة ترتيب أوراق الأولويات؟
وســط صعوبات داخليـة مُتسارعة، فإن تكليف وزير أول جديد يمكن ان يفضي بدوره إلى مخــاطر سيــاسيـة يصعب التكهن بعواقبها على المدى الانتخابي على الأقـل، ففي ختام المأموريات يكون التغيير الشامل للفريق مخاطــرة تمس السيناريو السياسي ويمكن في النهاية ان تــؤدي إلى مزيـد من الابطاء والتأجيل خاصــة وان الوزير الجديـد سيتحسس الأزرار جيدا قبل ان يدوس، فهو غير معتاد وسيعمل بعض الوقت على التعرف على الملفات واعضاء الفريق، وما إلى ذلك، وهكذا يفترض حرص رئيس الجمهورية على التنبؤ بمآلات مثل تلك التغييرات، والتي يمكنه اللجوء اليها في حالـة ارتكاب منسق حكومته للخطأ الجسيــم أو لتورطـه في ملفات فساد، وهـو ما لم يحصل مع الوزير الأول الحالي المهندس محمــد ولد بلال والذي يمكن حصر انتقادات الجمهور له في نقطتين اثنتين:
ابتعاده عن دائــرة الضوء والترويج الاعلامي.
العيوب البادية فيما يتعلق بدينامية علاقاته الادارية بمختلف القطاعات الوزاريـة لحكومته.
هنالك فهم واسـع الانتشار يفيــد بأنه وراء تلك النقاط توجد بعض المظاهر التي تؤكـد عدم قدرة الوزير الأول على التأثير على زملائـه حيـن اتخاذ القرارات المناسبة، وضعف نفوذه فيما يخص العديـد من الملفات التي باتت تدار من خارج الوزارة الأولى، والواقــع بالنسبة لي غير ذلك، ولا يتعلق بالعوامل الشخصية لدى الوزير الأول محمـد ولد بلال فالدلائــل من خلال سيرته المهنية تؤكــد قدرته على ضبط المرافق العامـة بصرامة وعــدم انجراره في السابق خلف مظاهر الفساد، وفي هذا الصدد فإنه من بيننا من يتذكــر وقوفـه بدايـة 2014 في وجه تمرير صفقــة مولدات الطاقة التي أقيل بسببها حين كان مديــرا عاما لدى شركة الكهرباء (صوملك) وهو ما يفند القول بأنه يفتقد الى المقدرة على المواجهة والشراسـة الكافيتين لمن هو في مقامه السياسي، في اعتقادي أيضا أن العبء الملقى حاليا على عاتق المهنــدس محمـد ولد بلال سيكون أعظـم وأكبر أثرا خاصــة وانه يستلم مهامه الحالية بصلاحيات موسعة وبدعم قوي من رئيس الجمهورية، وربما يسمح الفريق الوزاري بظهور توازنات داخلية كافيـة، وهـو بطبيعـة الحال ما يتيح للوزير الأول اظهار مزايا شخصيته الحقيقية، قبل كل شيء والابتعاد عن الظهور في صورة رجل الظـل المتواري عن الأنظار.
مع اقترابه من تشكيل الحكومة التي يأمـل المواطن ان تظهر فيها بصمته السياسية والفنية بما يسمح بمباشــرة نتائـج الإصلاحات الاقتصاديـة المعلن عنها منذ فترة، من جهة أخـرى من المهم أن يترافق هذا المسعى الملح مــع تحسين صورة الوزارة الأولى لدى الرأي العام بما يسمح للوزير الأول بتحقيق سند شعبي داعـم، وبدون ذلك، فإن الخوف كل الخوف هو ان نجد انفسنا رهائن مخاطر سياسية اضافية قد تزيد بوادر الجفاف والغــلاء تعقيـدا.
يتعاطف الجمهور الموريتاني بشكل كبيــر مع بعض الأوجه الحكومية البارزة كوزير الاسكان سيد احمد ولد محمـد ليــس بسبب ذكاء افائق أو سلوك محبوب وانما لأنه يميـل الى إبـداء الصرامة في المرافق التي يديرها وهو ينصت بكلتا اذنيه لانشغالات الناس، عل يحلها لا اعرف؟ لكنني متأكد أنهم يحترمونه لكونه هو كذلك. وكذلك ينفــر ويمتعض الناس من وزراء آخرين حين يتجاهلون هواجس الشارع، ولا يبدون اهتماما بما هو ملح لدى المواطن البسيط، فيرى الاخير انهم لا يهتمون به الا عند حاجة الوقت، اي الوقت الانتخابي!!. بالمجمل، سألت هذا المساء زميلي بالقهوة عن رؤيته لإعادة تكليف المهندس محمد ولد بلال ابن حاضرة الترارزة، فأجابني بأنه لا يمكنه تقييم الانظمة في موريتانيا نظرا لغياب العناصر السياسية الموضوعية التي يفترض انها جاءت بموجبها، ولكنه اضاف "لكن لكي نخرج من نفق رفض الجميع لكل ما هو معروض في الميدان ايا كان، فانه يجب العمل على تحقيق مستقبل سياسي مضمون، من شأنه تحقيق نموذج موريتاني ديمقراطي، و في نفس الوقت الاحتفاظ لمسؤولينا بحجم تضحياتهم ضمن الذاكرة الوطنية.. " و رأيت ان اشارة زميلي إلى الذاكرة جد موفقة بل وصائبة، فلكي نكن واقعيين يجب أن نوظف هذه الملكة جدا لادانة متصدري الشأن العام او لترفيعهم سياسيا، وما عدى ذلك هو مزاجية لا تضمن نتيجة او نتائج منتظرة.
أخيرا، في معظــم وزارات العالم حين تتوفر الحكومات على كم هائـل من المستشارين والملحقين وموظفي العلاقات العامة؛ يعمل مثل هؤلاء عادة على تطبيق استراتيجيات تهدف الى تشكيل الرأي العام وابراز الأدوار الحكومية التي تمس حياة الناس وارزاقهم ونوعية الخدمات الأساسية المعروضة على الجمهور الموريتاني التواق الى الأمن والتنمية والكرامة.
انتهى
عبيد ولد اميجن كاتب وحقوقي