في محاضرة لسياسي موريتاني بارز تحت عنوان «أزمة الدولة الراهنة»
«القدس العربي»: أكد الكتور محمدو الناجي محمد أحمد نائب رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض «أن استقلال موريتانيا عن فرنسا عام 1960، كان استقلالا أعرج ، لأنه كان «منحة ومنة».
جاء ذلك ضمن محاضرة بعنوان «أزمة الدولة الراهنة» ألقاها أمس الدكتور الناجي وهو من أبرز سياسيي الجيل الأول الموريتاني، ضمن أنشطة سياسية مصاحبة للذكرى الـ55 لعيد الاستقلال التي تصادف يوم غد السبت.
وأضاف قائلا «.. بعد الإصلاحات التي فرضتها الضغوط الداخلية وشجعها الوضع الخارجي، تدخلت حرب الصحراء اللاشرعية فأتت على الأخضر واليابس وهزمت الجيش، فانقلب على السلطة ذات المظاهر المدنية، وتعاقبت الأحكام العسكرية على إدارة الشؤون من 1978 إلى غاية 2015، أي طيلة 38 سنة بمعدل أربع سنوات لكل حاكم تقريبا، وكانت فترة الحكم المدني قصيرة جدا يمكن إسقاطها من الحسبان».
وقال «ومن عادة الحاكم العسكري عندنا أن ينسف آثار من سبقه ويعمل على أن يكون الأول والأخير، ما يؤدي إلى الارتجالية المفرطة مع القيام بإجراءات ذات طابع دعائي بحت للبقاء في السلطة مدة أطول» .
وتوقف المحاضر مطولا أمام انقلاب 2008 الذي قاده الرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز فشدد على أنه «من أغرب سلسلة الانقلابات التي شهدتها موريتانيا، إذ كان انقلابا ضد أول سلطة منتخبة بصورة ديمقراطية تشهدها البلاد لأول مرة، شارك قائد الانقلاب نفسه في إنجاحها، ثم أبقى على المؤسسات الديمقراطية بعامل الضغط الداخلي والخارجي».
وتابع الدكتور الناجي توصيفه للوضع بعد انقلاب 2008 فقال «استمرت المؤسسات الدستورية شكلا ولكنها بقيت مجرد وسيلة لتبرير القرارات الارتجالية؛ والغرابة الأخرى، يضيف المحاضر، هو أن الانقلابيين أعلنوا في أول تصريح أن دافعهم هو قرار العزل الذي أصدره الرئيس ضدهم، وكانوا على استعداد – كما قالوا – للتراجع عن جريمتهم إذا ألغي مرسوم عزلهم؛ ثم تحول دافع الانقلاب فجأة إلى تصحيح للمسار الوطني وإلى مشروع كبير «يعيد تأسيس الدولة على قواعد سليمة، تقضي على الفساد والرشوة والمحسوبية، وتتكرس لصالح الفقراء والمهمشين،.. وكذا…كذا»، حسب تعبير المحاضر.
وتوصل إلى «أن موريتانيا تعيش نتيجة للتخبط الابتدائي والغموض في الأهداف، في الوقت الحالي، أزمة طاحنة على كافة الصعد».
«ففي المجال السياسي، يضيف المحاضر، يمكننا القول إن موريتانيا تعيش أزمة سياسية لأن الأقطاب السياسية لا تتحاور عن طريق القنوات العادية، كما أن النظام عاجز عن الاستجابة للاحتياجات الضرورية والملحة للمواطن، وغير قادر على مواجهة الضغوط الخارجية».
وأضاف «من الواضح أن هذه العناصر متوفرة كلها في يومنا هذا»؛ مبرزا «أن هذه الأزمة بدأت عندما انقلب العسكريون على أول نظام ديمقراطي، ثم استمرت وتطورت مرورا باتفاق داكار والحوارات الفاشلة التي جاءت بعده حتى الحوار الأخير الذي توقف عندما رفضت السلطة أن توثق ما التزمت به، وهذا ما أدى إلى أن جزءا هاما من المعارضة قاطع كافة الانتخابات الأخيرة؛ وحتى أن عناصر المعارضة التي شاركت في الانتخابات، أعلنت وبشكل صريح، أن الأزمة لم تحل، ما اضطر النظام إلى الاعتراف باستمرار الأزمة وإن بأساليب ملتوية».
وتحدث الدكتور الناجي عن الجانب الاقتصادي في الأزمة التي تمر بها موريتانيا حسب اعتقاده، فقال «عندما نتحدث عن أزمة اقتصادية فعلينا – كما يقول الاقتصاديون – أن نراعي عناصر أساسية هي معدل النمو، مستوي البطالة، نسبة المديونية، ميزان المدفوعات».
«فأما معدل النمو الاقتصادي، يضيف المحاضر، فلا يتعدى اليوم 3،1 في المئة، بينما يصل معدل النمو السكاني إلى 3،5 في المئة مع أن نسبة النمو الاقتصادي تتأتى من القطاع المعدني الذي لا يدخل أساسا في الدورة الاقتصادية الداخلية، وأما مستوى البطالة فيتجاوز 6 في المئة المسموح بها اقتصاديا ليصل إلى أكثر من ثلاثين في المئة حسب آخر الإصدارات، وقد ارتفعت المديونية، يضيف المحاضر، بنسبة 80 في المئة في السنوات الأخيرة لتتجاوز الخطوط الحمراء، وتكرر العجز في الميزانية في الفترة الأخيرة مما أدى إلى تقديم أكثر من ميزانية معدلة في السنة الواحدة إلى البرلمان».
وأكد المحاضر «أن مستوى التضخم وصل إلى درجة كبيرة كما يظهر في الارتفاع المذهل والمضطرد في الأسعار ويمس جميع المواد الضرورية والكمالية على حد سواء».
وقال «إذا نظرنا بعجالة إلى هذه العناصر، استطعنا أن نحكم علميا بأن الدولة تعيش أزمة اقتصادية لا يجوز لأحد أن يماري فيها أو يكابر في وجودها؛ ولو أحسن النظام الحاكم التصرف في الطفرة التي عرفتها أسعار المعادن لاستطعنا أن نخفف من الأزمة ولو مؤقتا، إلا أنه تم تبذير الأموال الضخمة بصورة غير مدروسة وغير مشروعة». وأكد المحاضر «أن المعلومات التي يتم تداولها عن البنك الدولي تبرز أنه متشائم من حالة الاقتصاد الموريتاني ويتحدث عن شروط قاسية ضرورية لإعادة التوازن إلى اقتصادنا المنهار».
وتطرق المحاضر المعارض لمظاهر الأزمة في المجال الاجتماعي فأكد أن «معدل البطالة بلغ حدا قل أن يصله في أي دولة، وهو30 بالمئة والأسعار مرتفعة بصورة صاروخية، حتى الوقود الذي انخفض عالميا بدرجة كبيرة (45 دلار للبرميل)، يحافظ على سعره عندنا بحجج لا يصدقها أحد؛ فقد كان المواطن يشتريه رخيصا نسبيا عندما كان سعر البرميل يتجاوز 100 دولار ويشتريه اليوم أغلى عندما أصبح سعر البرميل لا يتعدى الـ45 دولارا، ونتيجة لذلك الانخفاض عمدت دول العالم ومن بينها دول الجوار إلى تخفيض الأسعار».
وقال «إن هذه الوضعية أدت إلى شن العديد من الإضرابات المؤثرة في كافة الشركات العامة والخاصة وتم حتى الآن تسريح ما يزيد على 600 عامل، مبرزا «أنه إذا كان ما قلناه صحيحا فلا يبالغ من يقول إن هناك أزمة اجتماعية خطيرة تنذر بالانفجار إذا لم يتم علاجها بصورة جذرية وسريعة».
وفي الأخير، أكد المحاضر أنه «إذا لم يتم علاج هذه الأزمة متعددة الجوانب بصورة جذرية وسريعة، فإن موريتانيا تتجه الي مصير مجهول».