ستحاول هذه السلسلة من المقالات، أن تتحدث عن "الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية"، والتي كانت قد أعلنت عن انطلاقتها يوم الأحد 8 أغسطس 2021 تحت شعار "معا لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني".
لقد حاولت الحملة أن تتجنب بعض الأخطاء القاتلة التي وقع فيها أغلب الذين طالبوا في الماضي بالتمكين للغة العربية، وكذلك الذين طالبوا بتطوير اللغات الوطنية. كما أنها حاولت ـ بالإضافة إلى تجنب تكرار أخطاء الماضي ـ أن تستفيد من تنامي الوعي لدى الموريتانيين بخطورة استمرار سيطرة لغة أجنبية على التعليم والإدارة في بلد حسم دستوره لغته الرسمية ولغاته الوطنية منذ أكثر من ثلاثة عقود.
لدى الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية، العديد من نقاط القوة التي قد تساعد في تفعيل المادة السادسة من الدستور، إن هي استثمرت بشكل جيد نقاط القوة تلك، ومن أهم نقاط القوة التي تمتلكها الحملة:
1 ـ أنها جمعت في مكتبها التنفيذي وفي واجهتها كل مكونات وشرائح المجتمع، بل أكثر من ذلك، فإن من يتولى قيادتها هم أشخاص من مكونات يعتبرها البعض هي الأكثر تضررا من تعريب التعليم والإدارة، وذلك أمرٌ غير صحيح؛
2 ـ أنها جمعت في مكتبها التنفيذي أعضاء من أهم الحركات الإيديولوجية المعروفة في موريتانيا، ففي المكتب التنفيذي يوجد بعثيون وناصريون وإسلاميون...؛
3 ـ أنها جمعت في مكتبها التنفيذي شخصيات من المعارضة وأخرى من الموالاة، هذا فضلا عن المستقلين الذين ليست لهم انتماءات أو تخندقات سياسية؛
4 ـ أنها تنظر إلى مسألة اللغات (اللغة الرسمية واللغات الوطنية) نظرة شاملة، وتتعامل مع هذه اللغات كوحدة واحدة غير قابلة للتجزئة والتقسيم.
إن من أكبر الأخطاء التي وقعت فيها النخب في الماضي هو أن طائفة من الموريتانيين ظلت خلال العقود الماضية تطالب بترسيم اللغة العربية وتنسى المطالبة بتطوير بقية لغاتنا الوطنية، وطائفة أخرى من الموريتانيين ظلت تطالب بتطوير لغاتنا الوطنية وتنسى المطالبة بترسيم اللغة العربية، الشيء الذي جعل الفرانكفونيين ومن كل المكونات يستغلون بمكر هذه الوضعية المختلة، وهذا "التناقض الظاهري" لتخويف هؤلاء من أولئك، وأولئك من هؤلاء، فضمنوا بذلك بقاء اللغة الفرنسية مسيطرة، الشيء الذي أدى في المحصلة النهائية إلى عدم ترسيم اللغة العربية بشكل فعلي، وإلى عدم تطوير لغاتنا الوطنية.
هذا الخطأ الكبير هو الذي عملت الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية على تفاديه، فجعلت من مطلب التمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية مطلبا واحدا غير قابل للتجزئة أو التقسيم.
5 ـ لم تأت الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية بمطلب جديد، ولم يجتهد مؤسسوها ـ ولهم الحق في ذلك ـ ليأتوا بمقترح جديد يمكن أن يتفق عليه الموريتانيون أو يختلفون. لم تأت الحملة باجتهادات ولا بمطالب جديدة من صياغة المنخرطين فيها، وإنما اكتفت برفع مطلب وحيد يتمثل في تفعيل مادة من الدستور الموريتاني الذي صادق عليه الموريتانيون منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولذا فالحملة تمتلك أقوى شرعية قانونية، وستبقى تمتلك تلك الشرعية القانونية القوية ما دام لم يتم تعديل الدستور وإلغاء المادة السادسة منه.
6 ـ من نقاط القوة التي تمتلكها الحملة هي أن المزاج الشعبي لصالحها، فقد ازداد الوعي لدى النخب الموريتانية بأهمية التعليم باللغة الأم، وذلك بعد أن ظهرت النتائج الكارثية لإصلاح 1999، كما اتسع الاستياء من استمرار هيمنة لغة أجنبية على الإدارة، هذا فضلا عن تراجع مكانة فرنسا في المنطقة، وانسحاب بعض الدول الإفريقية من منظمة لفرانكفونية.
7 ـ نقطة القوة التي سنختم بها نقاط القوة هذه تتمثل في أهمية التوقيت الذي اختارته الحملة للإعلان عن انطلاقتها، فالحملة انطلقت قبيل تشاورين هامين، أحدهما خاص بإصلاح النظام التربوي، وقد انطلق بالفعل، والثاني عام وشامل ومن المتوقع أن ينطلق قريبا.
إن تنظيم هذين التشاورين سيتيح للحملة تقديم رؤيتها وإيصال مطلبها لكل المشاركين في التشاور، ومن الراجح أن يتم التفاعل الإيجابي مع مطلبها من طرف الكثير من المشاركين في التشاور.
حفظ الله موريتانيا...