أوْدَعُوكَ غياهبَ السجن فقط لتفهم أن الشعب لم يعد يريد أن “يطفئ التلفاز”، ولم تعد ميزانيات مؤسساته تتحمل تكاليف السفر إلى “الصناديق” المطلسَمة.
لا شك أن “مهنة” التشفي، كما يزاولها البعض، منهج بائد وفلسفة سافلة، ولا ريب في أن حل معضلتك “أقرب للتقوى”.. لكن زيارتك لـ”القفص”، ولو على عجل، تُعَدُّ نقطة الانطلاق لتطبيع علاقة الرؤساء بحرية تعبيرنا (كي نحافظ على التلفاز موقدا!)، وتطبيع علاقتهم بمالنا العام (كي لا تقطع كُمْبَه تذكرة أخرى على حساب الدولة في سفر مريب!).
توقيفك ليس إنجازا، ولا هو، بحد ذاته، مبتغى، وإنما يكفينا أن يبعث برسالة إلى الرؤساء والحَفّانة مفادها أنه كفانا احتقارا، وأن التفرعن مات مع البيان رقم 1، وهياكل “تهذيب” الجماهير، والمادة 11، وبطاقات التعريف الصفراء…
إن دولة تعيش كوابيس تحديات الاحتقان العرقي والتخلف البنيوي وهلاك الضمير الجمعي، لا وقت لديها لسجن رئيس نفدت بطاريته، إلا إذا أريد له أن يكون بريدا محمّلا برسالة جادة. سجنك لا طائل من ورائه ولا معنى له إن لم يكن في هذا المسعى وبهذا المعنى. إذن لا تقلق.. اجلسْ القرفصاء وضع نظاراتك السوداء.. اشرب كأسا من شاي “أزواد” وخذ كتابك بشمالك، واهنأ بالقراءة داخل زنزانتك، فأنت مجرد بريد تأخر إرساله.