متسولو رمضان .. لجاجة في الطلب وعبارات محفوظة
الثلاثاء, 14 يوليو 2015 22:12

altalt"من قدم شيئا يراه " "الصدقة يعطيكم العافية" "في سبيل الله " عبرات محفوظة يتردد صداها في أذنيك كلما هممت بالدخول أو الخروج من مساجد وسط نواكشوط في رمضان، لكن مشهد عشرات المتسولين من الرجال والنساء والأطفال في طوابير ممدة يختزل الكثير من دلالات ومعاني الطفرة في أعداد هؤلاء في رمضان عندما يتطفل على الحرفة محترفون كل همهم استدرار شفقة الآخرين وكسب تعاطفهم وما في جيوبهم.

أمام بوابات الجوامع ، وفي الميادين وقرب المصالح الحكومية وحتى في شوارع وأزقة الأحياء الراقية بنواكشوط هم دوما في الموعد أطفال ونساء، أصحاء وذووعاهات، يخرجون في الصباح الباكر وهم في سباق مع الزمن للعودة قبل حلول المساء بما تجود به أيدي المحسنين وبما يغنموا من توزيع دقات وزكوات الموسرين الذي ألفوا معسكرات هؤلاء أمام منازلهم وعلى مقربة من محلاتهم وشركاتهم.

ليس هناك تقديرات بعدد المتسولين في نواكشوط لكن الأكيد أن عددهم يزاد سنة بعد أخرى، وأساليب استجدائهم تعرف تطورا في الكم والنوعية ويظل شهر رمضان شهر التسول بلا منازع لارتباطه بإخراج الزكاة الواجبة وللترغيب في أعمال البر والإنفاق خلال الشهر الفضيل ، كما تجعل بعض الهيئات الخيرية من رمضان موسما لتوزيع المساعدات الغذائية والإفطارات مما يتح شهية الكثيرين للتوسل واستجداء العطاء .

ومما فاقم من الظاهرة هذا العام وجود مئات المتسولين من اللاجئين السوريين والماليين والذين رفضوا –كما يقال- عرضا من السلطات لتوفير أماكن للايواء في نواكشوط ودفع تعويضات شهرية لما رأوا المبالغ الطائلة التي يعود بها التسول!! كما تبدو السلطات وكأنها نفضت يدها من التصدي للظاهرة بعد الفشل الذريع الذي منيت به برامج مكافحة التسول تماما كاستراتيجيات محاربة الفقر في موريتانيا يعلق أحد المواطنين.

لكن الملفت هو تزايد أعداد النساء المتسولات في نواكشوط فيطلب بعضهن المساعدة في إعالة أسرة معدمة، أو في كفالة أيتام مشردين، أوفي علاج مرض مزمن وأحيانا لا يطلبن أكثر من تأمين أجرة المواصلات إلى أحد أحياء الأطراف.

"تربة بنت أبيب" من الترحيل تقدم نفسها كمعيلة لأسرة فقيرة من بين أفرادها أيتام وصغيرات لا قيم عليهن ، لم تعد تستطيع العمل في بيع الخضروات لذا اختارت طريق التسول إلى جانب العشرات من مثيلاتها واللائي يذرعن شوارع وسط نواكشوط وأعينهن على أي خارج من أحد البنوك أو صاحب سيارة فارهة أو من تبدو عليه أمارات الغنى والكفاف.

وتقول تربه في تصريح للسراج إن إخراج الزكوات في رمضان والإقبال على الإنفاق مقارنة مع الشهور الأخرى يجعل إيراد التسول أفضل بكثير من ريع أي أعمال أخرى للتكسب!!

 

دعوات.. بمقابل

مريم بنت المختار تقول إن دافعها إلى التسول في رمضان هو الحاجة أو "الفصل"، وذلك رغم شعورها بالحرج، وطمعها في أجر الفقير الصابر؛ لذا فإنها تتجنب التسول في الأماكن العامة، وتخجل من منظرها وسط حشود المتسولين، لكنها تعرف أنهم مثلها فقراء الحال، ومحتاجون بشدة بخلاف من جعلوا التسول حرفة وامتهنوا استجداء الصدقات.

يوظف الشحاذون تعابير وألفاظا محفوظة في كسب قلوب المحسنين من ذلك آيات وأحاديث ترغب في الإنفاق والبذل وأحيانا الدعاء والابتهال بطول العمر، أو النجاة لمن تمتد يده بالعطاء والإحسان.. وقد ترتدي بعض النسوة ملابس ظاهرها التدين والحشمة كالحجاب، والنقاب، ويظهرن الحياء بغية التأثير في القلوب، واستمطارا للعطاء.

 

احتراف التسول

ليس كل المتسولين هم من ذوي الفاقة أو من الذين اكتووا بنار الفاقة والحرمان؛ بل منهم من يمتلك باعا طويلا وتجربة ممتدة في التسول؛ فاكتنزوا أموالا طائلة، وجمعوا ثروة كبيرة،ومع ذلك لم تتبدل أوضاعهم وظلوا أوفياء للحرفة ويصعب حتى التمييز بين هؤلاء وغيرهم من المتسولين الحقيقيين ومن دفعتهم ظروف الفقر والحرمان إلى التسول.

وتمثل البطالة، وارتفاع مستوى الإعالة، واستشراء ظاهرة الطلاق في المجتمع الموريتاني وما ينجم عنها من تفكك أسري؛ عوامل وراء انتشار التسول بين النساء، كما يقول الطالب الجامعي الشيخ إبراهيم الشريف الذي ينتقد الظاهرة مؤكدا أنها أصبحت حرفة بدليل امتهانها من بعض المتسولين القادرين على العمل ومنهم من تمضي عليه السنون وهم على نفس الحال وفي نفس المكان .

ومما يفاقم من الظاهرة مزاحمة الوافدين من خارج الحدود والذي أدخلوا طرقا مبتكرة في التسول كاصطحاب الأطفال والصدقة من باب لباب .

ويقول الطالب الشيخ إبراهيم أن مواجهة الظاهرة لن تكون من خلال حملات أمنية محدودة؛ لكن تفعيل عمل الجهات المعنية بمساعدة المرضى والمحتاجين وتشديد الرقابة على مخصصات التنمية الاجتماعية، مع ضرورة تنظيم المهن غير المصنفة وعدم تركها في يد الأجانب هو المخرج الأساسي لتلك المشكلة في رأيه.

 

الغلاء والفقر

الحسن ولد أسويدات -خريج قسم الاقتصاد بجامعة نواكشوط- يرى أن الوضع الاقتصادي المتردي في ظل موجة الغلاء التي تجتاح البلاد هي السبب في انتشار ظاهرة التسول، مما زاد من معدلات الفقر والذي تتعدى نسبته في موريتانيا 45% من السكان.

ويضيف أسويدات أن عمق ثقافة الإحسان والكرم في المجتمع الموريتاني، وتجاوبه الطيب مع المتسولين بغض النظر عما إذا كانوا يستحقون أم لا، هو ما يشجع المتسول، ويؤكد على ذلك بأنه رأى بعض المتسولين يأنف من قبول صدقات بعينها، ويفضل النقود فقط، كما أنه شاهد لدى بعضهم هواتف جوالة فارهة.

ويتفق ولد أسويدات في أن الحل ليس في احتجاز المتسولين، ومطاردتهم من قبل سيارات الشرطة؛ بقدر ما يتمثل في إيجاد معلومات وإحصائيات وافية عن هؤلاء، وعن ظروفهم المعيشية ودوافعهم إلى التسول، ثم القيام بمشاريع إنتاجية تكون في خدمة هؤلاء، وتوفر لهم دخولا ثابتة، مع ضرورة إعادة تنظيم مرافق الأوقاف، وعمل الجهات المعنية بالعمل الخيري.

 

السراج