الإعلام المأجور.. صوت لمن يدفع أكثر!
الأربعاء, 22 أبريل 2015 13:58

 altaltيتفق المختصون بوسائل الإعلام على أنّ لكل مهنة في المجتمع أخلاقيات وسلوكيات تعبر في مضمونها عن العلاقات بين ممارسيها من ناحية، والعلاقات بينهم وبين عملائهم من ناحية ثانية، وبينهم وبين المجتمع الذي ينتمون إليه من ناحية ثالثة، وهذه الأخلاقيات والسلوكيات قد تكون متعارفاً عليها، وقد تكون مبادئ ومعايير يضعها التنظيم المهني للمهنة، إذ 

تبرز أهمية الإعلام في الرسالة التنويرية والتثقيفية التي تنمي وعي الإنسان بمجريات الأمور في عصره، وتحافظ على فكره من التشتت والضياع والتحجر، ورسالة رفيعة من هذا الطراز لا بد أن تكون لها من المواصفات والخصائص ما يجعلها تحافظ على هذه الرفعة، وهنا يأتي دور الأخلاقيات والسلوكيات الإعلامية.

ونعني بالأخلاقيات المهنية، أنّ على العاملين في وسائل الإعلام أن يلتزموا في سلوكهم تجاه أنفسهم وتجاه جماهيرهم بمبادئ وقيم أساسية، ويكون الالتزام بهذه المبادئ والقيم الأساسية نوعا من الواجبات الشخصية، أي أنّه التزام شخصي يقع على كل واحد منهم بصفة شخصية ليكون سلوكاً سليماً وأخلاقياً، فهي بمثابة قواعد واضحة للسلوك المهني في المؤسسات الإعلامية، وكذلك الاتجاهات الفعالة والدعاوى المتصلة بكل ما هو ملائم في أسلوب العمل والإنجاز، وانطلاقاً من هذا الفهم فإنّ بعض الإعلاميين توجه إليهم انتقادات مختلفة أساسها أنّهم يفتقدون الاهتمام بالسلوكيات المهنية، حيث لم يترجموا هذه الأخلاقيات والسلوكيات المتعارف عليها إلى واقع عملي ملموس، وظهر ذلك في عدم مراعاة القواعد المهنية في الإعلام، فاهتموا بسرعة النشر وتركوا الدقة، وأغوتهم الإثارة على حساب الحقيقة، ونسوا أو تناسوا أنّ إبلاغ المشاهد أو المستمع بالحقيقة هو الهدف، إذ غاب على طرحهم التوازن والتجرد، ولم يلتزموا بفصل الآراء الشخصية عن الحقائق، إلى جانب عدم اتخاذ أعلى درجات الحرص المهني لتفادي الوقوع بالأخطاء.

 

عملاء مأجورون

 

لعلنا هنا نقرأ كيف كانت مهنية بعض وسائل الإعلام حين أعلن خادم الحرمين دعم الشرعية في اليمن ورفض الانقلاب الذي نظمه الرئيس المخلوع بالتعاون مع ميلشيات الحوثي، مطلقاً عمليات "عاصفة الحزم" بقيادة المملكة، وبمشاركة دول الخليج العربي، إذ شاركت بالموجة الأولى من الهجوم إلى جانب المملكة كل من الإمارات بثلاثين مقاتلة، والكويت ب(15) والبحرين ب(15) مقاتلة، بينما شاركت قطر ب(10) مقاتلات، والأردن والمغرب بست، والسودان بثلاث طائرات، فيما أكدت مصر والأردن وباكستان والسودان مشاركتها بالعملية البرية في حال للجوء إلى هذا الخيار.

وقد وقع إعلان هذه العمليات كالصاعقة على بعض الإعلاميين بالخارج المأجورين والمحسوبين على بعض الأحزاب والتنظيمات التي تدعي كذباً حرصها على مصلحة الدول العربية والإسلامية، فأخرجتهم من دائرة الاتزان الذي اصطنعوه إلى الردح والصراخ، وحالة من العبث المستند على الكذب وتزييف الحقائق، خصوصاً بعد أن كانت النتائج الأولية ل "عاصفة الحزم" حاسمة وغير متوقعة، ولم يستوعبوا هم ومن أطلقهم حجم انعكاساتها على الأرض وعلى موازين القوى.

إعلام موجه

في كل حرب يلجأ أحد الطرفين لاستخدام أسلحة واستراتيجيات نفسية وإعلامية ضد خصمه، والهدف منها قد يكون تشتيت فكر الخصم وبالتالي إضعافه، ويكون ذلك من خلال الإعلام الموجه، يستخدم هذا الإعلام كل أدوات التحريض والاستفزاز، يتولاه بعض الخونة الذين قد يكونون من القيادات الحزبية أو من نخبة المثقفين، إذ يحاولون تسميم العقول بإيهامهم أنّهم ينتقدون الأحداث السيئة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهم في حقيقة الأمر يمررون رسائل من أجل إشعال نار قد أطفئت وتسعير حرب قد أوقفت، وتخويف الناس والسعي ليفقدوا ثقتهم في بلدهم.

ويعمل الإعلام الموجه على صنع حالة من الفوضى الكلامية والفكرية، من خلال "برامج الثرثرة اليومية"، والتي يكتشف من يتفحصها أنّها لا تحمل هدفاً ولا مغزى، سوى نشر السلبية والامتعاض، كما يتضح للمتفحص أنّ هؤلاء الخونة لا يملكون أي أسس في التعامل المهني، رغم ما يمارسونه من تنظير وجدل عقيم، ووصل ببعضهم أن يستضيف أشباهه من المأجورين ويعطيهم ألقاباً وأوصافاً منتحلة، فيعرف هذا على أنّه ناشط سياسي، وذاك على أنّه ناقد، وثالث على أنّه قائد ثوري، ووصف الرابع بأنّه منسق لائتلاف ربما لم تسمع به من قبل!

وتجد أنّ هناك اتفاقاً بين وسائل الإعلام المأجورة في استضافة هؤلاء، ليقدموا مادة مليئة بالتنظير والجدل والصراخ والصوت العالي؛ لأنّه وببساطة لا علاقة لكلامهم بالحقائق وما يحدث على أرض الواقع، فكل هدفهم تزييف ذلك وإيهام المشاهد والمستمع بعكسه، حتى بات هؤلاء وكأنهم متقدمون على ما خطط ورسم لهم ممن اشترى ذممهم ومهنيتهم!

 

ماكينة الدعاية

 

وكانت عمليات "عاصفة الحزم" قد صدمت من ظهر وكأنهم جزء من ماكينة للدعاية الإيرانية، والذين انبروا وتفرغوا لقلب الحقائق واختلاق الأكاذيب عن "التحالف العربي"، وليس هذا بمستغرب عليهم، فقد سعوا فيما مضى بمحاربة كل من يحاول أن يتطرق إلى إيران وأعوانها بسوء، فكيف بمن يهدد أطماعها ومخططاتها التوسعية في البلدان العربية؟ وهذا ما جعل إعلاميين يوجهون بوصلتهم تجاه المملكة وحلفائها، إذ لم يتوانوا عن الردح وإطلاق التهم واختلاق الأخبار الكاذبة، رامين بأخلاقيات وسلوكيات المهنة عرض الحائط، فالمهم والأهم أن يرضى أتباع بما يطرحونه، غير آبهين أن يكونوا أداةً في أيدي قوى أجنبية، توجههم لضرب دولهم، عن طريق زعزعة استقرارها، من خلال تهديد علاقاتها ووضعها في موضع العدو بالنسبة لدول "التحالف العربي" في اليمن، وكل ذلك مقابل "بضع أموال" ينالونها، أو مناصب حزبية أو سياسية يوعدون بها.

ولك أن تقارن بين الذين لم يكن لهم نبرة صوت من تهجير ما يزيد على (13.000.000) مليون سوري وقتل ما يقارب ال(500.000)، بل كانوا صوتاً للقتل والتدمير، هم اليوم من يتظاهر بالبكاء والخوف على الشعب اليمني من ما أسموه كذباً وجوراً ب"الاعتداء"، فيما هم في حقيقة يبكون زملاءهم في العمالة والخيانة، ولم يجدوا طريقاً لذلك إلاّ بالصراخ، فهم يسعون لإسكات أي صوت يخالفهم ويحاول كشف حقيقتهم بتسترهم وراء حماية الدين والوطن، وغيرها من الإسطوانات المشروخة والتي أكل عليها الدهر وشرب، ولم يعد بالإمكان استخدامها كأدوات للابتزاز وشراء السكوت مقابل المال.

وعلى الرغم من أنّ الإعلامي الأجير بات مكشوفاً ومفضوحاً ببساطة للمشاهد والقارئ، إلاّ أنّ هناك من صار محترفاً في ذلك، وبات جزءاً من "طابور خامس" يعمل وفق خطة إعلامية اعتمدت على الكذب والنواحة والعنصرية، والتوافق الذي يبدو بينه وبين زملائه "المرتزقة" لا يمكن أن يكون في ليلة وضحاها، بل كان ضمن نتاج عمل مستمر وتخطيط إستراتيجي، فأصبحوا بذلك جنوداً لمن عجز عن المواجهة الحقيقية في أرض المعركة، وخاضوا حروباً بالنيابة ضد دولهم، فصوروا النصرة العربية لأهل اليمن على أنها اعتداء وعدوان، في حين يتغاضون ويتجاهلون الاعتداء الحقيقي من ميلشيات الحوثي وألوية الجيش المنقلبة على الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وألبسوا "عاصفة الحزم" لباس الطائفية.

 

 

الإبتزاز الإعلامي

 

ذكر سلمان الانصاري - كاتب ومحلل سياسي - أنّ عاصفة الحزم هي عمليات عسكرية وسياسية في الوقت نفسه، وحتماً تتطلب مساندة إعلامية مكثفة وذكية، إذ إنّ الكلمة والصورة لها أثر السحر في الشعوب وقد تقلب موازين القوى، من خلال بث روح تفاؤلية أو انهزامية لدى المقاتلين على الأرض، هذا فيما يتعلق بأهمية الإعلام وتأثيره في أرض المعركة، ولكن حينما يتعلق الموضوع عن المواقف الإعلامية للدول وبالذات دول التحالف فالموضوع يجب أن يتم إلقاء الضوء عليه وتفصيله، مبيّناً أنّ هنالك بعض الدول العربية الشقيقة التي كانت - وما زالت - مساندة لدول الخليج ومكافحة لجميع أنواع التطرف ودول مهمه في ائتلاف دول التحالف، ولكن للأسف بعض من إعلامييها لم يُعرفوا إلاّ بتهجمهم على مواقف المملكة وقراراتها، سواء المتعلقة بحربها لاستعادة الشرعية في اليمن، أو في قراراتها الأخرى.

 

 

 

سلمان الأنصاري

 

 

 

وقال إنّ هذا الأسلوب السلبي يؤثر حتماً في نسيج العلاقة الوطيدة ذات المصير المشترك بين المملكة وتلك الدول، عاداً أنّه - وبعد إقرار وموافقة مجلس الأمن على القرار الخليجي - أصبح من المتوقع سكوت كثير من هذه الأصوات المناهضة لمواقف المملكة؛ لمعرفتها أنّه ليس هنالك أي عذر لعملية ابتزاز إعلامية جديدة من الممكن أن تشوش على المسيرة وأهداف هذه العاصفة، بسبب تدويل هذه القضية وموافقة دول العالم على أهدافها، متمنيا أن تعمل تلك الدول على تنظيف العوالق الغبارية التي تسببت بها بعض وسائلهم الإعلامية غير معلومة الأهداف والمجهولة في مصادر تمويلها!".

وأشار إلى أنّه يجب على جميع الدول القريبة والبعيدة أن تعلم أنّ المملكة من حقها الكامل ألا تنسى الأسلوب ومدى حجم التضامن أو التكاسل أو التخاذل مع قضاياها المصيرية، الوقوف مع المملكة في هذه الأوقات يجب حتماً أن يكون بلا شرط أو قيد، لافتاً إلى أنّ العالم العربي والإسلامي يمر في تحديات عظيمة تسببت فيها دولة معادية تريد فرض أجندتها على الكل، ولهذا دور الإعلام غير هامشي أو تكميلي، بل هو دور مفصلي في هذه الأيام.

 

 

 

الرياض