هل للحوار أفق
الجمعة, 27 فبراير 2015 15:37

ارشيفارشيفأخيرا وبعد أسابيع من حوار داخلي شهد الكثير من الشد والجذب اتفق القطب السياسي في المنتدى المعارض على وثيقة ممهدات الحوار، وقبل ذلك بيومين وضع الرئيس حدا لبوادر حالة تمرد اختمرت لبعض الوقت في صفوف نواب الأغلبية حيث أكد لهم أن الحوار

خياره في هذه المرحلة لكنه قد لا يعني التنازل عن أشياء كبيرة، خرج النواب وهم مقتنعون جدا بالتوجه الجديد وأصدرت أحزاب الأغلبية بيانا ناشدت فيه المعارضة الدخول الفوري في الحوار.

هل يمكن القول بناء على المعطيات السابقة إننا دخلنا في زمن الحوار وأن قطاره بات على السكة وما هي إلا إشارة وينطلق، أم أن الأمر أكثر تعقيدا - ربما - مما يظهر على السطح، وفي حالما انطلق القطار فعليا هل هناك سكة آمنة ومحطة وصول متوفرة على الحد الأدنى من مواصفات المرفأ التوافقي.

ما ذا يريد ولد عبد العزيز

ذاك السؤال الأهم لمن يبحث عن الإجابة على سؤال الأفق، وهو سؤال تختلف الإجابة عنه  ولعل من أهم القراءات  المطروحة.

الخروج الآمن؛ بمعني أن الرئيس يريد أن يختم دورته الأخيرة في الحكم بتوافق وطني وجو سياسي هادئ يسمح له بالخروج بشكل آمن من السلطة والتمتع بعد خروجه بما حقق من مكاسب مادية ومعنوية.

ورغم غرابة هذا الخيار في النمط التقليدي لتفكير حكامنا لكن معطيات اجتماعية وإقليمية تجعله واردا، فالوسط الاجتماعي للرئيس يستشعر الخطر والجوار الافريقي غير مغر كثيرا بمحاولات تعديل الدساتير للبقاء في الحكم

2-  تفكيك الصف المعارض؛ ويعني أن الخطوة ليست جادة وإنما هي جزء من تكتيكات البقاء في الحكم، وهو أمر سبق تجريبه مع قوى المعارضة متفرقة وحان الوقت لتجريبه معها مجتمعة.

ولعل قوة الاختلاف الحاصل بين أطراف المنتدى تمثل مؤشرا دالا على  صوابية هذا الخيار بالنسبة للسلطة فقد تحول المعارضون الذين أمضوا نصف العام في التحضير لانطلاقة نضالية من أرضية الرحيل والنضال إلى أرضية التشكيك الداخلي.

استشعار مخاطر جمة، ويعني أن الرئيس يدرك من موقعه في قيادة البلد حجم المخاطر والتحديات المجتمعية والاقتصادية الكبيرة والخطيرة التي تواجه البلد وقد بات على قناعة بحكم تجربته في الحكم أو نتيجة تقديرات موقف داخلية أو خارجية أنه لابد من ترتيب للبيت الداخلي حتى يستطيع مواجهة المخاطر.

الاستقواء بالمدنيين أما رابعة الإجابات فتقول أن الرجل يعد العدة للبقاء في السلطة ويدرك أن المؤسسة العسكرية لاعتبارات عامة أو خاصة ببعض القادة فيها ليست متحمسة للخيار، ويريد أن يستقوى عليها بالقوى السياسية الأكثر هشاشة في مواجهة رغبات الحاكم.

ومما يعزز هذه الإجابة التلميحات المتكررة إلى تعديل دستوري، والغموض المقصود في إمكانية البقاء مأمورية أخرى، ويمكن ترجيح أن هذا الخيار لن يواجه صعوبات كبيرة في محيط الموالاة وفي محيط الأوساط القبلية، ولعل ما يقال حاليا عن زيارة للداخل يمضي فيها الرئيس وقتا أطول في القرى والبلديات والمقاطعات تمثل مؤشرا إضافيا على ترجيح هذا السيناريو.

هل لإرادات المنتدى نقطة التقاء

وإذا كان السؤال في جانب النظام الحاكم هو عن إرادة الرئيس وهو صاحب القرار الحصري في الحكم حاليا فإن السؤال على الضفة المعارضة مختلف جوهريا وهو هل لإرادات المعارضين نقطة التقاء، وهنا مكمن الوضع الحرج الذي أوجد فيه الحوار  معارضة كانت تتحد خلف شعار رحيل سلطة قبل أن تلجأها الظروف فجأة إلى انقلاب حاد أو حركة تصحيحية مباركة جعلتها تتنافس على عقد لقاءات سرية مع أطراف في السلطة أو مع وسطاء مقربين منها.

- أول إرادة معبر عنها في المعارضة هي إرادة حزب التكتل  صاحب التجربة الأكثر مرارة مع السلطة الحالية فالحزب كان من أول المباركين للانقلاب وقادة التظاهرات الداعمة له وقدم أسماء وزراء في أول حكومة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، والحزب حاول في مرحلة لاحقة عقد شراكة مع السلطة يكون فيها للحزب مكانة في حكومة ظل تتبع مؤسسة زعامة المعارضة وهي تجارب أحس فيها التكتليون مرارة الخداع والغدر فباتت علاقتهم بالحكم ورئيسه علاقة غير قابلة للترميم.

- وثاني  الإرادات المعبر عنها هي إرادة حزب اتحاد قوى التقدم وهو حزب  تبنى النهج الحواري بشكل استراتيجي منذ عقدين من الزمن قبل أن يعدل عن ذلك في حالة أقرب للاستثناء في عهد الرئيس الحالي، وقد تسببت مقاطعة الحزب للانتخابات الأخيرة التي لم تكن خيارا لتيار قوي في الحزب في عودة قوية لنهج الحوار، أملا في أن يفتح الباب لتصحيح وضعية مختلة جعلت الحزب يغيب عن التمثيل في المجالس البلدية والبرلمانية بعد أن راكم فيها أداء جيدا أعطاه مكانة  معتبرة في الساحة.

- وثالث الإرادات هي إرادة حزب تواصل الذي سبق له الانفراد بموقف من الانتخابات عن المعسكر المعارض، ومع أن وجود الحزب في الهيئات المنتخبة كان يفترض أن يجعله أقل حماسا لحوار يفترض أن يفضي لانتخابات جديدة لكن مزيجا من الاعتبارات السياسية والأخلاقية جعلته يبدو قوة دفع أساسية في اتجاه الحوار؛ فالتواصليون ينتهجون منذ بعض الوقت نهجا حواريا مرنا وناصحا ويعتقدون أن مصلحتهم الاستراتجية في البلد، والوضع الاقليمي  والدولي للأحزاب الشبيهة بهم لايشجع على الكثير من الراديكالية في مواجهة الأحكام العسكرية، أما من الناحية الأخلاقية فربما لا يريد التواصليون تصديق صورة قدمها عنهم البعض بعيد الانتخابات الماضية وهي أنهم حققوا نتائج أكبر من حجمهم وورثوا المعارضة كلالة ربما.

- وإلى جانب الأحزاب الثلاثة الكبرى في المنتدى يوجد نسيج حزبي يميل بعضه إلى راديكالية قريبة من حزب التكتل كما هو حال حزبي الطلايع والتناوب (إيناد)  فيما يجنح بعضه لحوارية تسابق حزب قوى التقدم كما هو حال عادل، وحاتم، في حين يوجد فريق ثالث في معسكر حواري أقل اندفاعية قريب من الموقف التواصلي كما هو حال حزب " ابليج" والمستقبل واللقاء الديمقراطي.

أين الأفق

في ضوء التشخيص والتحليل السابق يتضح أن الأقل صعوبة في الحوار ربما هو التوافق على إطلاقه، فالممهدات الصعبة وربما التعجيزية في تقدير السلطة، وحالة الغموض الكبير في دوافع ولد عبد العزيز مع ترجيح – وفق تقديرنا – لأحد خيارين هما تفكيك  المعارضة أو الاحتماء بالمدنيين، وحالة تعارض بل ربما تصادم الخيارات في الصف المعارض تجعل ما بعد التوافق المبدئي على الحوار فترة حافلة بالعثرات والمطبات، ويمكن توقع ثلاث سيناريوهات  ممكنة.

- أولها رفض ممهدات المعارضة خصوصا أن بعضها أقرب للمحاكمة في نظر النظام؛ فالنظر في وضعية كتيبة الحرس الرئاسي، وإطلاق سراح المعتقلين، والتصريح بالممتلكات أمور قد تستفز الرئيس ويعتبر وثيقة الممهدات رسالة اعتذار عن الحوار.

ثاني السيناريوهات أن يجد الطرفان صياغة وطرقا لتجاوز مرحلة الممهدات وبالتالي يتم الشروع في الحوار ليصطدم المتحاورون بعثرات سن الترشح والمأمورية وحكومة الوحدة وهي مطبات لا يبدو في الأفق السياسي الحالي أن هناك مرونة سياسية لدى الأطراف السياسية لتجاوزها.

أما السيناريو الثالث ويمكن أن نسميه السيناريو الخارق فهو أن يعبر المتحاورون صحراء عدم الثقة بينهم، ويتغلبون على أنانياتهم وحساباتهم وحساسياتهم فينطلق الحوار وينتهي بنتائج تدخل موريتانيا مرحلة جديدة، لاتغري تجارب الماضي ولامعطيات الحاضر كثيرا بهذا الاحتمال لكنه يبقى ممكنا وربما من المهم الابقاء عليه  إن لم يكن سيناريو فليكن حلما.

 

السراج