وزير سابق في نظام ولد عبد العزيز يصف الإدارة بالحانوتية لملء جيوب الرئيس
الخميس, 24 أبريل 2014 13:50

الوزير الشيخ ولد حرمة الوزير الشيخ ولد حرمة انتقل من أقرب مقربي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لأقصى معارضته، وكتب أخيرا سلسلة مقالات شغلت الرأي العام الموريتاني.. إنه الدكتور الشيخ ولد حرمه رئيس حزب التجمع من أجل موريتانيا وسليل الزعيم السياسي الموريتاني الشهير أحمدو ولد حرمه الذي عارض فرنسا ودافع من داخل قبة البرلمان الفرنسي عن قضايا التحرر في المغرب العربي وفي أفريقيا.

س : فوجئ الرأي العام بانتقالكم من صف موالاة الرئيس ولد عبد العزيز، حيث كنتم عضوا قياديا في الحزب الحاكم ووزيرا للصحة، إلى أقصى معارضة النظام مع كتابة مقالات شديدة مضادة: ما الذي دفعكم لكل هذا ؟

ج : اسمحوا لي في البداية أن أحيي واشكر هذه الصحيفة الغراء وهذه المعلمة الإعلامية العريقة.

وعندما تراجعون مسيرتي السياسية ستجدون أنها تمتاز بالحركية، لا من اضطراب نفساني أو اختلال توازني ولكن مراجعة للنفس، وللخط السياسي، لمعرفة ما إذا كان صائبا أم لا…

فقد كنت معارضا عنيدا لنظام ولد الطايع بسبب استبداده وفساده، ودفعت ضريبة ذلك الموقف إقصاء واعتقالا وسجنا.. وبعد سقوط ذلك النظام دخلت البلاد في مراحل انتقالية متتالية، استبشرنا وأملنا أنها ستفضي إلى تغيير مثمر.

في البحث الجاد عن الرجل الموهوب والقوي الأمين الذي سيضع البلاد على السكة الصحيحة، تعلقت ببريق الإصلاح الذي بدا لي من خلال خطاب محمد ولد عبد العزيز المتوقد وبرنامجه الإصلاحي المثالي الذي أعلنه، فدخلت معه في حلف سياسي كشريك فاعل لا أجير ولا إمعة مفعول به..لكن سرعان ما تبين لي بعد فترة غير طويلة أن ذلك البريق لم يكن سوى وهم.

أمام هذا الواقع المزري وجدت نفسي وانطلاقا من قناعتي الشخصية ومسؤوليتي الأخلاقية مدفوعا إلى النزول من المركبة العاطلة والخروج من دائرة هذا النظام الفاسد إرضاء لله تعالى وإراحة للضمير، عاقدا العزم على مواصلة مسيرة العمل لتغيير واقع وطني مع من يسير في هذا الاتجاه.

س : من الأمور التي أعجبتكم في نظام الرئيس عزيز قطعه للعلاقات مع إسرائيل التي كنتم من أشد المطالبين بها: ما هي نظرتكم لهذا القرار بعد سنوات من اتخاذه؟

ج : كان ولد عبد العزيز الذي اقترف انقلابين متتاليين يخوض، بعد انقلابه على أول رئيس مدني منتخب، سيدي ولد الشيخ عبد الله، صراعا مريرا من أجل البقاء، صراعا ضد الشعب الموريتاني من جهة وصراعا ضد المنظومة الدولية من جهة أخرى.

من أجل تخفيف الضغط الداخلي وتعزيز رصيده الشعبي عمد ولد عبد العزيز إلى قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني، تزلفا واستجابة لرغبة الشعب الموريتاني الذي ناضل بكل أطيافه من أجل قطعها.

لا شك أن إقدام ولد عبد العزيز على طرد إسرائيل من موريتانيا مهما كانت دواعيه وخلفياته مثل وقتها بالنسبة لي عملا شجاعا لم يجرؤ عليه من سبقوه إلى سدة الحكم، ولعب هذا الإجراء دورا مهما في مساندتي له.

لكن هناك إشاعات وإرهاصات يؤولها البعض بكونها بوادر لاسترجاع هذه العلاقة. شخصيا أستبعد ذلك رغم الضغوط القوية، الترغيبية والترهيبية في هذا الاتجاه.

س: تبوأتم المقعد الأمامي في منسقية المعارضة التي أنهت للتو مع أقطاب أخرى منتدى لترتيب الفعل المعارض:أي أثر تتوقعونه لهذا المنتدى؟

ج : شكل هذا المنتدى حدثا هاما و بارزا على الساحة السياسية الوطنية حيث وحد في سابقة تاريخية المعارضة بشتى أقطابها وهيئات المجتمع المدني والعديد من المركزيات النقابية وعشرات الشخصيات الوطنية الوازنة بمن فيهم ثلاثة رؤساء سابقين…هذا الجمع الغفير والمعتبر التأم من أجل إسماع صوته الرافض للأحكام الاستبدادية ومن أجل توحيد الجهود خلف المطلب الديمقراطي والأهداف الوطنية العليا التي يعمل كل الشرفاء على تحقيقها من أجل إنقاذ هذا البلد من المصير المدمر الذي يتهدده.

تدارس المؤتمرون جل القضايا الكبرى المتراكمة التي تهم الوطن والمواطنين والتي خلفتها الأنظمة البائدة تركة سيئة ظلت تمثل عقبة كأداء تعيق وتقوض كل المحاولات والجهود لبناء الدولة الموريتانية التي ستظل مشروعا ما لم نخرج من هذا النفق المظلم بالقضاء على مشاكلنا الجوهرية.

من جهة أخرى حدد المنتدى شروط المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تضمن نزاهتها وشفافيتها، وهذه الشروط هي تشكيل حكومة ائتلاف وطني تشرف على الانتخابات، وتشكيل لجنة انتخابات توافقية، وحياد الإدارة والجيش، وتوفير الإمكانات الفنية والمادية للاقتراع.

س : وهل تعتقدون أن هذا سيغير شيئا في معادلات الانتخابات الرئاسية المقبلة التي أصبحت وشيكة، والتي يتوقع أن يفوز فيها الرئيس محمد ولد عبد العزيز بمأمورية ثانية سهلة ؟

ج : جل المراقبين مجمعون على أن المنتدى كان ناجحا وأنه حقق أهدافه الرئيسية.

الكرة الآن في مرمى النظام، فإما أن يستجيب للشروط المعقولة الواردة في البيان الختامي لأشغال المنتدى، والتي لا تتضمن مطالب تعجيزية، وإما أن يضرب بها عرض الحائط.

نحن بالمقابل ندرك تمام الإدراك أن ولد عبد العزيز لن يتخلى عن السلطة بالطرق السلمية وعن طريق صناديق الاقتراع مهما كلفه ذلك لما يخشاه من ملاحقة قضائية ومحاسبة جنائية على ما تلبس به من فساد، وما تورط فيه من جرائم اقتصادية, فإما أن يرفض شروط المنتدى وينظم انتخابات أحادية بمشاركة منافسين صوريين، يفوز فيها في الشوط الأول، وإما أن يستجيب لشروط المنتدى من أجل انتخابات تشاركية مع الإصرار على التزوير، وحينها لا أحد يمكنه أن يتنبأ بما ستصير إليه الأمور في ظل الأزمة الخطيرة والمتفاقمة التي تتخبط فيها موريتانيا حاليا.

س : يشاع أنكم من بين شخصيات موريتانية قليلة مؤهلة للترشح للرئاسة: هل تنوون التقدم في الانتخابات القادمة؟ وإن كان الجواب ب’نعم’ فعلى ما ذا تعولون؟

ج : طلب مني ذلك مرات عدة ولا شيء مستحيل، لكن بصفتي عضوا في منسقية المعارضة الديمقراطية أنا محكوم وملتزم بقراراتها:فهل ستشارك وإذا تم قرار المشاركة فهل بمرشح موحد أم بمرشحين متعددين ؟ لم يحسم شيء من ذلك لحد الساعة

س : يتعرض موقع موريتانيا المحايد بين جاريها الكبيرين المغرب والجزائر، لهزات بفعل نزاع الصحراء وتقلبات الموقف في أزواد وبفعل احتدام الاستقطاب الدولي في شبه المنطقة: ما هي نظرتكم لهذا الموضوع ؟

ج : إن موقع موريتانيا الإقليمي هو بالفعل موقع جد حساس وإستراتيجي، يعرضها لكثير من الأطماع والتجاذبات الدولية؛ فهي اليوم بحكم موقعها الجغرافي توجد في عين إعصار خطيرة سواء تعلق الأمر بالصراع المغربي الجزائري حول الصحراء، أو بتداعيات ما تشهده منطقة الساحل من اضطرابات جراء ملف الإرهاب.

أما بخصوص الملف الصحراوي فلا أحد في موريتانيا يفهم أحرى يتفهم بوادر العودة إلى الانحياز والاصطفاف في هذه القضية، إذ لا فائدة إطلاقا لموريتانيا في الانغماس من جديد في مستنقع هذا النزاع الذي سبب لها في الماضي الكثير من المتاعب والذي لم تخرج منه إلا بثمن باهظ ما زلنا نؤدي فاتورته ونعاني من مخلفاته السيئة، حيث كان وراء أول انقلاب عسكري عرفته البلاد والبوابة التي دخلت منها الأنظمة الاستبدادية الفاسدة.

وإذا كانت الحرب الماضية في الصحراء إبان السبعينيات ‘حرب تغيير حدود’، فإن الحرب القادمة إذا وقعت – لا قدر الله – فستكون يقينا ‘حرب تغيير وجود’..

س : كيف تنظرون للآفاق التي ترتسم أمام مستقبل موريتانيا في ظل ما تشهده ساحتها من اهتزازات وتحركات؟

ج : نظام الجنرال محمد ولد العزيز أدخل موريتانيا في دوامة من القلاقل والمشاكل العرقية والشرائحية، أكثر من غيره. إن التكهن بمصير البلد أمر صعب لتداخل عوامل منها ما يشهده الشعب الموريتاني حاليا من الوعي بحقوقه وأهمية الاستفادة من ثرواته الهائلة، ومنها الحركة الاجتماعية ذات المطلب الحقوقي التي أصبحت تنحو نحو العنف تدريجيا بسبب مراوغات النظام، ومنها إخفاق كل قطاعات الدولة التي تحولت إلى إدارة حانوتية لملء جيوب الرجل الحاكم..، لذا فإن البلد مرشح للدخول في دوامة مخاطر بسبب الإدارة الحانوتية للدولة ومصالحها.

القدس العربي