نساء فجر الإسلام: تجربة لفتها أيادي النسيان ...!!
الثلاثاء, 26 مارس 2013 09:32

 تربة بنت عمار تربة بنت عمار إن محاولة تقديم صورة كاملة عن نضالات وجولات النساء المسلمات للاتي شكل حضورهن معلمة من معالم العدالة في صدر الإسلام، أمر يحتاج لبحث معمق ولا يستطيع مقال من سطور إعطاء القضية حقها ، ذلك الحق الذي تجاهله المؤرخون، وللفقهاء منه موقف حذر..!!

 

وفي هذا السياق تقول د/ فاطمة المرنيسي المغربية المتخصصة في التاريخ الإسلامي : " ليس الرحلة نحو ماضينا وسيلة متعة وتعلم فحسب ، ولكنها تعطينا أفكارا ثمينة بشأن طريقة العيش بسعادة حين نكون نساء مسلمات وعربيات ، وهي خصائص ثلاث تقدم إلينا كمثلث شيطاني ، وهوة للخضوع ونكران للذات، تتلاشى في ظلماتها إرادتنا ..."(سلطانات منسيات ، ص :176 ،ترجمة فاطمة أرزويل ، نشر المركز الثقافي ، الدار البيضاء المغرب 2006).

 

إن حضور المرأة في السياسة والقتال والهجرة والبيعة والمشورة والتجارة والشعر ، مما أوردته كتب السيرة النبوية الصحيحة مثل" سيرة أبن هشام " المنقولة عن أبن إسحاق ، كانت حقائق تاريخية لا تستطيع حملة التغيب والتشويه والتحريف التي تعامل بها المؤرخون مع حضور المرأة أن تخفيها ، إن طمس تلك الحقائق التاريخية التي ثبتت في أكثر كتب السيرة مصداقية عند جمهور المسلمين ،ذلك الطمس الذي تم من طرف الذين تعاملوا مع تلك الفترة في ناحيتها النسائية بنوع من التجاهل ولا مبالات ، بدل الوقوف بإجلال لعظمة هذا الدين الجديد ، الذي كانت المرأة أولى المستجيبين له .

 

وكان النساء في العهد الجاهلي هن أكبر الضحايا ، مما جعلهن أيضا من أكثر المستفيدين من تلك الرسالة الخالدة ...!!.

 

لقد تجلى بوضوح تام أسس العدالة التي أرسى دعائمها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأثبتت المرأة في ذلك العهد أهليتها للمشاركة في ذلك التحرر وتلك الصحوة ...!!.

 

إنه لمن المستغرب جدا أن غالبية المؤرخين وبعضا من أصحاب الفقه المسيطر قد تجاهلا ما قامت به المرأة في العهد النبوي ، وما قدمه الرسول المعظم لها من تشجيع رغم قرب عهدها بالوأد والتغيب والحيف ...!!!.

 

إن حضور المرأة في السياسة التي تفنن بعض الفقهاء في جعل السياسة ساحة حراما على المرأة ، أثبتت كتب السيرة حضور امرأتين من الأنصار لبيعة العقبة الثانية صحبة نخبة من رجال الأوس والخزرج ، وكانتا المرأتين : نسيبة بنت كعب وأسماء بنت عمرو ، قد حضرتا هذا الاجتماع ذو لأهمية القصوى ومع ذلك كان تمثيل النساء قد تم مع هاتين السيدتين ، ولم يشكل حضورهن أي معارضة من طرف الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذي أعتبر أنهما جزء من كيان بشري مستهدف بهذه الرسالة ، وأنهما أعضاء ضمن هذه المجموعة ، ولم يلتفت للأنوثة التي أصبحت بعد ذلك العهد سببا كافيا ومبررا دينيا لإبعادهن عن هذا النوع من المجالس الرجالية الخاصة ...!!.

 

إن هذه الحادثة رغم أهميتها قد طوتها رفوف مكتبات عصر التدوين، دون أن تكون محل إشادة بصلاحية المرأة وأهليتها للمشاركة في البنود السياسية ذات الحساسية الظرفية الخاصة ، مثل ملابسات التهيئة للهجرة من مكة إلى المدينة تحت السرية التامة عن جبروت وطغيان وثنيي قريش ...!!.

 

إن عصر التدوين الذي كتب بعقلية ذكورية ، لم تستوقفه هذه الحادثة ، حتى دخلنا عصور الانحطاط وظلامية الفهم والتفكير ...!!.

 

أما عن القتال فإن سيدات فجر الإسلام كان لهن حضورهن في ساحة الوغى ، الشيء الذي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يشيد به في وقعة أحد ، وذلك مع نسيبة بنت كعب ، هذه السيدة نفسها التي حضرت للعقبة الثانية ، فالثقة التي نالتها من حضورها ذلك الاجتماع غذت طموحها ليتطور إلى ميدان النزال ومقارعة الرجال ...!!.

 

أما نسوة بني غفار للواتي عرضن مشاركتهن القتالية على الرسول صلى الله عليه وسلم ، في فتح خيبر، مما وضح قدرتهن وفعالية مشاركتهن ، وقد أبلين بلاء حسنا في ساحة القتال .

 

أما عن الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة فإن النساء انطلاقا من إيمانهن وحرية اختيارهن ، فقد شكلت هجرتهن مرحلة هامة من تاريخ حرية المرأة ، حيث انطلقت مسيرة النساء المؤمنات الفارات بدينهن من كفر قريش ، ليثبتن قدرتهن على التحدي رغم نباح كلاب الجاهلية ، التي ما فتأ نباحها يلاحق تلك المسيرة النسائية الصادقة والصارمة ، فواصلت القافلة سيرها لتشارك المرأة في بناء الدولة الإسلامية ...!!.

 

وقد بايعن الرسول صلى الهر عليه وسلم باستقلالية منفصلة عن رجالهن ، وكان لوظيفة الاستشارة دور خلدت به نساء فجر الإسلام تجربتهن لصلاحية رأيهن ، وذلك في قصة أمنا أم سلمة التي عرضت رأيها على الرسول المعظم ، في صلح الحديبية وكانت مشورتها مباركة وميمونة على المسلمين .

 

كما كان لتجارة النساء ودخولهن عالم المال والأعمال حضور في مشهد العهد النبوي المشرق ، فأمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، آزرت البعثة في أصعب مراحلها بمالها وتجارتها ، وكانت الشفاء بنت عبد الله تتولى حسبة سوق المدينة ، رغم وجود الرجال وكفائتهم ، لكن التشريع أقتضى تلك المشاركة النسائية الرائدة ، وكانت تلك الوظيفة تشبه وزارة المالية وجباية الضرائب .

 

أما الشعر والخطابة فقد بارك الرسول المعظم إنتاج الخنساء الشعري التي ظلت تنشده للفاتحين الإسلاميين أيام الفتح ، وفي وقعة القادسية بالذات (14هـ)...

 

فأين نحن من هذه الثورة الإصلاحية التي أسست للعدل والمساواة ؟ وكيف لفتها أيادي النسيان عندما تولى الرجال مهمة التدوين في عصر خاص بالنسبة للمرأة العربية ؟

 

تربة بنت عمار