عدد نوفمبرمن الدرب العربي يتناول مواضيع بالغة الأهمية
الأحد, 01 نوفمبر 2015 01:19

altaltأين الحوار الموعود؟..

 

هذا هو السؤال الذي يتردد على أكثر من لسان ، في الرأي العام الوطني،  هذه الأيام ؛ بل إن جمهورا معتبرا من المهتمين بالشأن السياسي الوطني تتملكهم الدهشة حيال هذا الحوار ، الذي كان من المقرر أن تنعقد أولى جلساته في العشرين من 

أكتوبر الماضي ، وبمن " حضر" من الفرقاء والأطراف السياسية المعنية بالتجاذب السياسي الذي يضرب البلاد ، منذ العام  2009 ، إثر انقلاب الرئيس الحالي على الرئيس المنتخب ، سيدس ولد الشيخ عبد الله.  ومما حير المراقبين ، ليس في عدم انعقاد جلسات الحوار في حد ذاتها، بل في الصمت الرسمي المطبق  حوله.

فأركان النظام  كانوا يبدون إصرارا كبيرا على عقده " بمن حضر"، وفي تنفيذ مخرجاته ، مهما كان حجم وأهمية المتغيبون عنه.

والأدهش من ذلك أن الإعلام الرسمي لم يبد اهتماما بهذا التاريخ  على أي نحو كان، مع أنه كان معبئا قبل ذلك لحشد أكبر عدد من الفاعلين السياسيين لحضور هذا الحوار ، وعقد أكثر من ندوة تلفزيونية عن أهميته الوطنية  وقيمته الحضارية . فلماذا تبخر الحوار ، ولما ذا تبخر الحديث الرسمي عنه؟..

إنه يكاد المرء  يجازف بالقول إن الإعلام الرسمي  تلقى تعليمات، من جهة ما، بعدم الخوض مطلقا في هذا الحوار ولا في أسباب اختفاء جلساته. فهل تأجل تاريخه  في أمل أن يقتنع المنتدى الوطني للديموقراطية والوحدة، الذي يقود المعارضة الموريتانية ، بالمشاركة في هذا الحوار؟.. أم أنه ألغي ، من أساسه، لعدم تمكن الأغلبية من اقناع  الناس بحوار لا تشارك المعارضة   الجادة  فيه، بحسب محللين سياسيين مقربين من المنتدى؟..

إن تبخر الحوار ، بهذه الطريقة غير المقنعة، كما هي العادة، أنعش أصحاب القيل والقال ومهد الطريق سالكا أمام الشائعات ، التي لا طائل من ورائها، وليس لأحد القدرة على فحصها والتثبت من مصداقيتها.

فالشائعات، بطبيعتها، متضاربة  لأن من بينها ما مصدره مخابرات السلطة ، ومنها ما مصدره " خلايا الترويج الإعلامي" التابعة لبعض أحزاب المعارضة  في المنتدى.

  وأيا كان الأمر، وفي غياب معلومات رسمية حول أسباب عدم انعقاد جلسات الحوار الموعود ، ثمة شائعات تقول إن الرئيس الحالي كان مصرا على الحوار بهدف فرض مناورة تجمعه برموز المعارضة في المنتدى ؛ مناورة تمكنه من شرعنة  مراجعة  دستور البلاد وتتيح له فتح المأموريات الرئاسية المحدودة " بمرتين فقط" .

غير أن فشل هذه المناورة  مرتين متتاليتين، مضاف إليه  ما تتداوله الأوساط الإعلامية من رفض فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية للمساس بالمأموريات الرئاسية ، أربك ، تقول هذه الشائعات، معسكر النظام  ووضعه في أضيق حيز ، حتى باتت مناورته ذاتها ، بالحوار، تشكل احراجا لأنصاره  وتخبطا في تبريراتهم لعدم انعاقد جلسات الحوار. فهل هذا صحيح؟.. وحده  النظام يمتلك الإجابة في الأيام القادمة..

ولكن ما تملكه كل الأطراف، اليوم، وربما يتفلت منها غدا، هو ترك المناورات بمصير وطنها بعقد حوار حقيقي وجاد يجنب البلاد ما لن يكون في مصلحة أي منها، إذا استمرت الأحوال على ما هي عليه..  

               حول تدخل جيشنا في حرب اليمن..( نعم.. ولا.)

يبدو أن الشكوك حول إرسال الحكومة  الموريتانية لبضع مئات من الجيش الوطني للمشاركة في التحالف العربي - الذي يخوض حربا ضارية ضد جماعة الحوثي وحلفائه من  أنصار الرئيس السابق، علي عبد الله صالح في الجيش اليمني – يبدو أن هذه الشكوك قطعها اليقين . فالمصادر المقربة من الحكومة تؤكد أن العمل يجري لفرز هذه القوات، وإن كانت بعض المصادر تتحدث عن رفض الجنود للذهاب  إلى الموت خارج البلاد ، في مقابل "صفقات  مالية" تعود إلى جيوب الجنيرالات .

 

وبحسب ما هو رائج في العاصمة أن الصراع قائم بين كبار الضباط حول "المحظوظين" بالذهاب في مهمة اليمن. وأيا يكن الأمر في صحة أي من هذه المصادر المتضاربة، فإن قطاعا واسعا من الشعب الموريتاني يدعم ، بكل قوة، الإخوة  في دول  الخليج العربي في تصديهم لرياح الصفويين  في إيران- الملالي،   الذين يسعون لابتلاع  دول الخليج العربي عبر التركيز على نشر الطائفية والمذهبية الزائفة  بين مكونات  المجتمع العربي ، وبث الأحقاد فيها وتحريض بعضها على قتال بعض ،لإضعاف هذه الأقطار وبسط الهيمنة عليها، إشباعا لطموح امبراطوري فارسي تاريخي ، وانتقاما من اسلام حمل لواءه عرب  أقحاح ، وحطموا به قلاع الامبراطورية الفارسية المجوسية. غير أن قطاعات واسعة من الموريتانيين، بصرف النظر عن المبدأ، ليست راضية عن (طريقة مشاركة )الجيش الموريتاني في هذا الجهد القومي لصد العدوان الإيراني عن دول الخليج عموما، والشعب اليمني خصوصا.  فالموريتانيون يعتقدون أنه كان من الأنسب ، وطنيا وقوميا ودوليا ( طبقا لقواعد القانون الدولي) أن تكون هذه المشاركة العسكرية تحت عنوان " مساعدة موريتانيا" في مواجهة التمدد الإيراني السافر في الدول العربية  ، أو أنها تتدخل لمساعدة الشعب اليمني على استرجاع مؤسساته الشرعية والدستورية .

 

كذلك، كان من الأنسب مواكبة هذه المشاركة بموقف إعلامي صريح من الحكومة الموريتانية  تشرح فيه أسباب انضمامها إلى هذا التحالف العربي ، حتى يكون الرأي العام الموريتاني  على علم من إرسال أبنائه  في مهمة الحرب في اليمن ، التي تشترك فيها دول عربية . فلو أن الأمر جاء على هذا النحو الصريح ، لحظيت هذه المشاركة بقدر مريح من القبول الوطني ، سياسيا وشعبيا. أما أن تأتي هذه المشاركة   ملفوفة بالغموض ، ويجري تسريبها  بالشائعات ، وفي سياق الحديث عن صفقة مالية بين الحكومة الموريتانية والمملكة العربية السعودية  مقابل إرسال الأولى لبعض قواتها  إلى اليمن  ،  فإن قطاعا كبيرا من الموريتانيين يرفضون وضع أبناء جيشهم  في وضعية المرتزقة ، ويعتبرون أن جيشا يقاتل أفراده من أجل المال  لا يستحق الاحترام ، ولن تكون له معنويات يقاتل بها، وليس لهم شرف يعودون به..

التدخل الروسي ..لا تحسبوه شرا محضا.. صحيح أنه ما من مشهد أكثر إيلاما لأبناء أمتنا من تكالب أمم الأرض عليها بظلم سافر ورغبة مجنونة  ومطاعة من أكابر المجرمين ، في هذه الأمم، لتحطيم العرب خصوصا، والمسلمين عموما.  وبخاصة أن هذا التكالب ما عاد يوفر أمة من الأمم عن العدوان والمجاهرة بالعدوان والانخراط في تنفيذ فصوله المرسومة  لكل واحدة منها .

ويبدو أن بعض العرب كانوا مخدوعين في بعض هذه الأمم ، بل ربما اعتقدوا – مدفوعين بوهم تاريخي -  أن الروس  ليسوا أصحاب نزعة عدوانية استعمارية  مثلما هو الحال بالنسبة للغرب الامبريالي، وخاصة أمريكا  التي تميزت بالوقاحة في سلوكها العدواني والتوسعي .

بل إن بعض هذه النخب العربية  ظلت ، إلى وقت قريب ، تطرح الاتحاد الروسي كبلد صديق للعرب والشعوب التقدمية والمتحررة .

بيد أن هذه النخب العربية المفتونة بالدببة الروس كانت مأزومة  بعقول منكسة ، لا تدرك الأشياء إلا بالمقلوب . فأصحاب العقول البطيئة  تظل تكذب  بصفة الإحراق في النار إلى أن يمسها اللهب ، أي إلى  أن تصبح الأمور وقائع على الأرض. 

أما المبصرون في التاريخ يعرفون أن النار كامنة في الحجارة وفي الشجر الأخضر. ولذلك، يعرفون  أن القياصرة الروس  نار مختبئة في أدمغة الروس الماركسيين، وأنها جاهزة فقط لمن  يقدحها. 

وها هو بوتين يقدحها ضد العرب والمسلمين ، تماما كما قدحها قبله المجرم بوش الحقير بحق الشعب العراقي، لينافسه في جرائمه الوحشية  ضد الشعب العربي السوري ، الذي لم يرتكب ذنبا إلا أنه ما عاد يتحمل أن يظل وحش كاسر يجثم على صدره يستأسد عليه و"يتأرنب" في وجه الغزاة الأمريكيين في العراق،  وقبلهم كان خانعا مستكينا لضباع الصهاينة  في الجولان لأكثر من أربعين عاما.

إن روسيا تأتي اليوم إلى الشعب السوري لتجرب أسلحتها الفتاكة  فيه ولتنقذ جبارا لا يشبع من لحم شعبه ولا يرتوي من دمائه .

غير أن هذا العدوان  الإجرامي بقدر ما فيه من ألم ، فإنه يكشف أن الأعداء يضطرون، تحت قوة الفعل المقاوم في العراق وسوريا، إلى إخراج آخر سهم  في كنانتهم  الجهنمية، ويبين أن أمريكا وإيران والكيان الصهيوني  وروسيا "سلة" واحدة وأن العميل " الأسد" انكشف  على حقيقته ، ولو بعد هذا الزمن الطويل، للعرب  والمسلمين الذين كانوا مخدوعين به وفي " مقاومته" و "قوميته" .

لقد تنفس حزب البعث  ، الذي عانى من سرقة اسمه وتعرض للظلم بسبب فجور عائلة " الأسد" العميلة الطائفية، الصعداء. 

وبهذا المعنى أن العدو قد استجمع كل قواه  في عدوانه ، فإن ذلك يعني أن هذه الأمة تكتنز من صفات العبقرية وفرادة الاقتدار ما يطمئن على مستقبلها  .

إذ في كل مرة ، عبر التاريخ العدواني لهذه الأمم، تؤكد الأمة وجودها بالمعاناة وقدرتها على المقاومة  والتصدي لأكثر من عدوان  ومن اكثر من أمة وفي أكثر من تاريخ. فلا غرابة ، إذن، في هذا التكالب ، الذي لن يتوقف إلا عندما تكف أمتنا عن الفاعلية ، أو عندما تنفصل تلك الأمم عن صفة العدوانية الملازمة لتاريخ بعضها، ونشأة بعض آخر..

لماذا البعث..؟

 

في الأعداد السابقة قدمنا حلقات مسلسلة مبسطة في أسلوبها ومكثفة في مضامينها عن حزب البعث العربي  ،وكانت متكاملة ومكملة لسلسلة أخرى عن الحزب  في المجلد الأول من " الدرب العربي" ، تحت عنوان ( رسالة إلى أخ من الفلان).

وقد تناولت تلك الحلقات، كما هي حال هذه، أسباب نشأة حزب البعث وتاريخه النضالي وأهدافه القومية وقاعدته الفكرية  والإيديولوجية لفائدة مؤيدي الحزب وأنصاره ، وخصوصا أولئك الذين يتطلعون إلى معرفة موضوعية عن الحزب، دون تعصب أو تحيز وخصومة تدفع ، في العادة، أصحابها إلى نشر صورة مزيفة ومحرفة للحزب بهدف تشويه مواقفه ومنطلقاته  الفكرية  في عيون الجماهير العربية  خصوصا والمسلمين عموما. 

وعندما بقي الحزب وحده في ساحة المنازلة الكبرى يواجه  مجموع الأعداء التاريخيين والإقليميين، و نكس الأدعياء ( من كل عنوان) شعاراتهم أمامهم، منذ تفردت أمريكا بالقرار العالمي وبالذات بعد احتلال العراق، تضاعفت حملات التشويه والتحريف ضد الحزب ورموزه، عبر طوفان من المقالات والمقابلات  المفترية على الحزب، حتى بات الكذب على حزب البعث  والافتراء عليه هو الممر الذي لا مفر منه لمن يريد الشهرة الإعلامية والوظيفة السياسية والتسهيل التجاري والرشوة المالية .

وكان الهدف من ذلك هو صد قوى الأمة الحية ، وخاصة من الشباب،   عن التعرف على المعدن الأصيل للحزب، وعن التفكير في هذا الحزب الذي يخوض هذه المعركة الحضارية القاسية وحده ، ويضحي  في سبيلها بأعلى قياداته وأسمى رموزه، دون أن يتراجع منهم أحد عن مبادئه، أو يندم على مصيره، طالما أنه مطمئن إلى عدالة قضيته  ومؤمن بواجب التضحية  لنصرة أمته  في وجه المعتدين الآثمين.

إنه لصحيح أن هذه الحلقات ليست بالعمق المطلوب و لا بالشمول الكافي لتثقيف القارئ عن حزب ، هذه مفاخره التاريخية. .

وإنما هي مجرد عناوين عامة على نشأة الحزب ومحطات من سفره النضالي الغني في مراحل تاريخية قومية غاية في الصعوبة والقسوة. فحزب البعث ،نضال ومعاناة وليس ثقافة نظرية تجريدية. ولذلك، لا يمكن لغير البعثي المنغمر في بحر نضاله القاسي أن يتفهم ثقافة الحزب أو أن يصبر على صيغ عمله.

فثقافة البعث هي خلاصات من عصارات المعاناة الحزبية ضد الظلم والظالمين في كل    قطر من أقطار الأمة. فهي تحصيل دائم من مقاومة الواقع الفاسد وصبر لا ينتهي على المكاره لتغييره.

وهذا ما يشق على غير البعثيين  أن يتحملوه أو يتصوروا حتى امكانيته. 

ولأن الناس ، بطبعهم، ميالون إلى أمثلة عملية تثبت  هذا القول في تميز البعثيين بالصبر، فإننا نعيد للأذهان ما آلت إليه الأمور في العراق ، بعد الاحتلال. فمن ذا الذي يقدر على مواجهة عدوان عالمي  شارك فيه جل الأقربين والأبعدين  وينتصر على أقوى وأشرس دولة ، مع حلفائها،  ودون نصير على وجه الاطلاق، إلا رجال البعث المتسلحين بالإيمان والصبر وثقافة المعاناة.. 

 

قومية السوننكي.. في موريتانيا.

 

في نهاية السلسلة الحلقية عن قومية السوننكي في موريتانيا ، تبين لمن لم  تكن له معرفة موضوعية عن هذه القومية أن مجتمع السوننكي مجتمع من أقدم الأعراق التي تعاقبت في هذا المجال ، الذي يطلق عليه اليوم- موريتانيا. بل إن شعب السوننكي كان له أعظم الأثر في عمارة وتاريخ هذا الإقليم بإقامته مملكة عظيمة ، هي مملكة غانا ذات الجذور التاريخية الضاربة في الشهرة.

وقد واصل هذا الشعب فاعليته التاريخية والثقافية والحضارية والاقتصادية ضمن سياق الحركة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لعموم المجتمع الموريتاني ، وظل يتفاعل بمنتهى الايجابية مع باقي مكونات هذا المجتمع في مختلف القضايا الوطنية. فقد ساهم السوننكيون ، بكل اخلاص، في نشر الثقافة الاسلامية والعربية عبر محاظرهم  وكتاتيبهم الكثيرة المنتشرة في غورغول وكيدي ماغة ، صعودا في اتجاه الحدود الموريتانية المالية ؛ بل إنهم أحاطوا اللغة العربية بكل عناية ورعاية وتقدير حتى بلغت عندهم درجة التقديس، كونها لغة القرآن وعلوم الاسلام. يقول الباحث السوننكي علي بكر سيسي: " يبدو أن التأثر والتأثير بين ثقافات وآداب المكونات الاجتماعية في موريتانيا واضحا جليا لمن له اهتمام بهذا المجال.

فلو أخذنا الموسيقى كمثال واحد لكفانا مشقة التتبع والتكلف [...] مما ينبئ عن اندماج وتفاعل اجتماعي منقطع النظير مرت عليه هذه المكونات في غابر أيامها ، مبرهنا ،بذلك، أن التنوع العرقي في هذا المجال لم يكن تنوع تضاد ؛ بل كان تنوع إغناء وثراء...". ونحن، في حزب البعث،  نقول كم يحتاج الموريتانيون  إلى بعث تلك الأيام الغابرة بكل معانيها الحضارية والانسانية ومآثرها الخالدة  ، وكم نحن في أمس الحاجة إلى ذلك التفاعل والاحترام والود بين ثقافاتنا على قاعدة الاختلاف والتنوع والتعدد المؤسس على الدين الواحد  والتاريخ الموحد والجغرافيا الجامعة  والأعراق المتداخلة والقلوب المفتوحة ، المفعمة بالحب والتسامح والمصير المشترك ، بما يعنيه ذلك من توجيه صفعة ، تاريخية ثقافية  وحضارية، للمستعمر الفرنسي البغيض على قفاه..  

  الدين .. والخديعة بالدين.2

والدعاة المقصودون ، هنا،  هي جماعة الدعوة "المقننة" على الطريقة الباكستانية، المعروفة  عند العامة بهذا الاسم.   فهذه  الجماعة  تعلن اعتزالها للسياسة في الظاهر، و الله يتولى السرائر وتعلن تمحضها لخدمة الدين وتجنبها للتجاذب الدائر بين " تيارات الأمة الاسلامية". وهي جماعة تتحلى بروح السلمية والوداعة وتجنب الصراع .  

ولكن المتتبع لها  يلاحظ: أنها حريصة على" تكنيك " بسيط في ظاهره ، عميق في جوهره . إنه "تكنيك الخروج"، الذي يتضمن استدراج إخراج "العنصر المستهدف" من كل تأثير للبيئة المحيطة به وإخضاعه لعملية غسل الدماغ من كل فكر سابق في بيئة لا تأثير فيها إلا لرجال "الدعاة" ، فيما يسمى ب" الخروج". . والمتمعن في عملية غسل الدماغ، هذه، يرى أن التركيز يتم "بتنقية" كل ماله صلة بالدنيا الفانية بمجملها والترغيب في ما في الآخرة، إجمالا. وهذا الإجمال يتضمن حمل " العنصر المستهدف" على ترك قناعاته الفكرية السابقة بحجة أنها من شؤون الدنيا الزائلة التي لا تستحق العناية من " المسلم" ، الذي كأنه خلق حصرا للآخرة. ومن هنا يستدرج " العنصر المستهدف" دون وعي منه إلى التخلي عن أفكاره السابقة ، مهما كانت دينية أو دنيوية، تدريجيا ، ودون أن يسمع هجوما لفظيا عليها بذاتها ، أو أن يطلب منه التأييد لفكر بديل عنها، إلا الترغيب في الآخرة ، التي تقتضي ، عند هؤلاء، تطليق الدنيا وما فيها. وبتكرار  "عملية الخروج"  التي يحرصون عليها حرصهم على أثمن ما يتمسكون به ، يتولى عناصر من "الدعاة" متخصصون جدا في غسل الأدمغة وفي دغدغة العاطفة الدينية متابعة "العنصر المستهدف"، بشكل متكرر ومكثف، حتى يبلغ درجة "النقاء"  التام من الأفكار السابقة ، فيصار إلى إدخال الأفكار الجديدة ، التي يمتص " العنصر الطريد"  معانيها ويتماهى معها.

وعندئذ، يحدث له ما يحصل للشخص بعد موته. الملاحظة الثانية في عمل هؤلاء- وهي ما لا نراه عند دعاة كبار، عندنا في موريتانيا، مثل    محمد ولد سيدي يحيا، أو الدعاة على منهج التصوف- أن الدعاة على الطريقة الباكستانية حريصون على تقييد أسماء "الخارجين" .

وهذا قد يعني وجود تقارير تتضمن هذه الأسماء وعددهم ،ومن بعد تصنيفهم العمري والعلمي. والتقارير، عادة، تعطي الاستنتاج  بوجود جهات أعلى ترفع إليها هذه التقارير للاطلاع عليها، أي على عدد الأتباع " والمتابعين" ، وبالتالي وجود تسلسل هرمي للقيادات، بالضرورة، ، ومحطات لصنع القرار ( أي تنظيم). والتنظيم ، كما هو معروف، رافعة للعمل السياسي أو العسكري أو الإداري. والسؤال المطروح على هؤلاء " الدعاة" هو أنه: إذا كانت "الدعوة" خالصة لوجه الله ، فلماذا الحرص على إخراج " العناصر" برغم ما يشتمل عليه هذا الخروج ، احيانا، من تفريط في حقوق أكيدة جدا في الاسلام، مثل رعاية الأبناء، والزوجات والوالدين ...؟.. ولماذا الحاجة إلى كتابة أسماء "الخارجين" ، طالما أن الله يعلم السر وأخفى وعليه قصد السبيل؟ .ولماذا غياب بنود الحقوق والمعاملات  من حلق "هؤلاء" ، مثل بر الوالدين ورعاية الأبناء، التي قد يتسبب "تكنيك الخروج" في التفريط بها؟.. و كذلك غياب الحث على الانفاق على الفقراء والوفاء بالعهود  والعقود وتأدية الأمانات وحرمة الدم وإزهاق الأنفس، بغير حق، ... وخلق مشاريع الحياة الكريمة للناس ، وهي التي يعاني المسلمون في هذا الزمان من ضياعها؟... ولماذا غياب الاهتمام  بمعاناة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والاقتصار، في التوعية والموعظة والعبادة، على التفكر في ملكوت السماوات والأرض، وزوال الدنيا ؟.. ما نريد التأكيد عليه، في هذه العجالة، هو أن الدين لا غنى عنه للبشرية ، ولكن المصيبة التي تواجه المسلمين في هذا العصر هي نفسها مصيبة فوضى الخطاب الديني؛( الإخوان، الدعوة والتبليغ، التحرير والتكفير، شباب المجاهدين، الشباب الاسلامي،  القاعدة، داعش،... واللائحة طويلة جدا، هذا دون العناوين الاسلامية الأخرى في المذهب الشيعي، التي تحالفت كلها مع المحتلين الأمريكيين والإيرانيين لبلدهم، العراق)هذه الفوضى التي عصفت ،من قبل، بالمسيحيين في القرون الوسطى ، وقادت إلى ردات فعل قاسية وظالمة ضد الدين، من أصله،  ، جراء خلط "رجال الدين" لمصالحهم بالدين نفسه، حتى أصبح الوقوف في وجه هذه المصالح غير المشروعة ، وقوفا ضد الدين.

وهذا هو بالضبط ما تقوم به مختلف جماعات "الاسلام السياسي" بكل مسمياتها، سنية وشيعية، ،عبر فوضى الفتاوي الدينية وظاهرة التخلق المستمر للفصائل والمليشيات الدينية ، التي ينفي بعضها بعضا، ويلعن بعضها بعضا ويقتل بعضها بعضا، في صيرورة عدمية ، لا نهاية لها.

إنما نؤكد عليه، بإلحاح من جانب آخر، هو أنه ليس كل من تظاهر بالدين يبتغي الدين: فبقدر ما نتمسك بالدين الخالص لله ، نشدد الاحتراس من الوقوع في شراك أصحاب "التمظهر" أو الخديعة بالدين، بغية تحقيق مصالح مادية ومكاسب  سياسية و أجندات إيديولوجية..

 

ضيف العدد

الدرب العربي تستضيف في هذا العدد ضيفا غامضا ما يزال يحير الأغبياء في السياسة الدولية، وهم الأكثرية من متابعي وسائل الإعلام العالمية .

هذا الضيف  اللغز هو " داعشّ".

- الدرب العربي : من هو " داعش" ؟

-  داعش  : أنا لا يسعني تعريف ولا يحاصرني تصنيف.

- الدرب العربي :فمن هو داعش، إذن؟

-  داعش  :أنا اليوم "داعش"، وغدا " عاتد" وبعد غد " ماحق" ؛ وهكذا تستمر هذه السلسلة الاسمية حتى يأتي اليوم الذي أجاهر فيه باسمي وهدفي على نحو لا لبس ولا غموض فيه.

- الدرب العربي : متى ذلك، وما ذا سيكون اسمك؟.

-  داعش: ذلك عندما تنجح  إيران في خططها الرهيبة لإفناء المسلمين في العالم بالاقتتال البيني باسم المذهبية الشيعية والسنية، بالاشتراك المباشر للقوى الصليبية الغربية والشرقية والماسونية الدولية والصهيونية  العالمية والطورانية العثمانية.

هذا الهدف الذي بدأ تنفيذه بغزو العراق ، وتجري فصوله المكملة في سوريا واليمن  ودول الخليج العربي.

عندئذ، يصبح اسمي الحقيقي والنهائي: " عاتع".

- الدرب العربي : ما هو " عاتع"؟

-  داعش: هو التحالف العالمي لإبادة العرب.

- الدرب العربي :إبادتهم كبشر؟

 

-  داعش: إبادتهم كبشر وكثقافة وحضارة ودين وقيم وهوية ومناصرين وحلفاء ومتعاطفين ، وتحطيم كل ماله صلة بتلك الحضارة التي دامت أكثر مما يتحمل هذا الخليط الحضاري،هذا هو الهدف التاريخي المشترك بين هذه القوى العالمية المتحالفة ،وهو مشترك مقدس، وأسمى من أي عنوان آخر، ويهون تجاوز كل خلاف  في سبيله . نحن .. والحمى

 

اجتاحت الوطن خلال الأشهر الثلاثة الماضية حمى شديدة لم يسلم منها بيت حتى سماها البعض حمى الأسرة لأنها تصيب جميع أفراد الأسرة في وقت واحد..؛ صحيح أنها ابتلاءات من الله تعالى ونحن مطالبون بالصبر وطلب الفرج والتوكل.. لكن الأخذ بالأسباب لا ينافى التوكل.. لذلك كان التعامل مع هذه المحنة دون المستوى المطلوب رسميا؛ حيث كشفت هذه الأزمة البسيطة مقارنة مع أوبئة أخطر وأسرع انتشارا أن البنية التحتية الصحية ضعيفة؛ والكوادر الطبية ناقصة؛ والأدوات والمستلزمات محدودة.. بعض المستشفيات في العاصمة اعتذر عن استقبال المرضى بسبب الاكتظاظ : العيادات الخاصة كانت ممتلئة تماما..؛ هذه المحنة تجعلنا نخرج بمجموعة من الملاحظات يجب أخذها بعين الاعتبار في قادم الأيام..

- ضرورة تعزيز وتوسعة البنية التحتية الصحية؛ و توفير المستلزمات الطبية الضرورية تحسبا لأي طارئ.؛

- التوعية الصحية حول المرض ومسبباته وكيفية الوقاية منه و توزيع المنشورات و المطويات التي توضح ذلك ضمن حملة وطنية شاملة تستشعر الخطر. وهذا لم يحصل خلال الأشهر الماضية التي دفع المواطن خلالها من صحته وماله الكثير.

- دور منظمات المجتمع المدني في هذه الحالات كبير وأساسي ويجب أن يتكامل مع الأدوار الرسمية لتحقيق الفائدة والتخفيف من معاناة الناس.

- تنمية وتطوير ثقافة النظافة، فلا أحد يهتم بالنظافة وهي من أولويات الوقاية من الأمراض حيث أن البكتيريا والجراثيم تجد الظروف المناسبة للتكاثر والحياة بين الأوساخ فمن الضروري الاهتمام بنظافة الجسم والمحيط.

عموما، في أوقات الأزمات نكون بحاجة للفعل الايجابي السريع الذي ينعكس علي حياة المواطنين بشكل مباشر فيخفف من آلامهم و يواسيهم كما أننا بحاجة إلي تحديد المسؤول عن الأخطاء و التقصير ومحاسبته.