"اللي اختشوا ماتوا"
الخميس, 08 أكتوبر 2015 10:36

altaltلا ينقضي عجبك وأنت تتابع الإطلالات المتكررة للعقيد المتقاعد اعل ولد محمد فال على الإذاعات المحلية والدولية، وهو يتحدث عن مفردات جديدة في قاموسه "النضالي" من قبيل الغيرة على أملاك الدولة والديمقراطية والتناوب السلمي، والدعوة للشفافية، وترشيد المال العام، والذود عن حقوق الإنسان والحريات العامة.. إلخ..

في نوفمبر من العام 2006 حينما كان العقيد اعل رئيسا بـ"الصدفة" للمجلس العسكري للعدالة والديمقراطية استصدر الرجل لنفسه سندا عقاريا لمحمية "طبيعية" في مقاطعة توجنين على مسافة 430.000 متر مربع دون المرور بالإجراءات الإدارية المعهودة... وللمرء أن يتصور كم أسرة من سكان أحياء الصفيح كانت ستؤويها هذه الأراضي الشاسعة التي اقتطعها الرئيس المدير العام للأمن لنفسه، لو قُسمت على الفقراء بعدالة.. المؤكد أن الرقم يفوق 3500 عائلة، إذا احتسبنا 120 متر مربع لكل أسرة.

للرئيس السابق ولع غير محدود بجمع العملات والقطع الأرضية وبناء الأسواق والعمارات، وهي هواية ولدت مع وصوله الإدارة العامة للأمن الوطني منتصف ثمانينات القرن الماضي، فلم تمض سنوات قليلة حتى انتصبت أسواق المدير العام للأمن في مقاطعات: عرفات، الميناء، السبخة، وتوجنين، إضافة لعشرات المنازل المنتشرة في جميع أحياء العاصمة..

لذلك لن يستغرب أحدنا أحاديث الرئيس السابق التي لا تنقطع عن الأرض والقطع الأرضية والممتلكات، فـ"ما في نفسك يدلك على الآخرين".. وسنكون منصفين لو قدم لنا الرئيس اعل أرقاما ومعلومات يمكن الركون إليها في سلسلة الاتهامات التي يطلق فيها العنان لخياله المجنح، لكن الرجل يقتفي آثار أحد رعاياه السابقين الوالي محمد ولد اخليل، حين يحاول تبرئة نفسه مما لعق بها من أدران، عبر سوق الاتهامات وكيلها للآخرين.. ولو أنصف الدهر لما تحدث ولد اخليل أو ولد محمد فال في أمور كهذه، وقديما قيل "اللي اختشوا ماتوا".

تلاحق الرئيس السابق عدة تهم من بينها اختفاء 400 مليون دولار أمريكي خلال الفترة الانتقالية الأولى 2005-2007 والعهدة هنا على وزير الشؤون الاقتصادية الأسبق، مدير البنك الإفريقي للتنمية حاليا، الذي قال إنهم لم يقفوا لها على أثر ولم يجدوا ما يبرر صرفها.

هذا في الجانب المتعلق بالممتلكات العامة، أما عن "الحريات" في عهد نظام العقيد فحدث ولا حرج، ولن تعدم معوقا هنا أو قتيلا هناك بسبب تعذيب زبانية مدير الأمن، الذي ولغ في دماء الموريتانيين عقودا من الزمن، كان فيها الجلاد، والمحقق، والقاضي في نفس الوقت، ولعل في سجلات سجون ولاتة وتيشيت واجريده، ولعيون، ما يغني عن كل حديث..

لا نريد هنا نكأ الجراح ولا إثارة قضايا طواها الزمن في دفتر أيامه، لكن الشيئ بالشيئ يذكر، والأحداث تستدعي بعضها بعضا..

تحدث الرجل في آخر لقاء إذاعي مع إذاعة فرنسا الدولية عن ضرورة حل كتيبة الأمن الرئاسي، والكتيبة هي ذاتها التي حمت العقيد وولي نعمته في 2003، وهي التي ترابط وحداتها اليوم في الحدود مع مالي والجزائر، درعا للوطن وذودا عن حياضه، وهي ذات الكتيبة التي تصدت للعصابات الإرهابية على مشارف نواكشوط والعقيد يغط في نوم هادئ داخل قصره المنيف.

يقول العقيد المتقاعد إن النظام يغض الطرف عن تجنيد داعش للشباب الموريتانيين ربما خوفا من هذا التنظيم، أو لغياب استيراتيجية واضحة لمواجهته، ولا ندري من أين استقى المدير معلوماته، إن لم يكن الخرف السياسي والفكري فمن يكون إذن؟ فموريتانيا استطاعت خلال ظرف وجيز القضاء على الإرهاب، وباتت مقاربتها الأمنية نموذجا يحتذى في شبه المنطقة.

لا يجد العقيد اعلي حرجا في التهكم على الحوار الوطني، ويصفه بأنه "مجرد محاولة لكسب الوقت".. كلام سليم ورائع لو صدر عن شخص يفهم للحوار معنى، أما أن يكون المتحدث هو مدير الأمن الوطني في سنوات الجمر فتلك لعمري أم الرزايا..

سيدي محمد ولد ابه

[email protected]