الحوار المنشود في موريتانيا
الاثنين, 05 أكتوبر 2015 14:11

 بقلم: عبد الصمد ولد أمبارك بقلم: عبد الصمد ولد أمباركالحوار أسلوب ديمقراطي و حضاري ، يتم اللجوء إليه وفقا لضوابط ومؤهلات حسب ظروف الزمان والمكان ، لحل الإشكاليات المطروحة ،سبيلا لتجاوز العقبات القائمة وتذليل الصعاب بين كافة الأطراف ، مهما كان مصدرها ومرجعيتها الإيديولوجية وحتى خلفيتها السوسيو اقتصادية. 

في موريتانيا أثبتت التجارب المنصرمة ميل الكيان الموريتاني إلى الحوار والتفاهم انطلاقا من عدة مؤشرات ، يأتي في مقدمتها العامل الديني والتركيبة الاجتماعية و السياسية والبنية الاقتصادية للمجتمع الموريتاني.

 

فالقاموس السياسي المحلي يؤكد خيار الموريتانيين للحوار كأسلوب مدني متحضر ،مكنهم في الماضي من الجلوس على طاولة واحدة ،لسد الثغرات وتضييق الهوة القائمة بين كافة الفرقاء السياسيين ، كما برهنت على ذلك مجمل محطات الأحداث التي عرفتها البلاد : مثل مؤتمر ألاك ، الحوار مع حركة الكادحين ، الحوار الاجتماعي مع مختلف التنظيمات النقابية ، الأيام الوطنية للتشاور، المنتديات العامة للديمقراطية ، اتفاق دكار و أخيرا الحوار الوطني بين الأغلبية و بعض أحزاب المعارضة الديمقراطية سنة 2011 م ، انبثقت عنه توصيات و مقترحات ،جسدت فيما بعد بقوانين أصبحت سارية المفعول،حيث أصبحت حلقة فاصلة في تطوير النموذج الديمقراطي الحديث العهد في البلاد .

 

إن المرحلة الحالية تفرض على جميع أفراد المجتمع السياسي الموريتاني إحداث تحول ديمقراطي في المشاركة السياسية الذاتية و الجماعية ، وذلك من أجل إنجاز المهام المصيرية كضمان الأمن و الاستقرار و الحفاظ على الوحدة الوطنية و تحقيق مستوى مرضي من التنمية ، كما يتحتم على النخب السياسية الوطنية أن تنحي جانبا الأغراض الشخصية و أن تبحث المشكلات الحقيقية التي تعيق التحول الديمقراطي ، فبقدر ما ينجح الجميع في التحلي بالمسؤولية وتقديم المصلحة العامة على المصالح الضيقة بقدر ما يرتفع مستوى التفاهم بين الفرقاء السياسيين و تضيق الهوة بينهم. فالمشهد السياسي يطبعه الكثير من الأختلالات البنيوية التي قلما أنبري بها بعض الزعامات و المكونات الأساسية في منظومتنا السياسية ،اتجاه القناعات و المصالح العليا للبلد ،في ظرفية تتطلب تماسك الصفوف و تقوية الجبهة الداخلية ضد كافة الاحتمالات المرتقبة من مواقف قد تزعزع الأمن و الاستقرار ، اللذان يعتبران أهم المكاسب في مرحلة ما بعد الربيع العربي و عملية التحديث السياسي ،التي بدأ العالم يتعاطى معها بإيجابية ،سبيلا الي قطع الطريق أمام محاولات تهدف من بين أمور أخري إلي الدفع بالبلاد إلي مربع الانطلاقة للعملية السياسية،دون مراعاة للعواقب المحتملة لتلك التصرفات ولا انعكاساتها.

 

ان القطيعة بين أطراف المعادلة السياسية تعكسها بجلاء النزعة الذاتية الراسخة في البنية السياسية الموريتانية لدرجة تجعلنا نتساءل هل النخبة السياسية الحالية قادرة على تطوير الأداء السياسي من خلال الحوار وفقا لمبادئ الديمقراطية التعددية ؟ أم أنها أداة للإقصاء و الاحتكار لمجالات عدة ؟ مضيفة بذلك نظرة شمولية غير قابلة للتأقلم مع متطلبات العصر من حراك سياسي و اجتماعي ،نتجت عنه في بعض النماذج نتائج وخيمة ،حملت معها انتفاضة الشارع العربي المطالب بالتغيير و ما أصبح يعرف بالربيع العربي الذي فرض نفسه كمعادلة إقليمية لا مناص منها ،في وجه التحولات التي بدأت في الأفق بفعل إرادة الشباب ، كخيار بديل يحمل أكثر من دلالة،داخل محيط عربي يجهل عموما الثقافة الرقمية،مما أدي إلي حصول الكارثة و الانتكاسة التي أدت الي الحروب الأهلية و الدمار الاقتصادي و انتشار الفوضى .

 

الظرفية الحالية لواقع البلد تتطلب تصحيحا وتقويما يتماشى مع ما تمليه مصلحة البلد من تنازلات من هذا الطرف أو ذاك ، قصد الخروج من نفق مترامي الأطراف لنسلك معا طريق السلم و الأمن الاجتماعي ،من خلال مقاربة تشاركيه تنطلق من الواقع لتستلهم هموم المواطن و انشغالاته بعيدا عن المحاباة و المغالطة العمياء،تمهيدا لحوار حقيقي بين كافة الكتل السياسية،المؤسسة للنسق السياسي الكلي للبلد.