فضل الطغاة علي الغلاة
الاثنين, 05 أكتوبر 2015 14:05

 سيدي محمد ولد ابه Sidimoha@yahoo.fr سيدي محمد ولد ابه [email protected]أثار اختيار العلامة بن بيه تقديم محاربة الغلاة على مصاولة الطغاة موجة من التشهير بالعالم الجليل تولى كبرها الشنقيطي الخليق بذلك. فمن كانت "مآثره" الولغ في أعراض الصحابة، وإنكار بعض الحدود، والتألي على الله بالشهادة لعالم جليل بالنار، والتفنن في مدح حمد حين عزله الأمريكان، والسخرية من 

شعائر الحج، لا يستنكر منه وصف عالم جليل بالبلاهة السياسية. فتدوينات الشنقيطي منكر من القول يستغفر لصاحبه سبعين مرة. لكن ما يستحق التعليق من بين لغط الإخوان الكثير مطولة زكاها صاحبها في العنوان الذي اختاره لها، يعيد فيها ظهور الغلاة إلى تحكم الطغاة.

 

لعل أحسن ما في هذا القول هو تجاهله لتاريخ الإسلام؛ فقد ظهر الغلاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حيث لا طغاة ولا يحزنون... فالذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اعدل يا محمد، وهذه قسمة ما أريد بها وجه الله... لم يغل بسبب طاغية جاثم على صدره، وإنما بسبب مطالبته بحقوق لا أصل لها في عرف ولا دين. ففساد اعتقاده بحقه في الفيء هو الذي أرداه في الغلو، وحمله على الطعن جهرة في ولي الأمر الذي لا يتصور أحد أعدل منه، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. ونفس الغلاة هم الذين سيطعنون على الخليفة الثالث ذو النورين رضي الله عنه، فيستحلون دمه ويستبيحون مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والغلاة إياهم هم الذين سيطعنون على الإمام علي في أمر التحكيم مرتين؛ حين رفضه فأرغموه على قبوله بحجة حقن دماء المسلمين، ثم كفروه بقبوله رافعين شعار حق أريد به باطل:"لا حكم إلا لله". فهل كان عثمان وعلي رضوان الله عليهما من الطغاة الذين يؤدون إلى ظهور الغلاة في منهج ابن الرباني!

 

يأخذ ابن الرباني على العلامة عده محاربة الغلو أولى من مصاولة الطغيان، فيدعي أن "نصوص الشرع المحذرة من الجور ليست أقل غزارة وصراحة من تلك المحذرة من الغلو في الدين..." ولم يورد نصا واحدا، وإنما انفلت إلى شواهد التاريخ وتجارب الأمم، وقد أخذ على الشيخ، قبل سطور استشهاده بكلام الفلاسفة! ولا مقارنة في الأصل بين الغلو في الدين والطغيان في الحكم. فالأول مروق من الدين بصريح قول خاتم الأنبياء من مات عليه مات على غير ملة الإسلام، والثاني انحراف في السلوك يخشى على صاحبه ويرجى له. ونصوص الأحاديث الصريحة الصحيحة واضحة في التفريق بين الغلاة والطغاة. ففي بعض روايات حديث "يخرج من ضئضئي هذا... لإن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود." وهو تصريح بكفرهم ووجوب قتلهم. بينما أوصى صلى الله عليه وسلم بطاعة السلطان "ولو ضرب ظهرك وأكل مالك...(يراجعه السائل فيكررها)" وهل بعد التعذيب ومصادرة الأموال طغيان! وقد فرق الصحابة والتابعون في معاملاتهم بين الغلاة والطغاة بشكل واضح. فقد بايع الصحابة والتابعون الحجاج بن يوسف الثقفي رحمه الله، وصلوا خلفه قبل ظهور مصطلح صلاة المحاذاة، وهو اليوم مضرب مثل للطغيان. ولم يدع خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلعه والثورة عليه، حين أساء معاملته، وإنما اكتفى بأن شكاه إلى طاغية آخر في عرف الإخوان اليوم أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان الذي انتصف له. أما الغلاة فقد برأ منهم الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون لهم بإحسان، فنهوا عن مخالطتهم، وردوا شهادتهم، وآزروا "الطغاة" على حربهم. فعلماء الإسلام تولوا جميعا الأمويين في حربهم للخوارج. والأمويون اليوم مضرب مثل للطغيان في فقه الإخوان السياسي. فلا مناسبة في شرع الإسلام، قبل حدوث بدعة فقه الإخوان السياسي، بين الغلو في الدين والطغيان في الحكم...

ثم ينعى ابن الرباني على الشيخ تركيزه على سلمية الإسلام، ليخرج عن نص الإخوان، وقد كانت تلك إحدى محاسنه إلا في هذه، فينفي النسخ عن آيات الجهاد في سورة براءة منحازا بذلك إلى السلفية الجهادية ضد شيوخ الإخوان وعلى رأسهم القرضاوي الذي نظر لإبطال فريضة الجهاد في مؤلف من مجلدين زاد على ألف وثمانمائة صفحة سماه فقه الجهاد. ونظر محمد غلام في إحدى مطولاته لعدم التظاهر في بلاد الغرب احتجاجا على الإساءة إلى خير البرية متحججا بأن ذلك يضر الدعوة؛ دعوة الإخوان...فأين هو، هداه الله، من قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه التي بين جوانحه"! ونسي ابن الرباني أن الجهاد الذي تحث عليه براءة هو قتال المخالف في الملة لغرض واحد وحيد "لتكون كلمة الله هي العليا".

 

وما يفعله الغلاة اليوم، وقديما هو تكفير المسلمين لأنهم منعوهم حقوقا مزعومة (الفيء أيام النبي، والسلطان بعد ذلك إلى اليوم) وقتلهم من أجل التأمر عليهم. فلم يستشهد الغلاة في بلاط الشهداء، وما فتحوا السند والهند، وما دكوا أسوار القسطنطينية، وما ضربوا الحصار حول عاصمة الإبراطورية النمساوية... وإنما قتلهم المسلمون قديما في النهروان، والبصرة، وهم ينتقمون من المسلمين اليوم في بغداد ودمشق، وطرابلس، والقاهرة، وتونس. فجعلوا بلاد الإسلام أرض حربهم، وبلاد الكفر دار سلمهم يهاجرون إليها هربا من "طغيان" حكام المسلمين، زعموا! فالذين أحسنوا التوبة جاهدوا في الله حق جهاده، والذين تأولوا براءة قديما وحديثا تردوا في الفتنة فأركسوا فيها.

 

فذاك لعمري جهاد "الطغاة" المأجور بإذن الله، وهذه فتن الغلاة المظلمة كقطع الليل المدلهم.

 

يغمز الرباني من قناة الشيخ حين يصفه بالمقصدي. ونسي الرباني أن علماء الإخوان هم أول من ركب المقاصد لإبطال الجانب التعبدي في حدود الشرع ليجعلوا الشريعة قانونا يقصد إلى المصالح الدنيوية حصرا. فنفوا حد الردة وخصصوه دون دليل، في المرتد المحارب، فهو  أشبه بمقاصد الشرع في زعمهم، ومنه دلفوا إلى بقية الحدود ينقضونها حدا حدا؛ فقال بعضهم إن الرجم شريعة يهودية مستندين إلى اجتهاد وهبة الزحيلي، وإليه يميل القرضاوي كما صرح، وطرحوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين رجم الغامدية وقوله حين أمر برجم ماعز. وقالوا إن القطع ليس مقصودا لذاته، والقصاص لا يردع أحدا.

 

ثم تولى الإخوان أمر مصر فحكموا بغير ما أنزل الله، وسطوا على تونس فافتخر شيخهم الغنوشي بأنهم فتحوا الجامع إلى جانب الخمارة، وأفتى بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس من وظائف الدولة! ولعله يتلو قوله تعالى:"الذين إن مكانهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا  بالمعروف ونهوا عن المنكر..." فمقاصد الشيخ تسدد وتقارب، ومقاصد الإخوان ظهرت جلية حين ابتلاهم الله بالسلطة.

يدندن الإخوان، وابن الرباني منهم، حول لحم العلماء المسموم، وقد تناول جلهم هذه الأيام مضغة من لحم العالم بن بيه على قلته وكثرة سمومه لالتصاقه بأصله، عكس بعض علماء الإخوان الشبيهين بنحوص الحطيأة...

 

فإذا كان ابن بيه يتولى الطغاة إذا خير بينهم وبين الغلاة فقد التزم السنة، واعتزل الفتنة، واعتصم بقول النبي وسار على نهج الصحابة والتابعين وتولى الله ورسوله والذين آمنوا. والذين يتولون الغلاة يفارقون الجماعة، ويطرحون السنة، وهم حرب على المسلمين سلم مع الكافرين... فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعقلون!

 

بقي أن ننصف ابن الرباني، وإن كان في تفضيله الغلاة على الطغاة تنكب المنهج الرباني، فهو وابن مزيد ممن يخرجون أحيانا على سبل الإخوان ليعودوا إلى المحجة البيضاء؛ فعل ابن الرباني ذلك حين رد بعض منكر الشنقيطي، وفعلها ابن مزيد في نصحه للإخوان الذي قرعه ولد منصور عليه، وحين رد على الغنوشي أباطيله. فلعل عناية الله تردهما عن بدعة الإخوان إلى المحجة البيضاء... فالحي يرجى.