ماهكذا تكون الروح الوطنية والغيرة علي المقدسات...!
الاثنين, 28 سبتمبر 2015 15:59

السالك ولد عبد اللهالسالك ولد عبد اللهفي آخر ليلة من ليالي سنة 2002 (ليلة رأس السنة الميلادية)، وفيما كنت خارجا من أحد فنادق نواكشوط بعد انتهاء ندوة فكرية حول موضوع الربط بين الإرهاب والإسلام في الغرب؛ إذا برجل فرنسي

 يبدو من ملامحه أنه في عقده الخامس ؛ يزبد ويعربد، صابا جام شتائمه على من حاصروا سيارته بسياراتهم أمام الفندق المذكور..

 

كان ذلك الفرنسي يسب ويشتم البلد الذي يتواجد فوق أرضه وكل أهل هذا البلد.. وكان جمع من الناس (من الذين شملهم سبابه وشتائمه) يسايرونه في إظهار استيائهم مما "تعرض له" واستهجان الموقف الذي وجد فيه نفسه..

 

اقتربت من أحدهم تبين لي أنه موظف حكومي رفيع وسألته: "كيف تقبلون بإهانة بلدكم وشعبكم في عقر داركم من قبل أجنبي وافد؟ لماذا تؤازرونه ضد وطنكم؟".. التفت إلي وهو مندهش لكلامي وقال: "إنسان مثقف ومتحضر مثلك لا يتحدث بمثل هذه العبارات البدائية.. أنظر كيف أوقفوا سياراتهم بشكل فوضوي ليحاصروا هذا الأجنبي القادم من بلاد المدنية والعصرنة.. ماذا سيقول عنا حين يعود إلى بلده؟"..

تعجبت من هذا الطرح السقيم من لدن موظف سام في دولة تداس كرامتها ويهان أهلها أمام عينيه بكل هذه الوقاحة...!

وأثناء تزاحم الناس إذا بشاب يقترب مني ويقول: "لا تتعب نفسك هؤلاء مجموعة من النعاج يعبدون الأوروبيين ويقدسونهم، فلا وطنية لديهم ولا كرامة ولا نخوة"..

والتفت إلى الفرنسي وقال له: "إسمع عليك أن تنتظر حتى تنصرف آخر سيارة من هنا ثم تخرج بسيارتك إلى الجحيم.. إن نطقت بكلمة سوء واحدة أخرى سيكون لنا معك شأن آخر"..

فبهت الأجنبي ولاذ بصمت مطبق، قبل أن يقول بصوت أكثر هدوء: "سامحوني فقد أخذ مني الغضب كل مأخذ، بل ربما ثملت من فرط ما شربت من الكحول..

أنا آسف حقا، فقد تصرفت بطريقة غير لائقة.. أرجوا أن تقبلوا كامل اعتذاري، وسأعود إلى الغرفة حتى الصباج"..

 

تسلل الجميع كالفئران وركب كل منهم سيارته وانطلق نحو وجهته.. وعندها أعربت لذلك الشاب عن مدى إعجابي وتقديري لروح الوطنية التي يتحلى بها، وكم كانت مفاجأتي مذهلة عندما اكتشفت من حديثه بغير الفرنسية أنه من إحدى دول المغرب العربي (مغربي أو جزائري)؛ فسألته من أي بلد أنت؟

 

أجابني: "من ادزاير (الجزائر) لكنني الليلة فخور بأني موريطاني.. هذا الكلب المخمور يسبكم ويسب بلدكم وأنتم تتفرجون عليه وتجاملونه كل هذه المجاملة.. يا أخي والله لو قال كلمة واحدة من هذا الكلام في الجزائر لكان ذلك آخر عهد له بالخمر وبالحياة"..!!

 

تذكرت هذه الواقعة وأنا أتابع حملة شرسة عبر المواقع الإلكترونية الوطنية وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يشنها موريتانيون ضد المملكة العربية السعودية؛ بما يوحي بحس وطني يثلج الصدور ويزرع الزهو في النفوس..

 

غير أن بروز هذه "النزعة الوطنية" الجديدة في ظرف كهذا وضمن سياق بالغ الحساسية والتعقيد، يجعل غيمة كثيفة من علامات الاستفهام والتعجب تخيم على ذهني وأنا أتصفح تجلياتها من خلال تدوينات وكتابات عديدة..

 

ولست أخفي عنكم أنني لم آبه ـ في البداية ـ لما كتبه أحد مشاهير التحليل والرأي من أبناء هذا البلد المغتربين منذ أمد غير قصير؛ خاصة وأن ما جاء في ردة فعله على فاجعة رمي الجمرات بمنى، يوم عيد الأضحى المبارك ينسجم تمام الانسجام مع مواقف سبق له التعبير عنها شفهيا وكتابة في مناسبات عديدة سابقة؛ كما ينسجم مع رؤية الجهة التي يعمل ويقيم فيها.

 

لكن اتصالات عديدة وصلتني من بعض الإخوة ضمن جاليتنا المقيمة في المدينة المنورة وجدة والرياض، يستتغربون سر موجة "تهجم الموريتانيين على المملكة العربية السعودية قيادة وشعبا"؛ دفعتني إلى إعادة النظر فيما كُتب بهذا الشأن لأخلص إلى أن جله صادر عن أشخاص لا يخفون ميولهم الفكرية والسياسية المتطابقة مع الكاتب والمفكر البارز الذي أشرت إليه آنفا؛ وبعضه بدا لي أنه نوع من حب الظهور لدى بعض شبابنا المبهورين بأساليب إعلاميين ومحللين أغلبهم من ذات المدرسة ونفس التوجه الإيديولوجي الناقم على حكام المملكة العربية السعودية ومن والاهم.

 

وهنا أجد من الوارد التنبيه إلى حقائق معروفة لعامة الناس.. منها أن الغيرة على الوطن والذب عنه واجب على كل من ينتمي إليه بالفطرة أو بالتجنس، ولا يوجد أي مسوغ ولا مبرر للتقاعس عن هذا الواجب أو التهاون في أدائه.

 

بيد أن الإفراط في عنتريات الكتابة الإنشائية المنمقة والعبارات الأكثر قدحا بحق أشقاء قبل التبين والروية، مقابل التزام الصمت والخنوع في وجه حملات التنصير واستهداف المقدسات الدينية والوطنية نهارا جهارا، داخل موريتانيا وأمام أعين قادتها وشعبها، يصعب تصنيفه ضمن دائرة الروح الوطنية أو خانة الغيرة على مقدسات وثوابت الأمة.

 

ليس من الوطنية ولا من الغيرة على المقدسات تركيز سهام الشتائم والقدح نحو أشقاء يشهد تاريخ بلدنا، على مدى كافة مراحله، بما قدموه من عون ومؤازرة للموريتانيين المقيمين على أراضي بلدهم، ولأولئك المتواجدين هنا في موريتانيا..

 

ليس من الوطنية ولا من الغيرة على المقدسات تجاهل انتهاكات منظمات أجنبية تنصيرية وهي تسرح وتمرح في عموم البلد تنشر كتب التنصير وتزرع العداء للإسلام في نفوس وأذهان أطفالنا؛ ولا السكوت على تجاوزات دبلوماسيين غربيين يؤججون نار الفرقة والشقاق بين مكونات شعبنا لإذكاء الفتنة والتناحر بين أبناء هذا الوطن؛ وفي غالب الحالات تيسير مهامهم والسعي معهم من أجل تحقيقها..!

ليس من الوطنية ولا من الغيرة على المقدسات تعريض مئات العائلات الموريتانية التي وجدت الأمان والترحاب والتقدير في مختلف مدن المملكة العربية السعودية وحصل معيلوها على فرص غير متاحة لكثير من الجاليات الأخرى، لخطر التسفير أو المضايقة؛ بعدما تمكنوا من تأمين عيش عوائلهم وحتى من الإنفاق على ذويهم وأقاربهم المقيمين في بلدهم الذي لم يمنخهم فرصا لعيش كريم.

 

كلا.. تلك ليست هي الروح الوطنية الحقة ولا الغيرة الصادقة على مقدسات وثوابت الوطن وكرامته..

اللهم إلا إن كان ذلك من وجهة نظر صفوية أو حوثية بحته؛ ولا أخال من بين حمَلة لواء الذود عن كرامة الوطن وسمعته من استوصفوا أو استوحثوا..!!

 

حفظ الله موريتانيا من كل شر، وجاليتنا في السعودية من كل مكروه..