"طالبة الصفر" التي هزت الرأي العام المصري
الخميس, 10 سبتمبر 2015 10:02

وكالاتوكالاتفي التاسعة عشر من عمرها أصبحت مريم ملاك، الفتاه الصعيدية السمراء المتفوقة دراسيا، رمزا لتحدي الفساد في مصر منذ أن بدأت قبل أسابيع معركة بلا هوادة لإثبات تزوير نتائجها في الثانوية العامة التي جاءت "صفرا" في كل المواد.

الطالبة ذات النظارات الطبية السميكة، ابنة قرية صفط الخمار الفقيرة في محافظة المنيا، التي تظهر دوما في ملابس محتشمة وتربط شعرها الأسود الفاحم خلف رأسها، لم تترك طريقا إلا سلكته منذ ظهور النتائج في منتصف تموز/يوليو لتبرهن أنه تم "تبديل" أوراق إجاباتها بأوراق أخرى "نسبت إليها بالتزوير".

وكلما أوصد باب أمامها استمرت في المطالبة بـ"حقها" بإصرار وصلابة إلى أن ينفتح باب آخر.

"طالبة الصفر" تفوقت في الصفين الثانويين الأول والثاني تقول مريم "أشعر أنني في كابوس ولا أفهم ما يحدث لي". وتضيف "عندما رأيت أوراق الإجابة المنسوبة لي، لم أصدق عيني، فكل ما فيها بضعة أسطر منقولة من أوراق الأسئلة في حين أنني بشهادة زملائي والمراقبين في لجنة الامتحانات لم أكن أتوقف عن الكتابة طوال مدة الامتحان في كل مادة".

الفتاة التي أطلق عليها الإعلام المصري "طالبة الصفر" تتساءل بصوت هادئ "هل يعقل أن أحصل على صفر في كل المواد في حين أنني حصلت في الصفين الأول والثاني الثانوي على 96% و97% هل هذا منطقي؟".

لا تعرف مريم، التي تحلم بأن تصبح طبيبة مثل شقيقيها، من قام بـ"تبديل" أوراقها.

ولكن الطالبة تدرك أنها "تحارب الفساد" و"واثقة من أن الحق سيظهر وسيتغلب عليه".

وقال محامو مريم أكثر من مرة في مقابلات تلفزيونية إنهم يتشككون في أنه تم استبدال أوراق إجابات ابن مسؤول متنفذ في محافظة المنيا.

طعنت مريم بنتيجتها أمام الإدارة التعليمية في أسيوط حيث تم تصحيح أوراق الإجابة، ولكن شكواها رفضت فتقدمت بطعن آخر أمام النيابة العامة التي أمرت بتشكيل لجنة من خبراء الخطوط في المدينة نفسها للتأكد مما إذا كان الخط في أوراق الإجابة المنسوبة إليها مطابق لخطها أم لا.

غير أن مريم "انهارت وأغمي عليها واضطررنا لنقلها إلى المستشفى لإفاقتها وإعطائها محاليل عندما فوجئت بأن التقرير الرسمي لخبراء الخطوط يهدر حقها ويؤكد تطابق خطها مع الخط في الأوراق المزورة"، حسب ما يروي شقيقها مينا، وهو طبيب شاب في الثلاثين من عمره.

بعد ذلك مباشرة ظهرت مريم في أكثر من برنامج تلفزيوني وفي يدها قنينة استخدمت لإعطائها المحاليل في المستشفى ولم تستطع تمالك دموعها.

ورغم أن النيابة العامة أغلقت التحقيق استنادا إلى تقرير خبراء الخطوط، إلا أن الفتاة لم تستسلم وطعنت مجددا بقرار النيابة مطالبة بإعادة فتح التحقيق.

وعلى مدى الأسابيع التي تنقلت فيها مريم من مديريات التعليم إلى النيابة إلى الطب الشرعي، باتت قضيتها على كل لسان في مصر وأصبحت حديث الصحف وقنوات التلفزيون ولقيت عاصفة من التأييد والتعاطف على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث شكك كثيرون في تقرير الطب الشرعي الخاص بمريم وأطلقوا على تويتر هاشتاغ "#أنا-أصدق-مريم-ملاك".

قضية خالد عبد الحميد تطفو إلى السطح من جديد كتب الناشط خالد عبد الحميد على فيس بوك "هل تذكرون خالد سعيد"، في إشارة إلى الشاب الذي ضربته الشرطة حتى الموت على الطريق العام في الإسكندرية في حزيران/يونيو 2010 ثم قال تقرير للطب الشرعي إنه توفي نتيجة ابتلاعه "لفافة" من نبات مخدر، وهي حادثة تعتبر بمثابة الشرارة التي ألهبت ثورة 2011 ضد حسني مبارك.

وإزاء هذه الضجة الإعلامية، بادر رئيس الوزراء إبراهيم محلب إلى استقبال مريم في مكتبه الأسبوع الماضي وأكد في بيان أن "لديه ثقة بلا حدود في النيابة العامة، وأنه سيساند الطالبة في التظلم الذي تقدمت به، وكأنها ابنته، حتى تظهر الحقيقة فإن كان لها الحق ستحصل عليه كاملا وإن لم يكن لها حق سنخبرها بأنها ليس لها حق وبأسباب ذلك".

إعادة فتح التحقيق و"استكتاب" مريم مجددا وبالفعل قررت النيابة بعد إعادة فتح التحقيق وتكليف خبراء خطوط جدد من القاهرة بـ"استكتاب" مريم مجددا للتحقق مما إذا كان خطها مزورا أم لا.

بعد انتهاء مريم من هذا الاستكتاب الجديد في القاهرة الثلاثاء، قال شقيقها مينا أمام الصحفيين "مريم وأسرتها مستمرون في المطالبة بحقها لآخر لحظة، لن نترك حقها".

وأضاف "نحن حاليا في انتظار تقرير الطب الشرعي وإذا جاء لصالحنا كان به ولو لم يأت لصالحنا فنحن سنكمل طريقنا، لنا حق وسنأخذه فالأوراق المنسوبة لمريم ليست أوراقها وما بها ليس خطها".

وزارة التربية والتعليم اكتفت بالتأكيد على لسان رئيس إدارة الثانوية العامة أنها "ستنفذ أي قرار يأتي من النيابة العامة، نحن في الوزارة لسنا مع أحد أو ضد أحد".