خبراء الطب الشرعي يقطعون الشك باليقين في من سمم الرئيس ياسر عرفات
السبت, 09 نوفمبر 2013 11:40

الرئيس ياسر عرفات والمجاهد احمد ياسينالرئيس ياسر عرفات والمجاهد احمد ياسينأفاد تقرير لخبراء الطب الشرعي في سويسرا بأن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مات مسموما بمادة البولونيوم المشع.

وجاء في التقرير السويسري،أنه عثر على "معدلات مرتفعة بصورة غير متوقعة" من البولونيوم المشع، مما يؤيد "بصورة معقولة" نظرية انه مات مسموما، لكن الخبراء أكدوا وجود مشاكل عدة في التحقيق الذي أجروه، بما في ذلك أن التحقيق مبني على عينات محدودة، وأن الفارق بين تاريخ الوفاة وإجراء الفحوصات ثماني سنوات.

وبحلول يوم الاثنين، تكون قد مرت 9 سنوات كاملة على وفاة الرئيس ياسر عرفات، وتعود هذه الذكرى حبلى بالأسئلة، هل كان رحيل "أبو عمار" طبيعيا أم اغتيالا، وإن كان كذلك، فمن خطط وهندس للتخلص من عرفات، خاصة وأن المعطيات المتوفرة حاليا تؤكد أن أبو عمار قد قتل باستعمال البلونيوم المشع، لتكذب المعطيات الأولية بعيد وفاته، تبعا لما جاء في التقرير الأولي للأطباء الفرنسيين الذين فحصوه وقالوا حينها أن الفحوصات الطبية الشاملة كانت سلبية بما فيها دخول سموم للجسم.

كامب ديفيد الثانية بداية نهاية عرفات

 

الرغبة في التخلص من ياسر عرفات، لم تكن جديدة، وإنهاء حياة شخصية كبيرة مثله، يتطلب الكثير من التحضير، ويؤكد أحد رفقاء عرفات لـ"الشروق"، أن القرار النهائي بقتل عرفات، كان بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد في جويلية 2000، في ذلك اللقاء، كان لدى الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك، طموح يرتقي في سقفه إلى توقيع اتفاقية حل نهائي، ينهي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

 

لكن تمسك عرفات بمواقفه ورفض التوقيع على الحل المطروح، خيب آمال الأمريكان والاسرائيليين الذي اعتبره عرفات منقوصا، أما عرفات فاعتبر الوثيقة المعروضة عليه لا تلبي من وجهة نظره السقف الذي يطمح له الفلسطينيون وهو أراضي عام 1967 بما فيها، القدس الشرقية. أما إسرائيل فقد اعتبرت أنها قدمت في هذه المباحثات، أقصى ما يمكنها تقديمه، وألقت باللائمة على ياسر عرفات، ووافقتها الإدارة الأمريكية على ذلك.

 

من هنا بدأت حالة من الشد والجذب وحتى العداء بين إسرائيل وياسر عرفات على الرغم من المحاولات اللاحقة في لقاء طابا للتوصل إلى اتفاق. وقد توافق ذلك، مع اندلاع انتفاضة فلسطينية ثانية -الانتفاضة الثانية- التي كانت قد بدأت بالفعل قبل لقاء طابا، وقد اتهمت إسرائيل ياسر عرفات بالتحريض على أعمال العنف من طرف خفي أو بشكل موارب وأحيانا في العلن، سيما شعاره الذي كان يرفعه للمطالبة بالقدس الشرقية "على القدس رايحيين شهداء بالملايين".

عرفات قال لعباس أنت قرضاي فلسطين

واستنادا إلى مصدر الشروق، بدأت أمريكا حملة شرسة ضد ياسر عرفات، وأوعزت إلى عملائها من كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية،  كان من ابرز قادة الحملة ضد عرفات، محمد دحلان ومجموعة من ضباط الأمن الوقائي، واشترك في تلك الحملة شخصيات سياسية وثقافية مرموقة، وكان الغرض من تلك الحملة تشويه صورة عرفات من جهة، ومن جهة أخرى الضغط عليه لنزوع الصلاحيات وتسليم مجلس الوزراء لشخص واحد ممثلا في محمود عباس ابو مازن.

وينقل مصدرنا أن غضبا كبيرا كان يعتري عرفات من شخص أبو مازن، وتفطن لما كان يخطط له ومحاولة الانقلاب عليه بطلب من الإدارة الأمريكية، ولم يكن يتوانى في وصفه بـ"قرضاي فلسطين"، للدلالة على انه "عميل أمريكا"، ونفس الأمر مع محمود دحلان مسؤول الأمن الوقائي، الذين كان دوره وخدمته لأمريكا ظاهرة علرفات، ولهذا أطلق عليه وصف "الجاسوس"، ومن الأسماء المتورطة في عملية تشويه عرفات، مدير ديوان الرئاسة الطيب عبد الرحيم، ومدير مكتبه رمزي خوري، ومسؤول المخابرات توفيق الطراوي، والغريب أن هذا الأخير تولى بعد وفاة عرفات لجنة التحقيق في ظروف وفاته.

التشويه والحصار والإذلال

 

بعد حملة التشويه وحرب نزع الصلاحيات، تحولت الأطراف الفلسطينية المكلفة بالقضاء على ياسر عرفات، إلى مرحلة ثانية بأوجه مختلفة، فقد فرض على عرفات، سلام فياض كوزير للمالية، وغرض ذلك التحكم في مصادر تمويل السلطة الفلسطينية، لتبدأ بعدها آخر مرحلة، حينما اخرج أعداء عرفات أوراقهم إلى العلن عبر سياسة الحصار، ثم عزله عربيا من قبل اسرائيل منذ 29 مارس 2002، حيث  حاصرته القوات الإسرائيلية داخل مقره في المقاطعة مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية، وهكذا بدأت حالة من المناوشات التي يقتحم خلالها الجيش الإسرائيلي ويطلق النار هنا ويثقب الجدار هناك، وقابل عرفات ذلك بكثير من الصمود في مقره متمسكا بمواقفه، في تلك الفترة بدأ يتقاطر عليه في مقره بالمقاطعة مئات المتضامنين الدوليين المتعاطفين معه.

 

كذلك تعرض عرفات من قبل الإدارة الأمريكية وإسرائيل لحملة لاقصائه عن السلطة، أو ابعاده عن مركز القرار فيها بدعوى تحميله مسؤولية ما وصلت اليه الأوضاع في أراضي السلطة الفلسطينية من تدهور، ففي يوم 24 ماي 2002 طلب الرئيس الأمريكي جورج بوش، تشكيل قيادة فلسطينية جديدة، وبسبب الضغط الدولي وانسداد الأفق السياسي إضطر عرفات للتنازل عن بعض صلاحياته لرئيس الوزراء محمود عباس، ولكن عباس سرعان ما استقال وتولى المنصب أحمد قريع.

من وضع السم لعرفات في العسل

في 12 أكتوبر 2004، ظهرت أولى علامات التدهور الشديد لصحة ياسر عرفات، فقد أصيب عرفات كما أعلن أطباؤه بمرض في الجهاز الهضمي، وقبل ذلك بكثير، عانى عرفات من أمراض مختلفة، منها نزيف في الجمجمة ناجم عن حادثة طائرة، ومرض جلدي، ورجعة عامة عولجت بأدوية في العقد الأخير من حياته، والتهاب في المعدة أصيب به منذ أكتوبر 2003. وفي السنة الأخيرة من حياته تم تشخيص جرح في المعدة وحصى في كيس المرارة، وعانى ضعفاً عاماً وتقلباً في المزاج، فعانى من تدهور نفسي وضعف جسماني.

تدهورت الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني عرفات، تدهوراً سريعاً في نهاية أكتوبر 2004، وقامت على إثره طائرة مروحية بنقله إلى الأردن، ومن ثمة أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا في 29 أكتوبر 2004. وظهر الرئيس العليل على شاشة التلفاز مصحوباً بطاقم طبي، وقد بدت عليه معالم الوهن إلى أن توفي في11 نوفمبر من تلك السنة.

تحمل تصريحات سهى عرفات، لجريدة الشرق الأوسط أمس، اتهاما مبطنا لشخصيات في السلطة الفلسطينية بالتدبير لقتل ابو عرفات، وهو ما تجلى في قولها "أبو عمار قال لي حالتي ليست طبيعية ويجب أن تعرفي ماذا أصابني. هذه ليست أعراض مرض اعتيادي"، وأضافت: "كان الدم يخرج من جسده ويتألم بشدة ويقول: اعملي أي شيء"، وتابعت "عندما كان يأتي أبو عمار إلى غزة، حيث كنت موجودة كان يأكل مما يجري طبخه وإعداده في البيت أما في رام الله، حيث كان محاصرا هو لم يكن يهتم بموضوع الطعام".

وأردفت "المشكلة أن المواد السامة التي قتلته تدخل الجسد عن طريق السوائل الشاي أو القهوة أو عن طريق الحقن فقط"، ما يعني ان مادة البلوتونيوم المشع لم تكن لتصل إلى جسد ياسر عرفات، من خارج دائرة المقرّبين منه.

تصريحات أرملة ياسر عرفات، لم ترق لرئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في ظروف استشهاد الرئيس ياسر عرفات، اللواء توفيق الطيراوي، وقال أنها هي المتهم الأساسي والأول والوحيد في اغتيال ياسر عرفات.

وفي إسرائيل، اتهم مؤلفا كتاب "قتل ياسر عرفات" الصادر أوائل عام 2013 الدائرة المقربة من عرفات بالتورط في اغتيال الزعيم الفلسطيني الراحل وتسميمه بواسطة البولونيوم المشع.

وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني إن الصحفيين الإسرائيليين "مات ريس" و"ماثيو كالمان" اللذين يعيشان في القدس، لابد وأنهما يشعران بالاعتداد بنفسيهما في الوقت الحالي لأنهما توصلا إلى هذا الاكتشاف مبكرا. وتمضي الصحيفة بالقول أنه بينما تشير قناة "الجزيرة" القطرية إلى أن المشتبه بهم الرئيسيين هم "منافسو عرفات الفلسطينيين أو الحكومة الاسرائيلية"، يؤكد "ريس" و"كالمان" أن "أفراد الدائرة القريبة من رفاق عرفات هم المشتبه بهم الرئيسيون وليس إسرائيل". أما العقيد السابق في الاستخبارات الإسرائيلية مردخاي كيدار، فاتهم  سهى عرفات، بقتل زوجها عن طريق تسميمه، وقال العقيد السابق "إذا كانت هناك إثباتات لتسميم عرفات، فإن المرشحة الأولى لفعل ذلك هي أرملته سهى التي تريد اليوم إخفاء ما قامت به"، على حد قوله.

وأضاف كيدار "أن الكثير من الفلسطينيين يعلمون أن سهى عرفات، كانت تريد التخلّص من زوجها" ـ كما قال ـ.

 

وتعليقاً على الاتهامات الموجهة إلى الإسرائيليين بهذا الخصوص، وصف كيدار هذا الاتهام بأنه "سخيف ومضحك"، معلّلاً ذلك بأنه لو أقدمت تل أبيب على هذا الفعل فمن المؤكد أنها كانت لتستخدم سماً يختفي ولا يترك أية آثار، كي لا يتم اكتشافها من قبل أي كان، ــ وفق تقديره ـ.

 

الشروق أونلاين