محمد السالك ولد لولاه “أخر حبات العنقود”

جمعة, 09/29/2017 - 17:47
 القاظي مولاي احمد

بادئ ذي بدء لابد من الاشارة من انه ليس من طبعي ان أهجوا او أمدح  خاصة في هذا العالم الركيك الذي تساوي فيه التناقض

 والتكامل  وتقوده الغوغائية بأشكالها البشعة .. ورغم ذلك وجدتني آخذ قلمي لأدلي بشهادتي في حق هذا الرجل الذي سيحال الي التقاعد ،  لا مدحا ولا مجاملة فهناك بعض الاشخاص الذين يمرون من أمام أرصفةحياتك العملية مرورا عابرا .. وآخرون يفرضون عليك احترامهم ويتركون بصمة فعالة  ..  فلا تجد حرجا في ان تقول فيهم كلمة حق  ووقفة أنصاف امام  الضمير والتاريخ ،ولأن  التطرق إلى المدح لإي كان .. لا بد ان يكون ذلك الشخص له مؤيدون ومعارضون وواقعيون ومزايدون  علي نفس المنحي وعند ذلك وجب  التوقف ولو قليلا من اجل الفحص والتمعن .. لكن هذه الفاعدة الثابتة  تصفعها علاقة هذا  الرجل الانسان  بالجميع من ناحية و من  أخري من لا يشكر الناس لا يشكر الله  .. 

هو رجل وقور ومهذب في كل أخلاقه .. شهم و متواضع  ، «إنسان»،  والشهاده التى أعطاها فيه كل من التقى به .. هو
شخصية واعية مفعمة بالإنسانية والنبل والاخلاق الكبيرة و يملك فكرا عاليا،  يعامل  الكل .. كلها سواسية..  ولا توجد في قاموسه  العنصرية او  الحقد  الطبقي ' انه يعيد إلينا الأمل بأن نشاهد وجوه تخدم مصالح الوطن وتساهم في نهضة المجتمع   في محيط من الخراب والتخلف والفساد والفشل والمحسوبية على مختلف الأصعدة  ..  

 عرفته منذ مايقارب ثمانية عشر سنة  حينما كان مفتشا عاديا في مكتب الجمارك بالميناء  فكما كان صاحب عقلية فذة ونشط وسابق لأوانه في التفكير ولا يوجد من يسد مكانه بعقليته وتميزه  ، فكان  مبدعا  ومتواضعا ومتعاونا مع  الجميع بما في ذلك زملائه .. كل ذلك دفع رؤسائه السابقين والمتعاقبين علي  المكتب أيام ولد محمدو  وولد ا خليل  وكذلك المرحومين عبد الله ولد سعيد ودبا الله وما تبع ذلك ...الي  الاعتماد عليه كمرجع قائم ومنتظم لايمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال لإلمامه بقانون الجمارك والتكيف مع الإحداثيات الجديدة  ، ولانه  غزير المعلومات و ملتزما بدوامه  التزاما يدفعك الي طرحه في خانة اخري .. 

مرت الايام والشهور والسنوات..  ترقي وتصعد فيها  المناصب ولم يكن ذلك التدرج ليغير شيئا من تلك القيمة الثابتة  .. فظل إنسانا متواضعا ورغم  انه  تقلد في مامضي رئاسة المكتب  سنوات الا انه لم  يكن من الذين اذا استلموا منصب ' الرئيس '  ، اول ما يتبادر اليهم هي غريزة لدي الانسان تتمثل في حب السيطرة  إذ ان جل  رؤساء  المكاتب  وعموما الذين نراهم وخاصة في  اداراتنا يرغبون على الفور بإخضاع الموظفين دون اي نقاش ، بينما الطريقة المتعصرنة  للإدارة ترمي  هذه الطريقة بشكلٍ نهائي الي مزبلة النفايات  ، إذ ان  اي رئيس مؤسسة  ناجحة  هو الذي يقوم بإلهام الأفراد في مؤسسته  والتعاون  معهم بشكلٍ اخوي .. لتكون علاقة صداقة اكثر من علاقة مدير بتابعييه  .. هو كان كذلك..   كما انه  حافظ  من موقعه الحساس  طيلة مشواره علي  حفظ التوازنات بين الطبقات المتصارعة امام  الاحداث  والمتغيرلت السياسية والتغييرات في القيم والسلوك علي مستوي الافراد .. لأنه  كان يعي جيدا طيلة مشواره  ان القوانين والأنظمة لا يعني تطبيقها بشكلٍ عدواني يؤدي إلى إشعال النيران وخلق الازمات  بين الطبقات ، بل الأهم من وجود القوانين  هو التخطيط  والتفكير والحوار  بشكلٍ مستمرٍ بما يناسب وضع الادارة  مع   المؤسسات والافراد بمختلف الاتجاهات  والسيكولوجيات .  

 خدم الدولة طيلة مشواره  كموظف يحترم القانون وخدم الشعب كانه يعيش أحاسيسهم  وواحد منهم، لذا فموظف تتوفر فيه كل هذه الخصال  كان الأجدر بالدولة ان تقدم له وسام استحقاق  والتمديد فليس من  الإنصاف ولا حسن تسيير الخواتيم الإدارية أن يُودع من خدم البلاد والعباد في  صمت وان  يخرج خارج الوفاض بعد أن أدى واجبه نحو وطنه وساهم في إنجاح مهام قطاع حيوي بكل وجدانه مُتمكنا من مساطره الإجرائية مُبتعدا عن كل مامن شأنه الإخلال بالواجب الأخلاقي والوظيفي مُحترِما التراتب الإداري رغم أحقيته أن يقود ولا يقاد لحصافة رأيه ولدقة معطياته المتراكمة تجربة وتطبيقا وحسن سمعة وصيت يشهد له بها القاصي  قبل  الداني و رؤساؤه ومرؤوسيه وأقل ما ينبغي للدولة هو ترفيع رتبته والتمديد في مهامه ،  فتكريم  المتميزين وذكر مناقبهم سُنة إدارية حميدة تتبعها الدول حثا للأجيال على إتخاذهم قدوة ومثلا يحتذى به  ونبراسا يضيؤ طريقهم الوظيفي ... حتي يتسنى  للوافدين الجدد  الذين اعتمدت الدولة عليهم  ..القراءة والكتابة ..  فعروشهم خاوية لبناء الأجيال ويغلب عليهم الأمية الوظيفية وأحكامها....  ومن ثم  تكوينهم علي المهنية والصرامة وتطوير الشخصية الذاتية والعلمية  وتطبيق القوانين بطريقة تراعي كل معضل علي حدة ، لذا   فإن تأهيل الأطر الإدارية وتكوينها تكوينا جيدا مدخل رئيسي وشرط أساسي  نحو انتاج طبقة واعية وواعدة .  

سيغادر وان غادر .. سيخرج من الباب الكبير وهو ذات الباب الذي دخل منه ذات يوم باستحقاق  حاملا مفاتيح سيارته القديمة..  تلاعب وتداعب أصابع  أياديه البيضاء مغردة ان صاحبها لا يملك غيرها وهي حالة  استثنائية ، فرغم المناصب  التي مر بها والمكاسب التي يخولها له قانون الجمارك فضل صرفها علي المتقاعديين والسائلين وذوا الحاجات والماريين  وهو الراغب في استثمار آخلاقي وقيمي  مبتعدا عن مغريات المادة .  

  سيفقد  قطاع الجمارك   حقا آخر اهم  حبات العنقود و  بوصلة  قوانينه  المتزنة خلقا ونزاهة  وستكون الادارة مطالبة بوقفة تقدير واحترام ووفاء  لهذا الرجل ، اما الوسطاء  وأشباههم من الدخلاء علي مهنة الوساطة الجمركية  .. الناكرين لجميل رجل اخذ بأيايهم وانتشلهم من قاع الجهل المركب عموما وخاصة بالمساطر و  الاجراأت المتبعة بأسلوب لبق حسب مستوي فهم كل واحد منهم رغم مشقة المهمة واستحالتها في كثير من الاحيان  ..ليرتقي بهم الي اسلوب راق محترم  يخدم الخزانة .. لقد كان بمثابة المعلم الوفي والأخ الناصح دون انتظار جزاء او مقابل  ، فعليهم رد  الجميل اوبعضه فماجزاء الاحسان الا الاحسان..   والمطالبة بالتمديد وترفيع   رتبته ، فلطالما أعطاهم من وقته الكثير والكثير من السنوات كمن يدرس طفلا لا يزال في اولي سنواته الابتدائية   ليستوعبوا القوانين والمساطير وباسلوبهم  المركب.. و لو كان غيره  لأخذ القوانين معهم  بعصي حامورابي  وبوجه عبوس ..مقطب.. عكر ، كما يحدث يوميا في جميع إداراتنا مع المواطنين .

القاموس صغير جداً لوصفك  أيها الشهم ..وستظل ذكراك  محفورة علي ذاكرة الايام فوق جدار   النبل .. وسيظل دربك معمورا بالورود .. وسيظل حرفي هنا فقط نازفا علي انينه ولغته   .. ليبعثني بعيدا الي حيث زوايا الذاكرة المتعطشة ، وانا في سن المراهقة أتصفح كتابا للعملاق يوسف السباعي تحت عنوان " أرض النفاق "   و داخل أروقة  صفحاته لا ادري موقعها بالضبط.. حيث يقول   “إن هؤلاء البشر كلاب مسعورة، وأفاع رقط .. فإذا دفعتك مروءتك إلي أن تعطيهم إحسانا فاقذف به إليهم ثم اجر من أمامهم .. اعطهم الفضل وفر منهم .. لا تنتظر حتي مجرد الشكر .. انج بنفسك .. واذكر المثل .. اتق شر من أحسنت إليه ..”